يقولون إن كل الطرق تؤدي إلى روما، لكن إلى أين تؤدي كل طرق روما، سؤال تطرحه على نفسك ما إنْ تُلقي نظرة على خريطة المدينة الإيطالية الجميلة، حتى تقع عيناك على الكولسيوم، أشهر صروح العمارة الرومانية القديمة.
ولروما بهاؤها الخاص، تراه وتشعر به في أول لمسة بين قدميك وأرضها، من قلب الموت تنهض، تستطيع أن ترى نيرون ممسكاً بشعلة الموت يحرقها فتعود أجمل مما كانت مزدانة بلمسات دافنشي، وأنجلو، ورافائيلو.
يعتبر الكولسيوم أشهر صروح العمارة الرومانية، بناءً ونحتاً وأسراراً في الصناعة، إذ يحمل كثيراً من المتناقضات، سواء القوة، أو الضعف، والحياة، والموت، والهزيمة، والانتصار.
ومثلما يفخر المصريون بأهراماتهم، والصينيون بسورهم العظيم، يفخر الإيطاليون ببنائهم الأشهر (الكولسيوم)، حتى إنه في قمة العشرين الأخيرة التي عُقدت في روما في 30-31 أكتوبر/تشرين الأول 2021 كان الكولسيوم أول مَعْلَم يزوره قادة العالم نظراً لأهميته التاريخية الكبيرة.
كتلة هائلة الحجم والبنية..
والكولسيوم باللاتينية هي الكتلة هائلة الحجم والبنية، لكنه رغم رمزيته التاريخية، وعظم بنائه، يحمل كثيراً من مظاهر القتل عند الرومان، فخلال القرن الثالث قبل الميلاد، وأثناء الحروب البونية بين روما وقرطاج، ظهرت لعبة دموية عشقها الرومان.
لو كنت شاهدت المسلسل الكوري الشهير squid game، هذا الذي يقتل الناس فيه في لعبة موت نظير متعة منشودة من طبقة برجوازية، فالمسلسل كله مشهد مصغر عابر مما جرى في روما.
أقسى ساحة للموت في العهد القديم
ما إن تدخل إلى الكولسيوم، تكاد تسمع صرخات المحاربين وزئير الحيوانات المفترسة تنهش أجسادهم، ليس لأنهم خائنون أو قتلة، لكن من أجل المتعة فقط.
كان الرومان يقتلون أسراهم في ساحة المبنى الرئيسية وكأنهم في عرض مسرحي، يحضره عامة الشعب، والأباطرة، للاستمتاع، وكأنهم يشاهدون فيلماً في عرضه الأول، يصفقون ويهللون.
في الصف الأول، وخاصة المقصورات الأمامية، كان يجلس مشاهدو العرض الخاص، الـVIP، الإمبراطور، الحاشية، النبلاء والسيناتور، ويشترون بطاقات يانصيب تحمل أرقام اللاعبين، ويتراهنون على الفائز الأخير ويبدأون في التخمين من يصمد أمام الموت؟ ومن يبقى للنهاية؟
في زيارة لنا إلى هناك دخلنا من بواباته الرئيسية، ومررنا عبر المقصورات نشاهد تفاصيل البناء الضخم، والوقوف هنا ليس سهلاً على الإطلاق، الوقوف هنا جافّ وقاسٍ.
فأنت تقف في أماكن المقتولين، تسير في السراديب التي ساروا فيها، بأجسادهم النحيلة، تلك التي كتب عليها أن تواجه سيوف الرومان وأنياب أسودهم لمتعة دامية.
ممرات الانتظار طويلة، ومظلمة، مات فيها كثير من المقاتلين قبل اعتلاء المنصة، بسبب التدافع، وبسكتات قلبية، ماتوا من الهلع والرعب.
كان العبيد والأسرى يقتلون بعضهم بطرق رحيمة، هرباً من يوم المنازلة المشهود، هذا الذي يكافأ فيه الفائز بإعطائه سعفة نخيل ترمز إلى النصر، يمنح الهدايا والأموال، لكنه ومهما بلغت شجاعته وعدد انتصاراته، فإن الموت ينتظره في يوم لا محالة.
حتى ذوو الاحتياجات الخاصة.. يتبارزون بالإكراه
هل سمعت بالباراليمبيك؟ فرصة اللعب لأصحاب الاحتياجات الخاصة؟ هذه الفكرة خرجت من هنا، المعاقون لم يسلموا، كتب عليهم القتال أيضاً مثلهم مثل النساء والأطفال.
ساحة القتال الرئيسية انهارت بعد 4 قرون من بنائها، كانت مبنية بطول 87 متراً وعرض55 متراً، بنيت لكنها انهارت، وبقيت السراديب السفلية منها.
كانت تغمر بالماء في أحيان كثيرة، لتحاكي معركة بحرية يركب فيها الأسرى القوارب، لتزيد المتعة، كان الإمبراطور ينزل بنفسه في أحيان أخرى في استعراض للقوة.
صحيح أن ضحايا الإمبراطورية الرومانية بعشرات الآلاف، في غزوهم، أو ما اعتبروه فتحهم، لكن موتاً قاسياً لا غرض فيه سوى ضحكة مرسومة على أرواح الأبرياء له ألم خاص.