خلال الأسابيع الماضية تزايد بشكل ملحوظ عدد الزلازل التي ضربت تركيا، وتجاوزت قوة العديد منها 4 درجات على مقياس ريختر.
فقد ضرب زلزال بقوة 4.8 درجة على مقياس ريختر مدينة أرضروم التركية السياحية، شمال شرقي البلاد، وشعر به سكان المدينة والمحافظات المجاورة، وذلك بعد نحو أسبوع من زلزال ضرب المنطقة نفسها بقوة 5 درجات.
وبحسب رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ في وزارة الداخلية التركية "أفاد"، تعرضت أنحاء تركيا خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لأكثر من 1245 هزة أرضية تنوعت قوتها بدءاً من درجة واحدة وصولاً إلى 5 درجات.
وتعرَّضت المدن التركية خلال الـ11 شهراً الأولى من عام 2021 لأكثر من 21654 هزة أرضية، وصلت في كثير منها إلى 5 درجات على مقياس ريختر.
ويؤشر تزايد أعداد تلك الهزات الأرضية إلى إمكانية حدوث زلازل أخرى بقوة أكبر، قد تصل إلى 6.5 أو 7 درجات، بحسب البروفيسور شُكرو أرصوي، أستاذ الهندسة الجيولوجية في جامعة يلديز، خاصة أن تركيا تعتبر من البلدان الواقعة على حزام الزلازل، الذي يحاصرها شمالاً وجنوباً، ويُعرف في تركيا باسم "HATI FAY".
عاصفة الزلازل
يأتي الزلزال الذي ضرب منطقة أرضروم -بحسب أرصوي- كهزة ارتدادية للزالزل الذي وقع الأسبوع الماضي، وأوضح أرصوي أنه خلال الأيام السبعة إلى العشرة الماضية، وقعت 5 زلازل بقوة 4 درجات في أنحاء مختلفة من تركيا، بدأت من منطقة دوزجى، وطالت مناطق توكات ونيكسار وأرضروم وملاطيا وبورتورج وقونية بمنطقة الأناضول وسط تركيا.
وكشف أرصوي أن هذا العدد المتزايد من الزلازل قد يقود مستقبلاً إلى ما يُعرف بعاصفة الزلازل، التي قد تصل قوتها إلى 6.5 إلى 7 درجات على مقياس ريختر، بسبب أن الزلازل الأخيرة التي ضربت تركيا وقعت على خطوط صدع مختلفة، ما يعني أن تأثيرها -إن وقعت- سيطول عموم تركيا بلا استثناء.
ويخشى كثير من المواطنين والمقيمين في تركيا من تكرار تجربة زلزال إزميت عام 1999، الذي كان مركزه مدينة إزميت التركية، التي تبعُد 100 كيلومتر فقط عن مركز مدينة إسطنبول، وبلغت قوة الزلزال 7.6 درجة على مقياس ريختر، واستمر لمدة 37 ثانية، وأسفر عن مقتل حوالي 17 ألف شخص، وترك أكثر من 250 ألف شخص بلا مأوى.
سبب الزلازل في تركيا
بحسب الأبحاث الجيولوجية فإن تركيا تقع على قمة واحدة من أكثر مناطق النشاط الزلزالي، وتشكل فيها كتلة من القشرة الأرضية التي تقع في إطار جيوفيزيائي بين الصفيحة التكتونية لشبه الجزيرة العربية، التي تتجه نحو الشمال بمعدل نحو بوصة واحدة في السنة، وبين الصفيحة الأوراسية، التي تمثل نسبياً جسماً غير قابل للحركة، لكنه يضغط كلياً على الكتلة التركية.
من جانبه، كشف الدكتور حسن سوزبيلير، أستاذ الهندسة الجيولوجية في جامعة "9 أيلول" لـ"عربي بوست"، أن تزايد الكوارث الطبيعية حول العالم يتناسب بشكل مباشر مع التغير الحاصل في السرعة بين تلك الصفائح التي تشكل القشرة العليا للكرة الأرضية، وتعد أحد الأسباب الرئيسية في زيادة عدد الزلازل.
وأضاف سوزبيلير أنه عندما تضاف الكوارث التي يصنعها الإنسان إلى الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين فإنها تزيد من احتمال حدوث وضع غير طبيعي للعالم أجمع.
وبحسب أستاذ الهندسة الجيولوجية فإن الزلزال الذي ضرب منطقة أرضروم شمال شرقي تركيا وقع على صدع لديه القدرة على إحداث زلزال بقوة 7.1 درجة، وفي حال تكراره فقد يتسبب في عاصفة زلزالية تطال تركيا كلها والمنطقة.
إسطنبول في قلب العاصفة
ويعتقد الخبراء أن مدينة إسطنبول التي يزيد عدد سكانها عن 16 مليون نسمة قد تشهد هزة أرضية كبيرة؛ نظراً لقربها من خط صدع شمال الأناضول، الذي يمتد من جنوب إسطنبول مباشرة على طول الطريق إلى شمال شرق تركيا.
وبحسب الدراسات، فإن الجانب الأوروبي من المدينة مرشح لأن يكون هو الأكثر تضرراً.
وبحسب الدكتور سوزبيلير فإن وضع معايير لبناء عقارات مقاومة للزلازل والتشديد على بناء المنازل وفق تلك المعايير وتقوية أو هدم المباني غير المتسقة معها، يعد هو الطريق الأمثل للخروج بأقل ضرر من زلزال مدمر محتمل في المستقبل.
وذلك إضافة لضرورة وضع خارطة طريق للتحول الحضري؛ موجهة للكوارث الطبيعية على مستوى المقاطعات، وتنفيذ خطط الحد من مخاطر الكوارث الطبيعية على الفور.
ومن خلال تلك الخطوات يمكن لوزارة الداخلية ووزارة البيئة والعمران والمناخ والحكومات المحلية والجامعات ذات الصلة -بحسب سوزبيلير- أن ترفع تركيا إلى مجتمع قادر على الصمود أمام الكوارث الطبيعية، عبر وضع آلية لاتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة الكوارث الطبيعية كالزلازل والأنشطة البركانية بشكل مستمر، وضمان الانتقال إلى مفهوم المدينة الذكية في المستقبل القريب، وتفعيل أنظمة الإنذار المبكر.
تركيا ومواجهة الزلزال الكبير
خلال العقد الماضي، بذلت الحكومة التركية جهوداً كبيرة لإعادة بناء المباني التي تم تصنيفها على أنها ليست آمنة، بهدف تحمل الزلزال الكبير الذي يعتقد الخبراء أنه في حال حدوثه سيكون بقوة 7 درجات أو أكثر، وسيمتد تأثيره ليس لمدينة إسطنبول وحسب، بل سيصل إلى ولايات مثل إزمير وموغلا وجناق قلعة وباليكسير وكوجالي وغيرها، والتي تقع أيضاً على مسافة 1500 كيلومتر من خطوط الصدع النشطة في تركيا.
وقدرت دراسة لبلدية إسطنبول بالتعاون مع إدارة الطوارئ والكوارث التركية خسائر الزلزال المحتمل في العاصمة الاقتصادية لتركيا، والأضرار البشرية والخسائر المادية في 39 منطقة في إسطنبول، وحددت الدراسة المناطق التسع الأولى الأشد خطراً، في حال حدوث الزلزال المتوقع بدرجة 7.5، بحسب الخبراء، وتقع معظمها جنوب مدينة إسطنبول، وفق الترتيب الآتي: بيوك شكمجي، الفاتح، باكركوي، زيتون بورنو، أسنلر، بيليك دوزو، أفجلار، توزلا، سيلفري.
وفي وقت سابق حذَّر رئيس بلدية إسطنبول الكبرى عن حزب الشعب المعارض أكرم إمام أوغلو، من دمار 22% من مباني، إسطنبول حال وقوع الزلزال الكبير المحتمل بقوة 7.5 درجة على مقياس ريختر، وقد يتسبب في قتل نحو 200 ألف شخص، وضرر لما يزيد عن 25 مليون إنسان.