تستعد قوى غربية لفرض عقوبات على صرب البوسنة الانفصاليين، وذلك وسط خشية من مواجهة قريبة قد تمزِّق البوسنة وتشعل حرباً جديدة في البلقان تعيد إلى الأذهان المجازر التي ارتُكبت بحق المسلمين هناك تسعينيات القرن الماضي.
وفقاً لمصادر دبلوماسية، تستعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لفرض عقوبات على زعيم صرب البوسنة القومي ميلوراد دوديك، وتسعى ألمانيا لحمل الاتحاد الأوروبي على حذو حذوهما، حسب ما نقلت صحيفة The Times البريطانية السبت 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
يُشار إلى أن البوسنة تُدار تحت وصاية دولية بموجب شروط اتفاقية الإطار العام للسلام في البوسنة والهرسك (اتفاقية دايتون) التي توسطت فيها الولايات المتحدة بعد حرب عرقية وحشية اندلعت إثر تفكك يوغوسلافيا تسعينيات القرن الماضي، وتسببت في مقتل الآلاف من المسلمين.
بحسب الصحيفة، فإن أمريكا والدول المتحالفة معها تخشى أن يؤدي تفكك البوسنة إلى توجيه ضربة أخرى للغرب بعد انهيار الحكومة الأفغانية المدعومة منه، وأن تستغله الصين وروسيا لدعم نفوذهما المتزايد في العالم.
في نفس السياق، قرر وزراء خارجية دول حلف الناتو، نهاية هذا الشهر، مناقشة خطط لإنشاء "قوة حفظ استقرار" عسكرية جديدة إذا أدت العقوبات إلى انفصال الصرب.
تهديدات الصرب
يشار إلى أنه في أكتوبر/تشرين الأول 2021، توعد دوديك (62 عاماً) بانشقاق جمهورية صرب البوسنة؛ رداً على العقوبات بعد محادثاته مع المبعوث الأمريكي غابرييل إسكوبار.
وقال لإسكوبار، بحسب نص الاجتماع: "تباً للعقوبات. توقف عن تهديدي لو أنك ترغب في التحدث معي".
كما هدد دوديك بالانسحاب من مؤسسات الدولة في البوسنة، مثل الجيش الذي يجمع بين مسلمي البوسنة والصرب والكروات والسلوفينيين، وذلك بعد أن سلح قوات شرطته لوضع الأساس لقوة عسكرية جديدة من الصرب فقط.
وقد أجبر التهديد بفرض عقوبات دوديك على تأجيل خطته لسحب الصرب من الجيش الوطني البوسني، لكن دون أن يتراجع عن مطالبه، حيث وقال لوكالة رويترز: "نمنح مهلة ستة أشهر. ولست مستعداً للتضحية بالسلام من أجل أي شيء".
مجازر بحق المسلمين
وبدأت يوغوسلافيا في الانهيار في أوائل التسعينيات، في الوقت الذي عمل الجيش الشعبي اليوغوسلافي على إثارة الصراعات المسلحة في سلوفينيا عام 1991.
امتدت الاشتباكات إلى البوسنة والهرسك عام 1991، وذلك مع تسارع وتيرة تفكك يوغوسلافيا، ما أدى إلى تصاعد الأصوات المطالبة باستقلال البوسنة والهرسك.
السياسي الصربي البوسني رادوفان كرادغيتش، الذي سيُحكم عليه لاحقاً بالسجن المؤبد لجرائمه في حرب البوسنة، عارض فكرة الاستقلال؛ وقال إن البلاد في حالة حرب، مطالباً بإبادة المسلمين في البوسنة.
تم إجراء استفتاء الاستقلال في البوسنة في 29 فبراير/شباط – 1 مارس/آذار 1992. بلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء 99.7%، مع مقاطعة غالبية صرب البوسنة ومشاركة واسعة في صفوف البشناق (مسلمي البوسنة)، لتخرج النتيجة لصالح استقلال البوسنة والهرسك.
بعد الاستفتاء، واجه مسلمو البوسنة هجمات القوات والجماعات الصربية شبه العسكرية في مدن مختلفة من البوسنة والهرسك، فيما ارتكبت الجماعات شبه العسكرية الصربية مذابح جماعية ضد المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، كما أقدمت على تهجير السكان المسلمين من منازلهم، واغتصاب نسائهم، وتدمير كل شيء له صلة بالإسلام، إضافة إلى ممارسة التعذيب في معسكرات الاعتقال.
حارب المدافعون عن استقلال البلاد ضد الصرب في الشمال والشرق، بينما قاتلوا بشدة ضد الكروات في الجنوب والغرب، في ظل توارد أنباء ارتكاب مذابح وعمليات إبادة جماعية ضد المسلمين في العديد من المدن مثل برييدور وبييلينا وزفورنيك وفيسغراد وسربرينيتشا وفوكا، وكذلك العاصمة سراييفو التي رزحت تحت حصار شديد فرضته القوات الصربية لمدة 3 سنوات.