تسبَّب وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة المغربي، شكيب بنموسى، في صدمة كبيرة لدى فئات كثيرة في المجتمع المغربي، حينما أصدر قراراً بتحديد شروط التعيين بمهنة التدريس، كان أقساها وقعاً وضع سن الثلاثين كسقف للتعيين في التدريس.
قرار الوزير المغربي فجَّر موجات غضب شعبية، زاد من ضراوتها خروج عدد من المسؤولين الحكوميين والحزبيين دعماً للقرار، وهو ما انعكس بدروه على الجامعات والمعاهد التي تعيش منذ بداية الأسبوع على وقع مقاطعة الدراسة، واحتجاجات وصدامات مع قوات الأمن في محيط الكليات.
تقرير سري
في آخر ظهور لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، على شاشة القناة الثانية، ليلة الأربعاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حاول إزالة المخاوف من القرار، مؤكداً أن قرار تحديد سن الالتحاق بوظيفة التدريس بـ30 سنة لا علاقة له بأزمة صناديق التقاعد.
الوزير حرص، خلال الـ30 دقيقة، عمر البرنامج الخاص، على كسب الأسر المغربية التي يدرس أبناؤها في مدارس عمومية، عبر الحديث عن إيجابيات القرار ودروه في تأهيل المدرسين، وجودة ما يقدمونه للتلاميذ.
تصريحات الوزير اعتبرتها مصادر حكومية "محاولة لتبرير قرار له خلفيات غير معلنة، وهذا سيزيد من أزمة الشك بين الحكومة الحالية والمجتمع الغاضب منها".
المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، قالت في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "القرار مرتبط بتقرير أعده الصندوق الوطني للتقاعد تم رفعه إلى رئاسة الحكومة".
وزادت المصادر أن هذا التقرير دعا بشكل صريح وواضح الحكومة إلى مواصلة إصلاحات صناديق التقاعد، من خلال زيادة مساهمات المنخرطين، وتأخير سن الحصول على التقاعد.
وتابعت أن رفع المساهمات (الأمر الأول) تم عبر مقترحين؛ الأول، الرفع الفعلي لتلك المساهمات، أما الثاني فزيادة سنوات العمل "النشط"، بما يعني وضع حد أقصى من أجل الولوج إلى الوظيفة العمومية.
أما الأمر الثاني، بحسب المصادر نفسها، فهو خطوة بالاتجاه المعاكس، وهي تأخير سن التقاعد، بما يعني الانتقال إلى ما بعد 63 سنة المعتمدة حالياً.
وزادت المصادر أن هذه الثنائية جرت تسميتها في التقرير، برفع سنوات "النشاط العالي" بالنسبة للأولى، وزيادة نسبة المساهمات من جهة ثانية.
وشددت المصادر على أن التقرير رسم صورة قاتمة عن مستقبل صناديق التقاعد في المغرب، رغم إقراره بأن إصلاحات 2016 ساهمت بشكل كبير في إنقاذ الصناديق من تفجير أزمة اجتماعية كبيرة في المغرب.
شك كبير
مصادر مقربة من ملف التقاعد في المغرب أوضحت أن قرار تحديد الولوج إلى مهن التدريس حَكَمه الخوف من شبح إفلاس صناديق التقاعد التي انفجرت في 2010، والتي فجَّرت صراعاً بين حكومة (2012 ـ 2016) وبين نقابات العمال.
وشددت المصادر، في تصريحات لـ"عربي بوست"، على أن "خطوة وزير التربية الوطنية هي تنفيذ لقرار حكومي يتعلق بمواصلة إصلاح صناديق التقاعد، وهي مبنية على الأقل على دراسة بحثت الفئات العمرية التي تُدخل مهنة التدريس في إطار التعاقد بالمغرب".
وتابعت المصادر أنه لا يجب إغفال أمر آخر يتعلق بإدماج الأساتذة المتعاقدين في نظام الصندوق الوطني للتقاعد (CMR) هذه السنة، وهو الأمر الذي زاد أعباء مالية إضافية على الصناديق، وخلق ضغطاً جديداً على الصندوق الوطني.
وفي سنة 2016 أحدث المغرب نظام التعاقد في التعليم، وكان من مقتضياته حرمان الأساتذة المتعاقدين من الاستفادة من أنظمة التقاعد، هذه النقطة وغيرها دفعت عشرات آلاف الأساتذة إلى الاحتجاج بالشوارع، وهو ما دفع الحكومة بعد سنوات إلى التراجع، وإدماجهم في أنظمة التقاعد.
وتابعت المصادر القول إن ضرورات الوضوح مع المجتمع تُلزم الحكومة بالكشف عن الأرقام الحقيقية للمتقاعدين من قطاع التعليم هذه السنة وفي السنوات المقبلة، وأثر ذلك على توازن الصندوق المغربي للتقاعد.
ذات المصادر أكدت وجود أرقام كبيرة لدرجة أنها أصبحت تهدد "التوازن الهش" الذي أقرته تعديلات 2016، والتي ضمنت استقرار الصندوق المغربي للتقاعد إلى حدود 2028.
وكانت الحكومة ما قبل السابقة، قد أجرت إصلاحات "قياسية" لأنظمة التقاعد في المغرب، حيث رفعت سن التقاعد من 60 إلى 63 عاماً، وخفضت معدل المعاشات من 2.5% إلى 2%، وزادت نسبة المساهمة من 20% إلى 28%.
وأضافت المصادر أن إصلاح التقاعد ضرورة للجميع، لكن طريقة التعامل مع هذا الملف تجعلنا أمام حلول على حساب "ضحايا" سوء تدبير الصناديق.
إصلاح حكومي
تصريحات المصادر لـ"عربي بوست" يدعمها قانون المالية لسنة 2022، الذي أعدته الحكومة وصادق عليه البرلمان، والذي أعلن أنه سيتم "الجزء الثاني" من إصلاح صناديق التقاعد.
وأقرت المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية لسنة 2022 بأن وزارة الاقتصاد والمالية أطلقت "دراسة" لتصميم نظام التقاعد بقطبين وتحديد كيفية تفعيله.
وقالت المذكرة إن هذه الدراسة تقوم على أربع مراحل: الأولى تشخيص الوضعية الحالية لأنظمة التقاعد، الثانية تُعنى بالتصميم التقني لمنظومة القطبين، فيما تخص الثالثة حكامة وكيفيات تسيير المنظومة، بينما تضع الرابعة خارطة الطريق للانتقال من الوضعية الحالية إلى النظام المنشود.
من جهة أخرى، ورغم تهرب المسؤولين الحكوميين من ربط تحديد سن الولوج إلى التدريس بإصلاحات صندوق التقاعد، فإن المذكرة التقديمية لقانون المالية لسنة 2022 -كما قدمها رئيس الحكومة أمام البرلمان، كشفت مواصلة حكومة عزيز أخنوش إصلاح منظومة التقاعد الذي بدأته الحكومات السابقة.
وسجلت المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية 2022 أن المغرب مقبل على الجزء الثاني من مسلسل الإصلاح الهيكلي لأنظمة التقاعد، بعد نجاحه في الجزء الأول.
وتابعت الوثيقة أن المرحلة الأولى اعتزمت التطبيق التدريجي ابتداء من سنة 2016 للإصلاح المقياسي المستعجل لنظام المعاشات المدنية بالنظر إلى هشاشة توازناته المالية، وكذا العجز التقني المسجل.
وأفادت بأن هذا الإصلاح نجح في تأخير تاريخ نفاذ الاحتياطيات في انتظار إرساء القطب العمومي، كما أنه مكّن من اعتماد تعريفة متوازنة للنظام ومن تقليص ديونه.
وبشرت بالمرحلة الثانية من الإصلاح، التي اعتبرتها تهدف على المدى المتوسط إلى إنشاء منظومة القطبين (العمومي والخاص)، فيما تسعى على المدى البعيد لإقرار نظام أساسي موحَّد على المستوى الوطني.
مسألة "تسقيف" سن التوظيف في التعليم جاء بعد ارتفاع الأسعار، وإجبارية جواز التلقيح، وهي كلها، بحسب مراقبين، قرارات تضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع المجتمع، ما يفقدها الكثير من عناصر الثقة، وينشر حولها ظلالاً كثيفة من الشك.