قالت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، في تقرير نشرته الجمعة 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن ظهور متحور فيروس كورونا الجديد عالي الطفرات في جنوب إفريقيا سلّط الضوء على المخاطر التي تُهدّد الصحة العامة العالمية نتيجة وجود أعداد كبيرة من السكان غير المطعَّمين في العالم النامي، حيث تُعاني الدول للحصول على اللقاحات، مما يسمح للفيروس بالانتشار والتطور.
إجمالاً، تم تطعيم 7% من سكان إفريقيا بالكامل، مقارنةً بنسبة 42% من سكان العالم، وفقاً لبيانات مشروع Our World In Data بجامعة أكسفورد. أما في أوروبا والولايات المتحدة، فقد وصلت معدلات التطعيم الكامل إلى 67% و58% على الترتيب.
صعود المتحور الجديد من كورونا
يقول مسؤولو الصحة العامة إن هذا التفاوت فتح الباب أمام صعود المتحور الجديد، الذي يحمل أكثر من 50 طفرة مقارنةً بالفيروس الأساسي الذي ظهر في ووهان بالصين قبل عامين، و30 منها موجودة على الشوكة البروتينية للفيروس (القسيم الفولفي) التي تستهدفها اللقاحات بشكلٍ أساسي.
أعلن علماء منظمة الصحة العالمية، الجمعة 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن السلالة الجديدة، التي أطلقوا عليها اسم "أوميكرون"، "سلالةٌ مثيرة للقلق". كما قالوا إن الأدلة تُشير إلى كون "أوميكرون" مُعدياً أكثر، وأنه قادر على إصابة الأشخاص الذين حصلوا على التطعيم أو سبقت لهم الإصابة بكوفيد-19.
بينما قال بعض مسؤولي الصحة العامة إنهم يشعرون بالقلق من أن العالم يُخاطر بالدخول في دوامةٍ خطيرة من ظهور التحورات الجديدة وسط السكان غير المطعمين؛ مما سيدفع الدول ذات معدلات التطعيم العالية إلى طلب مزيد من جرعات التعزيز لسكانها، ومن ثم تزيد صعوبة حصول بلدان العالم النامي على جرعات التطعيم الأساسية.
منظومة مراقبة شاملة
لم يتضح بعدُ أين نشأ المتحور الجديد. إذ طوّرت جنوب إفريقيا منظومة مراقبة شاملة، تعتمد على جمع عينات للتسلسل الوراثي الخاص بفيروس كورونا؛ من أجل ملاحظة التغيرات التي تطرأ على مُسبِّب المرض، مما يعني أن جنوب إفريقيا قد تكون البلدَ الذي رصد المتحور، وليس بلد المنشأ.
على مدار غالبية أوقات عام 2021، جلست إفريقيا على مقاعد البدلاء في خضم الحملة الضخمة لنشر اللقاحات حول العالم. إذ لم تُرسل مبادرة كوفاكس، المدعومة من منظمة الصحة العالمية لتوصيل الجرعات إلى الدول منخفضة الدخل، سوى 544 مليون جرعة فقط إلى أفريقيا، أي ثُلث الجرعات التي كان يُفترض تسليمها حتى الآن.
حيث تأخر تسليم بقية الجرعات، بسبب حالات حظر الصادرات، وفوضى التصنيع، واجتياح متحور دلتا للهند، أكبر مُصنّعي اللقاحات في العالم. لكن هذه العقبات بدأت تُرفع مؤقتاً في الفترة الأخيرة، إذ تتوقع مبادرة كوفاكس تسليم 400 مليون جرعة على الأقل خلال الشهر المقبل.
مع ذلك، فإن هناك طلبيات كبيرة من إنتاج العالم عموماً ستذهب إلى الدول الغنية، لتُواجه خطر تخزينها على الأرفف دون استخدام. بينما لا تعلم الدول الأفقر الموعد المتوقع لوصول جرعاتها.
مواجهة تحديات جديدة
مع زيادة العرض، ستبدأ سلطات الدول الأفقر في مواجهة تحديات جديدة، وأهمها: ضعف الطلب، حيث إنّ سكان المناطق التي بها حالات قليلة -أو لا تُوجد بها حالات مؤكدة؛ لضعف الاختبارات والرعاية الصحية- لا يشعرون بالضغط من أجل الحصول على التطعيم.
تُواجه تلك الحكومات صعوبةً في تمويل حملات التوعية، كما أن شحنات الجرعات الضخمة وصلت دون سابق إنذار، بعد عامٍ كامل من الانتظار، دون أن يتسنى لها الوقت الكافي لإنشاء مراكز التطعيم. ولا شك في أنّ حفظ الجرعات بتبريدٍ مناسب يُمثل صداعاً لدولٍ تنقطع فيها الكهرباء باستمرار.
حذّر رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، جوردون براون، من أنّ فشل الدول الغنية في إيصال اللقاحات إلى العالم النامي "سيعود ليطاردنا"، فيما يقول الخبراء إنه كان من الممكن تفادي ظهور التحورات الجديدة لو تم توزيع التطعيمات بشكلٍ عادلٍ أكثر.
أردف براون: "في غياب التطعيم الجماعي، سيُواصل كوفيد الانتشار دون رادع وسط الأشخاص غير المطعمين. كما ستظهر تحورات جديدة من الدول الأفقر لتهدد الجميع الآن، وهذا يشمل حتى الأشخاص المطعمين في أكثر دول العالم ثراءً".
تابع قائلاً إن قادة العالم بحاجةٍ الآن إلى اتفاقية عالمية لضمان توزيعٍ أفضل، واتّهم الاتحاد الأوروبي باتباع نهج "الاستعمار الجديد" حين اشترى معظم اللقاحات التي أنتجتها جنوب إفريقيا.
حرمان الدول من اللقاحات
في حين قال خبراء مثل تيم بيرلي، من منظمة Global Justice Now، إنّ صعود المتحور كان بالإمكان "تفاديه بالكامل"، وإنّ الظروف التي أدت إلى ظهوره ترجع إلى حرمان الدول منخفضة ومتوسطة الدخل من الوصول العادل إلى اللقاحات على يد المملكة المتحدة.
أضاف: "على مدار أكثر من عام، ناشدت جنوب إفريقيا وبوتسوانا وغالبية الدول قادة العالم، التنازل عن حقوق الملكية الفكرية للقاحات، واختبارات، وعلاجات فيروس كورونا؛ وذلك حتى تتمكن تلك الدول من إنتاج جرعاتها بنفسها. وهو إجراءٌ ضروري ستتم مناقشته في مؤتمر منظمة التجارة العالمية الأسبوع المقبل. ولكن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كانا السبب الرئيسي وراء عرقلة هذه الجهود حتى الآن".
من ناحيةٍ أخرى قالت الدكتورة أيوادي ألاكيجا، رئيسة برنامج توصيل اللقاحات التابع للاتحاد الإفريقي: "أشعر بغضبٍ شديدٍ الآن. فحتى لو لم يقتنعوا بالحجة الأخلاقية، وحتى لو فقدنا رؤيتنا للإنسانية التي تجمعنا؛ فلا شك في أنّ منظور المصلحة الذاتية المستنير كان سيجعلهم يدركون أن عدم تطعيم العالم بشكلٍ عادل وسريع سيؤدي بالتأكيد إلى ظهور تحورات جديدة لا نعلم ما إذا كنا سنتمكّن من السيطرة عليها".
أضافت ألاكيجا: "لو حصلت جنوب إفريقيا وبقية دول القارة على التطعيمات في الوقت نفسه بالتزامن مع بقية دول العالم الغنية؛ لَما شهدنا هذا الانتشار والتكاثر غير المحكوم للفيروس وما تبعه من طفرات".