قامت وزارة الداخلية البريطانية بإيداع طالبي اللجوء داخل محكمةٍ سابقة تحوّلت إلى نُزُل، حيث كان هدفها الأساسي أن تُقدم للمسافرين تجربة قضاء الليلة داخل "زنزانة سجن حقيقية"، وسط شكاوى متزايدة من تدهور أوضاع ملتمسي اللجوء هناك، بحسب ما أورده تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، الجمعة 29 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
حيث يوجد الآن مئات الأشخاص داخل تلك المنشأة، التي تأخذ شكل مرفق إقامة ترفيهي على شكل محكمة وزنازين، وبينهم بعض الأشخاص الذين سبق سجنهم في بلدانهم الأصلية مثل ليبيا وغيرها.
فيما قالوا إن تجربة الإقامة في مكان يُشبه زنزانة السجن داخل المملكة المتحدة قد أصابهم بالصدمة النفسية مجدداً.
في حين قرّرت صحيفة The Guardian عدم تحديد موقع المنشأة، بعد سلسلةٍ من هجمات اليمين المتشدد على مرافق إقامة طالبي اللجوء واللاجئين.
كانت النُزُل في السابق عبارةً عن قاعة محكمة مع عنبر زنازين، وما يزال محتفظاً بالعديد من مرافقه السابقة التي تشمل نوافذ الزنازين، وأبواب الزنازين الثقيلة القديمة، مع أسرَّة بطابقين كما هو متعارف عليه في السجون.
كما يحتوي النُّزل على مزيج من المهاجع والغرف الأصغر التي تشمل الزنازين السابقة.
"غرف التجربة"
من جهتها، قالت وزارة الداخلية البريطانية إن طالبي اللجوء يُقيمون داخل "مرافق إقامة عادية"، فيما لا يمكنهم الوصول إلى الجزء الذي يضم "غرف التجربة" في البناية.
إذ ذكر مسؤولٌ بوزارة الداخلية أنه "استخدم وصف (غرف التجربة) حتى يتجنّب وصف المكان بالسجن. فهل يمكننا القول إنه لا يوجد أحد يُقيم في قاعات المحاكم أم أنهم وضعوا هناك بالخطأ؟".
في السياق، كشفت سلسلة رسائل داخلية أن مسؤولي الوزارة البريطانية حين زاروا تلك "النُّزُل" في الـ25 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري؛ وجدوا اكتظاظاً كبيراً وغرفة محاكمة "مجهزة بالكامل" لاستقبال اللاجئين.
الرسائل أشارت إلى أن بعض الغرف كان يجب تغييرها وإخراج الأسرَّة منها امتثالاً لقواعد التخطيط المحلية. وأوضحت الرسائل أنه لن يتم نقل مزيد من طالبي اللجوء إلى "النُّزُل" أثناء إجراء التعديلات.
"ثكنات عسكرية"
في غضون ذلك، وجد خبراء الطب النفسي أن طالبي اللجوء الذين تم تسكينهم داخل ثكنات عسكرية، بواسطة وزارة الداخلية، قد أصابتهم الصدمة النفسية مجدداً، بسبب المحيط العسكري، بعد أن فروا أول الأمر من أنظمة حكم عسكرية أو من عنف الشرطة والجيش.
بينما كان يُفترض عند استخدام عنبر السجن السابق أنه سيُثير اهتمام المسافرين بالتاريخ، لكن العنبر كانت له أصداءٌ مختلفة تماماً لدى طالبي اللجوء الذين يعانون من صدمات نفسية.
من جانبه، قال أحد طالبي اللجوء المقيمين هناك: "كل شيء سيئ هنا. لقد كان بعضنا في ليبيا، حيث تعرضنا للسجن والتعذيب في أماكن أخرى. وينتابنا شعورٌ سيئ للغاية، لأننا نعيش داخل بناية سجن، رغم أننا لسنا محتجزين".
تابع طالب اللجوء: "الإقامة الشبيهة بالسجن ليست الأمر السيئ الوحيد؛ فنحن جميعاً ننام على مقربةٍ من بعضنا البعض، ونخشى أن نُصاب بكوفيد-19".
"صدمة نفسية"
المتحدث ذاته أوضح أنه اشتكى -مع آخرين- من ظروف الإقامة، للقائمين على المكان، لكنهم لم يُحرّكوا ساكناً. وقال: "أعاني مشكلات في النوم ولا أشعر بالأمان هنا. لقد كنا في مكانٍ آخر قبل أن يضعونا هنا، وكان أفضل من هنا بكثير. إنّهم ينقلوننا من مكانٍ لآخر مثل الحيوانات. وهم غير مهتمين بنا على الإطلاق".
بدورها، أكدت مادي هاريس، مؤسِّسة جمعية Humans for Rights Network، أنه "ليس من المعقول أن تستخدم وزارة الداخلية هذا المكان لإقامة أشخاص يبحثون عن الأمان، وكثير منهم تعرضوا للاعتقال داخل دولٍ مثل سوريا وليبيا. وهذه تجربةٌ صادمة للغاية بالنسبة لهم. يجب إغلاق مرفق الإقامة هذا فوراً، ونقل القاطنين فيه إلى محل إقامة آمن ولا يُشبه السجن".
لكن متحدثاً باسم وزارة الداخلية البريطانية قال: "نظراً إلى الطلب غير المسبوق، اضطررنا إلى استخدام مرافق إقامة مؤقتة مثل الفنادق؛ وذلك لتلبية مسؤولياتنا القانونية. إنّ سلامة ورفاه الأشخاص الذين نتحمل مسؤولية رعايتهم هي أولويتنا، ولهذا السبب يجب أن تستوفي كافة مرافق الإقامة لوائح الصحة والسلامة المرتبطة، مع الالتزام الصارم بتوجيهات الصحة العامة في إنجلترا".
سبق أن كشف تقرير آخر نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 16 سبتمبر/أيلول 2021، أنَّ ظروف الفنادق التي تستخدمها وزارة الداخلية البريطانية لإيواء طالبي اللجوء أثناء وباء "كوفيد-19" تشبه مراكز الاحتجاز، وغالباً ما تكون الإقامة دون المستوى وحتى غير آمنة أحياناً.
إذ وثق المحامون والمنظمات غير الحكومية تدهوراً في الصحة العقلية والبدنية لطالبي اللجوء نتيجة لقضاء فترات طويلة بهذه المآوي.
يشار إلى أن عدد المهاجرين الذين ينتظرون النظر في طلبات اللجوء في بريطانيا نهاية عام 2020، تسعة أضعاف ما كان عليه عام 2010؛ إذ تشير الأرقام الرسمية إلى أن هناك نحو 65 ألف شخص في قائمة الانتظار.