يعيش المغربي عبد العزيز ولد الشهبة حالة من الحيرة والضياع، بعد تدهور الوضع الصحي لابنه مباشرة بعد تلقيه الجرعة الثانية من لقاح فايزر، منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول.
ما زال الابن محمد وعمره 12 سنة يرقد في المستشفى وحالته الصحية حرجة وسيئة، حسب ما قال والده لـ"عربي بوست".
يقول عبد العزيز إن درجة حرارة جسم ابنه مرتفعة منذ تلقيه الجرعة الثانية من اللقاح، ويتقيأ كل ما يأكله ويعاني حالة من الوهن، وقد أجريت له في المستشفى تحاليل عديدة، ولم يجد الأطباء حلاً لعلاجه أو تخفيف الأعراض.
ووجه عبد العزيز شكاية لمندوبية وزارة الصحة ببرشيد، قال فيها إن ابنه "ظهرت عليه أعراض بعد تلقيه اللقاح من بينها ارتفاع مهول في درجة الحرارة، وضعف الشهية، وأصبحت معدته ترفض أي شيء حتى شرب الماء وكل السوائل، إلى أن أصبحت حالته الصحية حرجة، وسيئة جداً، ما دعاه لأخذه لعدد من الأطباء بدون جدوى".
وأخذ عبد العزيز ابنه في النهاية إلى مستشفى الأطفال بالدار البيضاء، حيث أجريت له فحوصات طبية متعددة، ووصف له الأطباء أدوية باهظة الثمن لا يستطيع اقتناءها بالنظر لوضعه الاجتماعي.
وحمل عبد العزيز في شكايته وزارة الصحة مسؤولية ما عاناه ابنه من أضرار نفسية وصحية، وطالبها بالتدخل لرعاية ابنه ومتابعة وضعه الصحي وتوفير العلاج المناسب له، لافتاً إلى أنه وافق على تلقيح ابنه اتباعاً لبروتوكول وزارة التربية، التي طالبت التلاميذ بالتلقيح للالتحاق بالدراسة الحضورية.
ويقول عبد العزيز لـ"عربي بوست" إن مندوبية وزارة الصحة اتصلت به وطلبت منه نتائج التحاليل التي أجراها ابنه منذ دخوله المستشفى.
مخاوف وشكوك
ومع استمرار الحالة الصحية الحرجة لمحمد تتعاظم مخاوف الأب من فقدان ابنه، وتغزوه الأسئلة والشكوك بشأن موافقته على تلقيحه، تنضاف إلى كل ذلك ضعف إمكانياته المادية التي تحول دون قدرته على توفير الأدوية الباهظة التي وصفها الأطباء.
ويعيش عدد من المغاربة حالة من الخوف والتيه بسبب القصص المتداولة عن الأعراض التي ظهرت على عدد من القاصرين والبالغين بعد تلقيهم جرعات اللقاح.
وانتشرت هذه المخاوف في مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي وساهمت في ترسيخها فيديوهات للضحايا نشرتها بعض المواقع الإلكترونية المحلية، ولم تنجح تطمينات وزارة الصحة في التخفيف من وطأتها.
وطالبت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة الحكومة بتعويض المتضررين من المضاعفات الجانبية الخطيرة أو الوفاة الناجمة عن عملية التطعيم، وذلك تماشياً مع برنامج منظمة الصحة العالمية التي دعت كل الدول إلى سن نظام شفاف للتعويض عن الضرر الخاص بلقاح "كورونا".
ودعت إلى اعتراف رسمي من اللجنة العلمية والتقنية والمركز الوطني لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية ومعهد باستور ومديرية الأدوية، بأن اللقاحات المتداولة بالمغرب لا تخلو من أعراض جانبية بعضها خطيرة قد تؤدي إلى عاهات مزمنة ومستدامة أو إلى الوفاة.
ويلف غموض كبير طريقة تدبير الحكومة المغربية لملف جرعات التطعيم/اللقاحات، خاصة بعد انتشار اتهامات واسعة للقاح "فايزرـ بيونتك" بالمسؤولية عن وفاة شابتين، ومسارعة وزارة الصحة إلى نفي الخبر دون إعطاء تفاصيل وتوضيحات، وتوالي شهادات أسر عن أعراض جانبية خطيرة لم تتفاعل معها وزارة الصحة أو تعلن أي تدابير للتعامل مع هذه الحالات.
وأعقب ظهور هذه الحالات نشر تحقيق صحفي لموقع "كود" المغربي عن صفقات معدات طبية مهربة وفاسدة، فتح الباب واسعاً أمام انتشار الشكوك حول الطريقة التي تدبر بها الحكومة ملف اللقاحات، وأعاد إلى الأذهان تحقيقاً برلمانياً لم يكتمل.
ملقَّحو فايزر تحت المراقبة
علم "عربي بوست" من مصادر خاصة أن وزارة الصحة المغربية شرعت في الاتصال بالملقحين بتطعيمات "فايزرـ بيونتك" الموجهة لعلاج كورونا، ودعوتهم لزيارة المستشفيات القريبة منهم، بهدف إجراء فحص عليهم بعد تلقي جرعات اللقاح.
وتابعت المصادر، أن المراكز الاستشفائية بالمدن شرعت انطلاقاً من الأربعاء، 27 أكتوبر/تشرين الأول، في الاتصال بالأشخاص الذين تلقوا تطعيمات شركة "فايزرـ بيونتك" دون باقي شركات اللقاح التي تعاقد معها المغرب.
وكان المغرب قد شرع، في أغسطس/آب الماضي، لأول مرة في استعمال جرعات الشركة الأمريكية، بعدما تسلم شحنة تشمل 600 ألف جرعة، في إطار سعيه لتوسيع حملة التطعيم لتشمل الشباب والأطفال.
وأفادت ذات المصادر، أن تحرك الوزارة جاء بعد انتشار عدد من الشائعات التي تفيد بتعرض عدد ممن تلقوا جرعات تطعيم "فايزرـ بيونتك" لمضاعفات، بلغت حد إعلان وفاة شابتين، الأولى في الرباط، والثانية في طنجة (شمال).
ففي 21 أكتوبر/تشرين الأول، انتشر خبر يتعلق بوفاة شابة في طنجة بسبب مضاعفات التطعيم، وتناثرت شائعات عن وفاة شابة ثانية بسبب اللقاح في الرباط، وجرى الحديث عن طالبة جامعية، بسبب مضاعفات "فايزر ـ بيونتك".
وفي ليلة الخميس 21 أكتوبر/تشرين الأول، نشر الموقع الإلكتروني لجريدة "ليكونوميست" ( l'économiste) أن وزارة الصحة قررت تعليق التطعيم بلقاح "فايزر" لمدة 48 ساعة"، وهو ما اعتبرته مصادر "عربي بوست" إجراء تفاعلياً أولياً مع أنباء وفاة الشابتين.
لم يتأخر جواب وزارة الصحة، التي خرجت عبر رئيس قسم الأمراض السارية بالوزارة، الذي أكد تعليق استعمال تطعيم الشركة الأمريكية، لكنه ربط الأمر بتدبير المخزون لا أكثر، نافياً في الوقت عينه صحة "أي أخبار أخرى".
مصادر "عربي بوست" أكدت أن الوزارة وأمام ارتفاع الشكايات بشأن الأعراض الجانبية لتطعيم "فايزر"، قررت في مطلع الأسبوع الجاري إخضاع الذين تلقوا جرعات اللقاح الأمريكي لمراقبة بعدية، وهو ما تمت ترجمته من خلال دعوة الذين استفادوا من التطعيم لزيارة المراكز الصحية القريبة من أجل متابعة الحالات عن قرب.
إجراءات الوزارة أحلناها في "عربي بوست" على مصادر طبية مستقلة، فأكدت أن المتابعة الطبية البعدية لمن تلقى تطعيم "فايزر" من طرف وزارة الصحة، مؤشر على وجود مضاعفات حقيقية للمطعمين، وكذلك على رغبة الوزارة في تفادي أي تطورات سلبية.
دائرة الاتهام
تحرك الوزارة بصمت شديد في ملف مضاعفات "فايزر" أدى إلى تواتر الحديث عن لقاحات الشركة الأمريكية، إذ انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي شكوك حول ظهور بقع سوداء في بعض قوارير اللقاح الأمريكي.
هذه الشائعات تحولت إلى تهم بعد تحقيق صحفي، نشره موقع "كود" المحلي، حقق في أسباب البقع السوداء، وانتهى إلى أن السبب هو صفقات معدات طبية مهربة وفاسدة.
أمام هذه التطورات، خرج وزير الصحة والحماية الاجتماعية المغربي، خالد أيت طالب في ندوة صحفية مساء الخميس، 28 أكتوبر/تشرين الأول، ليعلن للرأي العام، أن البقع السوداء ظهرت في ثلاثة مراكز تلقيح في المغرب فقط.
وسجل الوزير أن تطعيم/لقاح "فايزرـ بيونتك"، يستعمل على مرحلتين، تقتضي في المرحلة الأولى إدخال الإبرة في قنينة اللقاح، وحين لا يتم ذلك بطريقة سليمة، يسقط جزء من غطاء القنينة في القارورة".
وحتى يقلل من خطورة الموضوع، قال الوزير إن ما حدث لم يقع في المغرب فقط، وإنما في عدد من دول العالم، دون أن يحدد أسماء تلك الدول التي عرفت هذه الظاهرة.
الوزير لم يفوت الفرصة، دون الرد على التحقيق الصحفي الذي تحدث عن استعانة وزارة الصحة بإبر صينية مهربة وفاسدة في حقن المواطنين باللقاح، غير أنه لم يجب مباشرة عن هذه التهم، وتحدث عن اللقاحات المهربة وقال "بالله عليكم، هل يمكن ذلك أمام ندرة اللقاحات دولياً، ووجود مسطرة معقدة لاقتنائها ليس وطنياً فقط، بل دولياً، حيث لا يمكن للقاح أن يصل إلى أي بلد إن لم تتوفر شروط خاصة من حيث التبريد لضمان نجاعته".
وانتقل الوزير من الدفاع إلى الهجوم، قائلاً "من العبث أن نجهز على المجهود الكبير الذي تقوم به الدولة، ونقول إن المغرب اشترى اللقاحات عبر سوق التهريب الدولي ليس هناك أي دولة تتجرأ على شراء اللقاحات عبر التهريب".
مصادر من وزارة الصحة المغربية، فتحت الباب لطريق آخر بخصوص "احتمال" فساد قوارير تطعيمات "فايزر ـ بيونتك"، وحتى غيرها من التطعيمات.
واعتبرت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن هناك احتمالاً آخر بخصوص فرضية تلف جرعات/تطعيمات اللقاح، ويتعلق الأمر بظروف التخزين.
وشددت المصادر في توضيح لـ"عربي بوست"، أن ظروف تخزين اللقاحات القادمة من الغرب تتطلب شروطاً أكثر تعقيداً من نظيراتها القادمة من الصين مثلاً، ولعل أبسط مثال على هذا هو درجة تبريد اللقاح التي تصل في حالة فايزر إلى ناقص 70 درجة (-70) وهو ما يتطلب عتاداً بالغ التكاليف، والخطأ البسيط فيه تكون آثاره وخيمة.
تحقيق لم يكتمل
بلغ عدد الصفقات التي عقدتها وزارة الصحة المغربية، إلى حدود يناير/كانون الثاني 2021، حوالي 120 صفقة، مع نحو 50 شركة، أنفق المغرب ما مجموعه 800 مليون درهم (حوالي 80 مليون دولار).
الوزارة استفادت من فرصة ذهبية، تمثلت في نص قانون الطوارئ الصحية على إعفاء وزارة الصحة من تمرير الصفقات عبر طلبات العروض، وذلك بالنظر إلى طبيعة المرحلة التي مر منها المغرب.
هذه الميزانيات الضخمة فتحت المجال للتساؤل عن المستفيدين، خاصة بعد شكاوى عدد من الشركات، وصدور كثير من التسريبات تطالب بالتحقيق في الصفقات التي يبرمها مسؤولون في وزارة الصحة، مستغلين وضعية الجائحة، في غياب تام لرقابة القانون.
وكانت الصحافة المغربية قد نشرت أن شركة واحدة استفادت من صفقة اقتناء فحوص الكشف عن الفيروس، والحديث عن تفويت صفقات في هذا المجال بنحو 40 مليار سنتيم (حوالي 40 مليون دولار).
في يناير/كانون الثاني 2021، وبالتوازي مع شروع المغرب في تعميم التلقيح ضد فيروس كورونا، شرعت لجنة المهمة الاستطلاعية بمجلس النواب (الغرفة الأولى في برلمان المغرب) في البحث عن صفقات الأدوية واللقاحات.
وكانت مختلف الفرق النيابية بمجلس النواب، قد دعت إلى التحقيق في مختلف الصفقات العمومية، التي قامت بها وزارة الصحة خلال فترة الطوارئ الصحية، والتي تقدر بمليارات الدراهم، التي خصصها صندوق مواجهة جائحة كورونا للوزارة.
التحقيق/المهمة الاستطلاعية الذي انطلق في بداية 2021، عرف تحولاً في يونيو/حزيران من نفس السنة، جرى تقديم بعض من خلاصاته التي انصرفت إلى الحديث عن مديرية الأدوية.
مصادر برلمانية أكدت لـ"عربي بوست" أن التحقيق لم يقترب من صفقات كورونا، بل جرى تحويره ليبقى عمومياً وأكبر من ذلك منصباً على اختلالات المسؤولين السابقين في وزارة الصحة.
وزادت المصادر، أن المهمة الاستطلاعية كانت موجهة أساساً لبحث صفقات كورونا، لكن كثرة الضغط والتوجيه على الأفراد المشكلين للجنة، جعلتها تناقش المصانع الأشباح والأدوية الجنسية، وهذه لم تكن أبداً هي مهمة اللجنة.
أزمة لقاحات فايزر تتزامن مع قرار حكومي بإجبارية جواز التلقيح في المغرب، وهو ما أثار رفضاً شعبياً يتوسع باضطراد، يتوقع أن يزيد من حدته هذا الغموض الذي تتعامل به الحكومة بخصوص الأعراض الجانبية لجرعات التطعيم.