تمكنت مباحثات "مكوكية" أجراها وفد أمريكي خاص في السعودية من الوصول إلى نقطة التقاء بين الولايات المتحدة التي تطالب بزيادة إنتاج النفط، وبين السعودية وروسيا وبقية دول "أوبك بلس" الرافضة لدعوات رفع الإنتاج.
بحسب وكالة Bloomberg الأمريكية الجمعة 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، فقد فاجأ التحالف الذي تقوده السعودية وروسيا الأسواق بالموافقة على إضافة 400 ألف برميل يومياً من النفط اعتباراً من يناير/كانون الثاني 2022.
مع ذلك، فقد تركَ التحالف البابَ مفتوحاً أمام تغيير قراره وقال إن وزراءه قد يجتمعون مرة أخرى في أي لحظة لمراجعة القرار إذا تغيرت الظروف، بحسب بلومبيرغ.
يأتي هذا الإعلان بعد أسابيع من التوتر الدبلوماسي بين السعودية والولايات المتحدة، في ظل دعوات من الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى زيادة إنتاج النفط لتخفيض أسعاره ومقاومة من التحالف الذي تقوده السعودية وروسيا للضغط الأمريكي.
وفد أمريكي في الخليج
لكن المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا في الخليج هذا الأسبوع جاءت نتيجة محادثاتهم حاسمةً لتغيير الأوضاع باتفاق يتجاوز السياسات النفطية، وفقاً لما قاله شخص مطلع على الاجتماعات.
ضم الوفد الأمريكي عاموس هوشستين، كبير دبلوماسيي الطاقة الأمريكيين، وداليب سينغ، نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي للاقتصاد الدولي.
حيث قال هوشستين في وقت سابق من هذا الأسبوع إن البلدين ناقشا كيفية "إقامة شراكة للاستثمار في تحول الطاقة، والتعاون من أجل بناء هيكل للانتقال إلى الطاقة النظيفة في القرن الحادي والعشرين".
مع ذلك، لم يتضح إلى أي مدى تجاوزت البعثة الدبلوماسية النقاشات حول الطاقة، لا سيما أن بايدن يرفض منذ توليه منصبه التعامل مباشرة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولم يتحدث إلا إلى والده الملك سلمان.
وبعيداً عن السياسة النفطية، فإن المصالح المتداخلة بين البلدين في هذا السياق تشمل الموقف من إيران والمحادثات حول احتواء طموحاتها النووية.
كانت الأمور وصلت إلى نقطة غير مريحة، خاصة بعد أن اضطر بايدن إلى الإفراج عن ملايين البراميل من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأمريكي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لخفض أسعار النفط بعد أن مضت دعواته إلى أوبك للتحرك دون استجابة.
واستند بايدن إلى مخاوف التضخم التي تطارد البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم لحشدِ مزيدٍ من التأثير لتلك الخطوة من خلال إشراك دول أخرى، منها اليابان والهند والمملكة المتحدة.
وعندما ظهر متحور كورونا الجديد الأسبوع الماضي وأدى الفزع العام منه إلى خفض أسعار النفط بنحو 20%، بدا أن التحالف النفطي لديه سبب وجيه آخر لخفض الإنتاج.
دور مهم للسعودية
لكن بعد محادثات في الخليج، توصَّل الطرفان إلى "حل وسط" يناسب الطرفين وموسكو أيضاً، التي كانت حريصة على مواصلة ضخ إنتاجها. ووافق التحالف النفطي على التمسك بخطته الأصلية المتمثلة في زيادة المعروض الإنتاجي تدريجياً، ولكن مع شرط التراجع في حالة حدوث تحولٍ في الأسواق نحو الأسوأ وتدني أسعار النفط بدرجة كبيرة.
على إثر ذلك، رحبت الولايات المتحدة بقرار أوبك، مع إشارة خاصة إلى دور المملكة.
حيث قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، بعد الاجتماع: "نثمِّن التنسيق الوثيق الذي جرى خلال الأسابيع الأخيرة مع شركائنا في السعودية والإمارات ومنتجين آخرين في (أوبك بلس) للعمل على مواجهة الضغوط الطارئة في الأسعار. ونعتقد أن هذا التنسيق الوثيق، إلى جانب الإفراج الأخير المنسَّق عن حصة من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، جديران بالمساعدة في تيسير الانتعاش الاقتصادي العالمي".
قبل الاجتماع، بدا وزراء "أوبك بلس" صامدين على رأيهم وشدد المندوبون على حالة الارتياب التي يفرضها متحور أوميكرون فيما يتعلق بالطلب على النفط عالمياً. ومن ثم، عمدوا إلى تأجيل القرار إلى اللحظة الأخيرة، وتأجيل الاجتماعات الفنية لإتاحة الوقت أمام ظهور أكبر قدر ممكن من المعلومات قبل أن يضطروا إلى التعامل مع حسابات الأمر.
في هذا السياق، انخفضت أسعار خام برنت، المعيار العالمي للنفط، بنسبة
4.6% مع أنباء التوصل إلى اتفاق "أوبك بلس"، لكنه استعاد تلك الخسائر حين استوعب المتداولون البند الذي يتيح التراجع عن الاتفاق وأهميته. وأنهى خام برنت اليوم على ارتفاع بنسبة 2.3% ليصل إلى سعر 70.48 دولار للبرميل.
أما "أوبك بلس"، فقالت في بيانها إن اجتماعاتها "في حالة انعقاد"، ما يعني أنها يمكن أن تغير قرارها دون سابق إنذار قبل اجتماعها المقبل، المقرر عقده في 4 يناير/كانون الثاني 2022. ويقول مسؤولون في أوبك إن هذا الانعقاد الدائم يمثل خطوة غير عادية لدرجة أنهم لا يذكرون سابقة لها.
وقال بوب مكنالي، رئيس مجموعة "رابيدان إنرجي" Rapidan Energy Group والمسؤول السابق في البيت الأبيض، "إن إعلان (أوبك بلس) أن اجتماعها في حالة انعقاد مستمرة هو أمر شديد الأهمية. فهو يشير إلى أنهم على استعداد للتراجع مؤقتاً أو التوقف تماماً إذا اقتضت الظروف ذلك".