قالت صحيفة The Financial Times البريطانية، الإثنين 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن أسواق رأس المال بالإمارات مُقبلة على نوع من الاحتدام في تنافسها مع بورصات المنطقة، إذ تسعى دبي إلى إحياء بورصتها المتعثرة، بموجة من عروض الاكتتاب العامة الأولية.
بحسب الصحيفة ذاتها، تخطط حكومة الإمارات لخصخصة 10 شركات حكومية وشبه حكومية، حيث سيتم إدراج بعض أسهمها في بورصة دبي المحلية؛ في محاولةٍ لمنافسة نجاح إمارة أبوظبي المجاورة والسعودية. ويأمل مسؤولو الإمارة أيضاً تجذير مزيدٍ من الرقابة التنظيمية المحلية داخل دبي، بدلاً من إبقائها على مستوى الحكومة الاتحادية.
أيضاً اعتمدت دبي إطلاق صندوق صانع للسوق بقيمة ملياري درهم (544.6 مليون دولار)، وآخر بقيمة مليار درهم (272 مليون دولار)؛ لتشجيع شركات التكنولوجيا على الإدراج في السوق المالي.
كان حاكم دبي رئيس مجلس الوزراء الإماراتي، محمد بن راشد آل مكتوم، قد أعلن مطلع الشهر الجاري، اعتماد خطة لتطوير أسواق المال في دبي ومضاعفة القيمة السوقية إلى 3 تريليونات درهم (817 مليار دولار).
الإعلان عن طموحات دبي
منذ الإعلان عن طموحات دبي لأول مرة في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، ارتفع مؤشر بورصتها بنحو العُشر، ما رفع المعنويات التي كانت تحسنت بالفعل بشأن إقبال اقتصادها على التعافي في أعقاب القيود التي فرضتها جائحة كورونا.
تأتي هذه التحركات، التي لاقت استحساناً من قِبل البعض، بعد عدة سنوات خيم فيها الركود نسبياً على بورصة دبي، التي فشلت في العودة إلى مستويات الازدهار التي شهدتها خلال منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ففي عام 2000، أطلقت حكومة دبي بورصتها بقرض مصرفيٍّ قيمته 50 مليون درهم (14 مليون دولار)، وفي غضون نصف عقد، ارتفعت قيمة البورصة الناشئة إلى 120 مليون دولار، أي ثلاثة أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي لدبي في ذلك الوقت.
لكن السوق المدعوم بانتعاش سوق العقارات انهار في وقت لاحق تحت وطأة الأزمة العالمية 2007-2009، وظل ضعيفاً منذ هبوط أسعار النفط في عام 2014. وانخفض مؤشر يتتبع أسهم الإمارة -المسعَّرة بالدرهم- بنحو الثلثين في غضون 16 عاماً، بين أعلى مستوى لها في نوفمبر/تشرين الثاني 2005 ونهاية الشهر الماضي.
في المقابل، ارتفعت مؤشرات تتبع أسهم أبوظبي -التي كانت سوقاً أكثر هدوءاً وركوداً في وقت من الأوقات- بما يقرب من الخُمسين خلال الإطار الزمني نفسه. وتفتخر سوق الأوراق المالية في أبوظبي بحيازتها نحو 10 أضعاف سيولة دبي، من حيث متوسط قيمة التداول اليومية.
تفوُّق سوق الأسهم السعودية
إلا أن حجم سوق الأسهم السعودية البالغ 2.5 تريليون دولار تقريباً يتفوق كثيراً على منافسيها في الإمارات. وفي ظل المنافسة الشديدة التي تشهدها المنطقة، كشفت المملكة هذا الشهر عن خطط لإدراج أسهم مجموعة تداول السعودية في طرح عام أولي، وتتطلع إلى جمع ما يصل إلى مليار دولار. وفي المقابل، لاتزال الخطط طويلة الأمد لدمج بورصتي دبي وأبوظبي عالقة.
تزامناً مع النمو الذي تشهده الأسواق المحيطة، واجهت مدينة دبي مؤخراً سلسلة من عمليات الشطب للتداول على أسهم شركات مرتبطة بالحكومة مثل "موانئ دبي العالمية"، وشركة "إعمار العقارية"، مع منح الموافقات لمجموعة "داماك العقارية" المملوكة للقطاع الخاص لتحذو حذوها.
تمثيل الاقتصاد المتنوع
من جهته، قال أحد الأشخاص المطلعين على استراتيجية دبي، إن "الخصخصة الجزئية للشركات الحكومية ستساعد بورصة دبي على تمثيل الاقتصاد المتنوع للمدينة تمثيلاً أفضل. ويعتمد الجدول الزمني الكامل للعروض العامة الأولية على قدرة السوق وتوقِه لمثل هذه الإدراجات، والتي ستُسحب من مختلف القطاعات لتحقيق التوازن في السوق التي كانت تهيمن عليها تقليدياً العقارات والخدمات المالية".
في الوقت الحالي، تعتزم دبي المضي قدماً في تعويم هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا)، وتسعى إلى تقييم محتمل للأسهم بنحو 100 مليار دولار أو أكثر، إضافة إلى إنشاء صندوقٍ صانع للسوق بقيمة ملياري درهم (نحو 540 مليار دولار أمريكي). ويقول المسؤولون إن الهدف هو ترك بعض الحصص للمستثمرين؛ لضمان عمليات إدراج ناجحة في المستقبل وبناء ثقة لدى الجمهور بالسوق.
بدوره، أوضح طارق فضل الله، الرئيس التنفيذي لشركة "نومورا" لإدارة الأصول في الشرق الأوسط: "إدراج (ديوا) خطة كبيرة إلى الأمام في حملة تشتد الحاجة إليها لإنعاش أسواق رأس المال المحلية. وسيحدد سيرها الآراء العامة في مزيد من عمليات الإدراج، لاسيما آراء المستثمرين القلقين".
لجنة برئاسة نجل حاكم دبي
فيما لفت مصرفيون إلى أن مجموعة "تيكوم"، وحدة المجمعات السكنية التابعة لدبي للعقارات، المملوكة لحاكم إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم، من المقرر إدراجها أيضاً، كما أعلنت الحكومة عن خطط لخصخصة جزئية لنظام "سالك" الإلكتروني للتعرفة المرورية في دبي.
يشار إلى أن القائم على تنفيذ استراتيجية أسواق رأس المال الجديدة لدبي لجنة برئاسة نجل الشيخ مكتوم بن محمد آل مكتوم، وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن الشيخ مكتوم عازمٌ على تعزيز "الشفافية" بوصفها جزءاً من خطته لإنعاش الاقتصاد المحلي، بحسب الصحيفة البريطانية.
مع ذلك، لا يزال بعض المستثمرين متشككين في تلك الأهداف الطموحة، وعلَّل أحد مديري الصناديق ذلك بما وصفه بالسجل السيئ في عمليات التنظيم والمخاوف بشأن غسل الأموال، التي يقول إنها لطالما أعاقت تدفق رأس المال الأجنبي، مضيفاً أن "التحسينات التنظيمية خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن دبي مازالت سمعتها سيئة" في هذا السياق.