قبل عامين، عقب سقوط نظام البشير في السودان إثر ثورة شعبية تزعمها الشباب، برز دور المرأة السودانية التي تزعمت المظاهرات وأصبحت رمزاً من رموز الثورة في السودان، هذا الرمز الذي سيعود مجدداً مع إطاحة الجيش السوداني بالحكومة المدنية واعتقال الوزراء.
تقرير صحيفة The Financial Times البريطانية سلّط الضوء على آلاء صلاح التي أصبحت رمزاً للمقاومة في بلادها قبل عامين، عندما التقطت الكاميرات صورة الطالبة السودانية الشابة وهي تقف فوق إحدى السيارات بالقرب من مقر قيادة الجيش تهتف وسط الحشد منادية بإسقاط الديكتاتور السابق عمر البشير.
التقرير الذي نشر الخميس 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أشار إلى أن آلاء اشتهرت بردائها الأبيض الأخّاذ وقصيدتها الثورية التي تناقلتها الحناجر، وقد أطلق عليها بعض الناس اسم "كنداكة"، في إشارة إلى الملكات النوبيات القدامى اللائي قُدن المحاربين إلى المعارك.
اختباء رمز الثورة في السودان
هذا الأسبوع، أعلن الجيش السوداني حلَّ الحكومة الانتقالية في البلاد في انقلاب عسكري، ما أعاد القوات والمتظاهرين إلى شوارع الخرطوم وأجبر "المرأة ذات الرداء الأبيض" على الاختباء.
من مخبئها في العاصمة السودانية، قالت آلاء لصحيفة The Financial Times البريطانية: "إنه أمر جد خطير. فأنا لست آمنة على حياتي، ومنزلي يراقبه رجال الميليشيات طوال الوقت. أنا في غاية الحزن، ليس لما أصابني فحسب، بل لما أصاب الناس جميعاً" بهذا الانقلاب.
أضافت آلاء أنها ومعها كثير من السودانيين "يشعرون بالغضب الشديد" لما وصفته بأنه خيانة للمثل العليا لثورة 2019.
بعد الانقلاب، شدد الجيش السوداني هذا الأسبوع قبضته على البلاد، رغم الضغوط الدولية وتعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي وتجميد مساعدات البنك الدولي، فقد استمرت اعتقالات القوات الأمنية للنشطاء ووزراء الحكومة في مواجهة المظاهرات الحاشدة وحملة العصيان المدني.
كما في عام 2019، اضطلعت الناشطات بدور مهم في احتجاجات هذا الأسبوع. وصرحت مريم المهدي، التي كانت وزيرة للخارجية في الحكومة المنحلة، بالقول: "هذا انقلاب عسكري كامل ونحن نقاومه بكل الطرق. لن يردع أي شيء نساء السودان اللائي يناضلن من أجل التحول الديمقراطي".
المعركة لم تُحسم بعد
أما الناشطة مُزن النيل، وهي مهندسة في الثلاثينيات من عمرها كانت جزءاً من احتجاجات 2019، فتقول إن المعركة لم تُحسم في أي وقت من الأوقات، فالأحداث التي أعقبت سقوط البشير كانت بعيدة كل البعد عن أهداف الثورة المتمثلة في إنهاء القمع والفساد واضطهاد المرأة، أو وقف الصراعات التي لا تنتهي والتخلص من عقود من العزلة الدولية.
هي، مثل غيرها، عارضت وجود العسكريين في الحكومة الانتقالية منذ البداية بعد دورهم المزعوم في مذبحة يونيو/حزيران 2019 التي راح ضحيتها نحو 120 متظاهراً، والتي وقعت بعد إطاحة البشير.
قالت مُزن: "شعرت مثل غيري من النساء بالخيانة منذ اليوم الأول لتوقيع الاتفاق مع الجيش. لم يكن لدينا أمل في قبول الجيش بالعمل من داخل دولةٍ مدنية. كنا نعلم أن هذا كان قادماً، وكانت المسألة تتعلق بانتظاره فحسب".
تشير الناشطات إلى استبعادهن من المفاوضات التي وقعت بعد إسقاط البشير، وأن تمثيلهن كان ضعيفاً في صنع السياسات. فقد كانت مريم المهدي واحدة من 4 نساء فحسب في الحكومة السودانية المكونة من 25 عضواً.
تقول ناشطة أخرى، طلبت عدم الكشف عن هويتها خوفاً على سلامتها: "بالتأكيد شعرت النساء بالخيانة بعد الثورة. لقد شعرنا بأننا مستبعدات تماماً من المستويات المختلفة لصنع القرار. وحتى عندما تُضم النساء، يتعرضن للتمييز داخل المؤسسات، وتُصعَّب الأمور عليهن للغاية".
السودانيون يشككون في وعود الجيش
زعم عبد الفتاح البرهان، الجنرال الذي كان وجهاً للانقلاب حتى الآن، أنه يلتزم الانتقال بالبلاد إلى الديمقراطية، ووعد بالعمل مع حكومة مدنية تكنوقراطية وإجراء انتخابات في غضون عامين.
مع ذلك، لم يعد كثير من المواطنين يصدقون هذا النوع من الوعود، ومن هؤلاء عشرات الآلاف الذين خرجوا للاحتجاج في جميع أنحاء البلاد هذا الأسبوع. ومن المقرر تنظيم مظاهرة كبرى في الخرطوم يوم السبت 30 أكتوبر/تشرين الأول.
تتشبث آلاء صلاح، التي عادت للخروج في الحركة الاحتجاجية هذا الأسبوع، بالآمال في أن تتمكن المقاومة الشعبية من الضغط على قيادة الجيش للتراجع عن انقلابه وإعادة إرساء الديمقراطية الوليدة في السودان.
قالت آلاء: "لا نريد حكومة عسكرية أخرى أبداً أبداً أبداً. نريد حكومة مدنية لا عسكرية".