أعادت رحلتان جويتان مئات العراقيين الذين سعوا لدخول الاتحاد الأوروبي عبر روسيا البيضاء، الجمعة 26 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث بدأ مزيد من المهاجرين يفقدون الأمل في الوصول بأمان إلى بلدان التكتل الغنية، في ظل ما يوصف بسوء المعاملة والانتهاكات التي يتعرَّض لها طالبو اللجوء على أيدي السلطات البيلاروسية، وفقاً لما أوردته صحيفة The Independent البريطانية.
حيث قالت حكومة كردستان العراق ومسؤولون بمطار أربيل الدولي، إن الطائرتين هبطتا في أربيل عاصمة الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي، في الساعات الأولى من صباح الجمعة، على متنهما نحو 600 عراقي، معظمهم من الأكراد.
كان من المُتوقَّع وصول رحلة جديدة في الساعات الأولى من صباح الجمعة، بحسب تغريدةٍ نشرها لاوك غافوري، المتحدِّث باسم حكومة كردستان، على منصة تويتر. ولم تتضح بعدُ تفاصيل تلك الرحلة.
شعور بالارتياح
فيما قال العديد من الركاب إنهم شعروا بالارتياح للعودة إلى وطنهم، وذلك في أعقاب فشل محاولتهم الوصول لأوروبا.
من جهتهم، أشار البعض إلى "قسوة سلطات الحدود البيلاروسية -من الضرب إلى التهديدات- ومحاولات دفعهم إلى دول الاتحاد الأوروبي المجاورة، مثل بولندا وليتوانيا". وكان هؤلاء العراقيون يأملون العبور، لكن ليس تحت تهديد البيلاروسيين.
في حين لا يزال آلاف المهاجرين عالقين بين الحدود. ويفرُّ معظمهم من الصراع أو اليأس في الشرق الأوسط، ويهدفون إلى الوصول إلى ألمانيا أو دول أوروبا الغربية الأخرى. لكن بولندا اتَّخَذَت موقفاً متشدِّداً بشأن السماح لهم بالدخول، ولم ترغب بيلاروسيا في عودتهم إلى العاصمة مينسك أو الاستقرار على أراضيها.
تجارب مريرة
بدوره، قال أحد المهاجرين، ويُدعَى نصير: "نحن ممتنون لوصولنا إلى الوطن، لأن الإنسانية والعدالة التي يقولها الناس عن أوروبا بعيدتان كلَّ البُعدِ عن الواقع. هذا ليس صحيحاً على الإطلاق، لقد تعرَّضنا للضرب المبرح".
نصير أضاف: "الآن يندم الناس على ذهابهم إلى هناك، ويطالبون بالعودة إلى الوطن، لأن درجة الحرارة 15 درجة تحت الصفر في بيلاروسيا الآن".
كما ذكرت ملك حسن، (11 عاماً)، والتي حاولت عائلتها عبور حدود روسيا البيضاء إلى الاتحاد الأوروبي: "لا أريد أن أعود إلى هذا الطريق. كان الوضع سيئاً، وكان هناك كثير من الأمطار والثلوج".
أيضاً نوّه أوات قادر إلى أنه رأى مهاجرين يتعرضون للضرب في أثناء مكوثه بالقرب من الحدود بين روسيا البيضاء وليتوانيا، مضيفا أنه لن يحاول خوض هذه الرحلة مرة أخرى، مردفاً: "كان علينا دفع كثير من المال حتى لمجرد العودة إلى مينسك".
من جانبه، تابع عماد حسين، وهو عائدٌ آخر: "أصعب شيءٍ هو أن ترى أطفالاً عالقين هناك. الأمر صعبٌ للغاية".
البحث عن حياة أفضل
يشار إلى أن العراقيين الذين سافروا بحثاً عن حياة أفضل وفي بعض الحالات لطلب اللجوء السياسي، كانوا قد بدأوا بالعودة إلى بلادهم قبل أسبوع، بعد أن فشلوا في الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر طريق وعدهم المهربون بأنه مضمون.
إذ اختار بعض أكراد العراق القيام بهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر بأعدادٍ كبيرة، من خلال بيع ممتلكاتهم لدفع أموالٍ للمهرِّبين. وهم يشيرون إلى ارتفاع معدَّلات البطالة، والفساد المستشري، والأزمة الاقتصادية الأخيرة التي أدَّت إلى انخفاض رواتب موظَّفي الدولة في المنطقة التي يديرها الأكراد، باعتبار أن هذه العوامل تمثِّل الدافع وراء رغبتهم في المغادرة.
كان النقص في الميزانية، الناجم عن انهيار أسعار النفط، العام الماضي، قد تسبَّبَ في مصاعب حياتية جمَّة بالنسبة لأكراد العراق. وتعتمد المنطقة، التي تتمتَّع بالحكم الذاتي، على تحويلات الميزانية من الحكومة الفيدرالية لدفع رواتب موظَّفي القطاع العام، لكنها كانت متقطِّعةً، بسبب الخلاف طويل الأمد حول السياسة المستقلة لتصدير النفط في كردستان. ونتيجة لذلك، طُبِّقَت تدابير تقشفية وخُفِضَت الأجور في العام الماضي.
جدير بالذكر أن 27 مهاجراً كانوا قد لقوا، الأربعاء، حتفهم في أثناء محاولتهم عبور القنال الإنجليزي عندما غرق زورقهم، مما يعيد إلى الأذهان أزمة المهاجرين عام 2015 عندما غرق آلاف الأشخاص الفارين من الحروب والصراعات بالشرق الأوسط في أثناء محاولتهم عبور البحر للوصول إلى أوروبا.
في السياق، أعلنت وزارة الخارجية العراقية، الجمعة 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، سحب رخصة عمل القنصل البيلاروسي الفخري في بغداد مؤقتاً، وإيقاف رحلات الطيران المباشر مع روسيا البيضاء؛ وذلك في محاولة لحماية العراقيين من شبكات تهريب البشر.
بينما يتهم الاتحاد الأوروبي الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، بتنسيق وصول هذه الموجة من المهاجرين واللاجئين إلى الجانب الشرقي من التكتل، وذلك رداً على العقوبات الأوروبية التي فُرضت على بلاده بعد "القمع الوحشي" الذي مارسه نظامه بحق المعارضة في عام 2020.
كذلك اتهم الاتحاد الأوروبي روسيا البيضاء بإثارة الأزمة، مشيراً إلى أنها تقدم التأشيرات وتذاكر السفر لمواطنين في الشرق الأوسط وتُشجعهم على عبور الحدود بطريق غير مشروع.
في المقابل، تنفي روسيا البيضاء افتعال الأزمة، لكنها قالت أيضاً إنها لا يمكنها المساعدة في حلها إلا إذا رفع الاتحاد الأوروبي عقوبات فرضها عليها في السابق لمعاقبة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو.