شكَّل لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المرتقب السبت 4 ديسمبر/كانون الأول 2021، بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حالة من الانتقاد لدى جماعات حقوقية، لكونه أول لقاء علني فردي لزعيم دولة غربية مهمة مع ولي العهد بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي بسفارة بلاده بإسطنبول.
فمنذ عملية الاغتيال التي وقعت عام 2018، امتنع زعماء القوى الغربية عن اللقاءات الفردية المباشرة مع ولي العهد في المملكة، كما امتنع الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن الحديث مع الملك هاتفياً، في ما اعتبره كثيرون محاولة لتفادي إضفاء الشرعية على الحاكم الفعلي للمملكة.
إلا أن خطوة ماكرون تشير إلى أن واحداً على الأقل من زعماء القوى الغربية مستعد لتجديد العلاقات الرسمية مع ولي العهد مباشرة، بعد أقل من عام على نشر وكالات الاستخبارات الأمريكية تقريراً يفيد بأن الأمير محمد أمر باغتيال خاشقجي.
لا يوجد ما يبرر اللقاء
تقول أغنيس كالامار، وهي مواطنة فرنسية والأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: "مهما كانت مصلحة فرنسا الاقتصادية مع السعودية، لا يوجد ما يبرر شرعنتها لحاكم يقتل الصحفيين، ويهدد النشطاء، ويسجن النساء الناشطات في حقوق الإنسان، ويذبح المدنيين في اليمن، ويخدع المجتمع الدولي. ماكرون يحطّ من قدره ومن قدر بلده بمحاولته إقامة شراكة مع محمد بن سلمان"، حسبما نقلت صحيفة The Guardian البريطانية السبت 4 ديسمبر/كانون الأول 2021.
وبعد اتهام ماكرون بمحاولة "إصلاح صورة" الأمير محمد، دافع مكتبه عن هذا الاجتماع، وقال للصحفيين إن السعودية "طرف فاعل ومهم في المنطقة"، وأكد أن فرنسا ستجري "حواراً ضروريا" مع المملكة.
فيما قال قصر الإليزيه إن هذا الاجتماع الذي سيعقد في جدة لا يهدف بأي حال لإعادة العلاقات مع الأمير "إلى سابق عهدها"، بل هو جزء من استراتيجية ماكرون طويلة الأمد منذ انتخابه للمساهمة في إعادة الاستقرار إلى المنطقة وإن فرنسا "بمثابة قوة موازنة في تعزيز الحوار بين البلدان من البحر المتوسط إلى الخليج".
من جانبه، وصف بروس ريدل، الباحث البارز في مشروع بروكينغز الاستخباراتي الذي عمل محللاً للشؤون السعودية مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، هذا الاجتماع بأنه "ختم الموافقة الفرنسي على محمد بن سلمان وحربه في اليمن".
حيث قال: "أي مظهر من مظاهر الرفض الغربي للتصرفات السعودية في اليمن أصبح في خبر كان الآن. وهذا الاجتماع خيانة فرنسية واضحة للشعب اليمني".
وأشار ريدل إلى تقرير صادر عن الأمم المتحدة يفيد بأن ما يقرب من 400 ألف طفل عرضة لخطر الموت جوعاً في حرب اليمن، التي قال إنها كارثة محمد بن سلمان هو المتسبب الأكبر فيها.
زيارة على رأس وفد تجاري
ووصل الرئيس ماكرون إلى السعودية، السبت لإجراء محادثات مباشرة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بمشاركة وفد أعمال يضم حوالي 100 شركة، من بينها توتال إنرجيز وإي.دي.إف وتاليس وفيفندي.
وفي حديث للصحفيين في دبي، رفض ماكرون اتهامات بأنه يضفي الشرعية على ولي العهد، مضيفاً أن الأزمات المتعددة التي تواجهها المنطقة لا يمكن معالجتها بتجاهل المملكة.
حيث قال ماكرون "(يمكننا) أن نقرر بعد قضية خاشقجي أننا ليست لدينا سياسة في المنطقة، وهو خيار يمكن للبعض أن يدافع عنه، لكنني أعتقد أن فرنسا لها دور مهم في المنطقة. لا يعني ذلك أننا متواطئون أو أننا ننسى".
وتأتي زيارة ماكرون في وقت أعربت فيه دول الخليج العربية عن شكوكها بشأن مدى تركيز الولايات المتحدة على المنطقة حتى في الوقت الذي تسعى فيه الدول الخليجية للحصول على مزيد من الأسلحة من واشنطن.
ومن المتوقع أن يبحث الزعيمان مسائل إقليمية، منها القضية النووية الإيرانية، وكذلك لبنان، حيث أخفق ماكرون حتى الآن في إقناع دول الخليج العربية، التي يساورها القلق من نفوذ جماعة حزب الله المدعومة من إيران، في الدخول في حوار لمحاولة إيجاد حل.