حذَّر أكبر ضابط عسكري بريطاني من وجود "خطر كبير" لاندلاع حرب عَرَضية بين الغرب وروسيا الآن أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة؛ نظراً إلى غياب العديد من الأدوات والآليات الدبلوماسية التقليدية، وفقاً لما نشرته صحيفة The Times البريطانية، السبت 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
حيث قال رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال نيكولاس كارتر، في مقابلة مع إذاعة Times Radio، عشية أحد الذكرى، إنَّ التهديد بـ"التصعيد الذي يؤدي إلى سوء التقدير مثّل تحدياً حقيقياً"، مؤكداً أن خطر تصاعد حدة التوتر أصبح أكبر في العصر الجديد، حيث تتنافس الحكومات لأهداف متباينة ومصالح مختلفة.
فيما تحدث الجنرال ذو الأربع نجوم في وقت تتصاعد فيه التوترات مع نظام الرئيس بوتين، بسبب مخاوف من أنه يستعد لغزو أوكرانيا واستخدام الهجرة الجماعية سلاحاً.
كما تصاعد التوتر في شرق أوروبا خلال الأسابيع الماضية، بعد اتهام الاتحاد الأوروبي روسيا البيضاء بنقل الآلاف من المهاجرين جواً لخلق أزمة إنسانية على الحدود مع بولندا العضو بالاتحاد، في نزاع يهدد بجر روسيا وحلف شمال الأطلسي إلى مواجهة.
في حين أفادت تقارير، الجمعة 12 نوفمبر/تشرين الثاني، بأنَّ بريطانيا نشرت قواتها على الحدود البولندية مع بيلاروسيا، بسبب أزمة المهاجرين. وسارعت الطائرات البريطانية لمرافقة قاذفتين روسيتين بعيداً عن المواقع العسكرية الحساسة في أسكتلندا.
تعقيباً على ذلك، أوضح كارتر أنه مع اشتداد ما وصفه بالمنافسة على النفوذ الإقليمي، لم تعد القنوات والأدوات الدبلوماسية التي كانت تستخدم في السابق لتهدئة المواجهات خلال الحرب الباردة موجودة، موضحاً أنه "بدون هذه الأدوات، ثمة خطر أكبر بأن يؤدي هذا التصعيد أو ذاك إلى حسابات خاطئة. ولذلك أعتقد أن هذا هو التحدي الحقيقي الذي علينا مواجهته".
استغلال أزمة المهاجرين أو زيادة أسعار الغاز
كارتر أضاف أن "الحكام السلطويين مستعدون لاستخدام أي وسيلة لديهم، مثل المهاجرين أو زيادة أسعار الغاز أو القوى التي تعمل بالوكالة أو عمليات التسلل الإلكتروني لتحقيق أغراضهم"، لافتاً إلى أن "طبيعة الحرب تغيرت".
فيما أصدر كارتر تحذيراً إلى السياسيين حول كيف يمكن أن تؤدي الطبيعة العدائية لـ"بعض سياساتنا" بسهولة إلى صراع خاطئ، مضيفاً: "نحن في عالم أكثر تنافسية بكثير مما كنا عليه قبل عشر أو 15 عاماً. وأعتقد أنَّ طبيعة المنافسة بين الدول والقوى العظمى تؤدي إلى توترات أكبر".
كذلك استطرد رئيس أركان الجيش البريطاني قائلاً: "علينا توخي الحذر؛ حتى لا ينتهي الأمر بالناس إلى السماح للطبيعة العدوانية لبعض سياساتنا بأن ينتهي بهم الأمر في وضع يؤدي فيه التصعيد إلى سوء التقدير".
عالم متعدد الأقطاب
أما لدى سؤاله عمّا إذا كانت التوترات مع روسيا وخطر نشوب حرب أكبرَ الآن مما كانت عليه في أي مرحلة من حياته المهنية التي استمرت 44 عاماً، أجاب كارتر: "لقد نشأنا في حقبة الحرب الباردة في عالم ثنائي القطب، يضم كتلتين، الاتحاد السوفييتي والغرب، ثم كان هناك عالم الهيمنة الأمريكية أحادي القطب، لكن نحن الآن في فترة متعددة الأقطاب وأكثر تعقيداً".
يشار إلى أن روسيا دعمت بيلاروسيا في النزاع مع بولندا، وأرسلت قوات إلى الدولة السوفييتية السابقة. وقالت وزارة الدفاع في موسكو، الجمعة 12 نوفمبر/تشرين الثاني، إنَّ نحو 250 جندي مظلات روسيّاً يشاركون في التدريبات بالقرب من الحدود البولندية.
أيضاً شدّد الجنرال البريطاني على أنَّ روسيا مستعدة لبذل أي جهد لتقويض أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وضمن ذلك استخدام الهجرة الجماعية وقطع إمدادات الغاز إلى أوروبا، متُهِماً الكرملين بتشجيع بيلاروسيا على إرسال موجة جديدة من المهاجرين الأفارقة والشرق أوسطيين وإرسالهم عبر الحدود مع بولندا ودول البلطيق.
من جانبه، قال وزير الدفاع البولندي ماريوس بلاشتشاك، إنَّ المهندسين الملكيين أُرسِلوا في تدريب "استطلاعي" مع حلفاء الناتو، وسط مواجهة بين مينسك ووارسو حول مصير مئات المهاجرين السوريين والعراقيين واليمنيين. ويتمركز نحو 150 جندياً بريطانيّاً في بلدة أوركيش البولندية، على بُعد 80 ميلاً من الحدود مع بيلاروسيا. وتعدّ هذه الوحدة جزءاً من مجموعة قتالية بقيادة الولايات المتحدة لقوات الناتو.
"أزمة مفتعلة"
في غضون ذلك، أدانت 7 دول بمجلس الأمن الدولي، الخميس، "الاستغلال المنظم للبشر من قبل بيلاروسيا، بهدف زعزعة استقرار البلدان المجاورة والحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي".
جاء ذلك في بيان مشترك صدر عن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإستونيا والنرويج وأيرلندا، إضافة إلى ألبانيا التي ستباشر عضويتها بالمجلس اعتباراً من مطلع العام المقبل.
يشار إلى أن العديد من طالبي اللجوء حاولوا، الإثنين، عبور الحدود لدخول بولندا من بيلاروسيا؛ حيث يوجد نحو 4000 طالب لجوء على حدود البلدين، بحسب وكالة الأنباء البولندية.
بينما يتهم الاتحاد الأوروبي الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، بتنسيق وصول هذه الموجة من المهاجرين واللاجئين إلى الجانب الشرقي من التكتل، وذلك رداً على العقوبات الأوروبية التي فُرضت على بلاده بعد "القمع الوحشي" الذي مارسه نظامه بحق المعارضة في عام 2020.
كذلك اتهم الاتحاد الأوروبي روسيا البيضاء بإثارة الأزمة، مشيراً إلى أنها تقدم التأشيرات وتذاكر السفر لمواطنين في الشرق الأوسط وتشجعهم على عبور الحدود بطريق غير مشروع.
على أثر ذلك، ربما يفرض الاتحاد، الإثنين المقبل، عقوبات على مينسك وشركات الطيران التي يقول إنها تنقل المهاجرين إليها.
في المقابل، تنفي روسيا البيضاء افتعال الأزمة، لكنها قالت أيضاً إنه لا يمكنها المساعدة في حلها إلا إذا رفع الاتحاد الأوروبي عقوباتٍ فرضها عليها في السابق لمعاقبة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو.