أوقف البنك الدولي، الأربعاء 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021، صرف أي مبالغ لجميع العمليات في السودان، بعد سيطرة الجيش على السلطة، بينما انضم عمال شركة نفطية حكومية وأطباء وطيارون للجماعات المدنية التي تعارض الانقلاب في عصيان مدني قد يمتد ليطال جميع مرافق البلاد.
كان الآلاف خرجوا إلى الشوارع منذ الانقلاب الذي قاده، الإثنين، قائد القوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وسقط عدد منهم قتلى في اشتباكات مع قوات الأمن، وذلك بعد أن حل البرهان المجلس المشترك بين المدنيين والعسكريين الذي تأسس لتوجيه البلاد نحو انتخابات ديمقراطية في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في انتفاضة شعبية في أبريل/نيسان 2019.
ضربة من البنك الدولي
ودافع البرهان، الثلاثاء، عن سيطرة الجيش على السلطة، وقال إنه عزل الحكومة لتجنب حرب أهلية. لكن قرار البنك الدولي بوقف المدفوعات والتوقف عن التعامل مع أي عمليات جديدة يعد انتكاسة لخطط البرهان في واحدة من أفقر دول القارة الأفريقية.
كان السودان، بعد عزلة عن النظام المالي العالمي استمرت ثلاثة عقود من حكم البشير، قد تمكن من استعادة التعامل الكامل مع البنك في مارس/آذار 2021، وحصل منه على تمويل بقيمة ملياري دولار.
من جانبه، قال ديفيد ملباس، رئيس البنك الدولي، في بيان من واشنطن: "أشعر بقلق بالغ من الأحداث الأخيرة في السودان، وأخشى من الأثر الحاد الذي يمكن لذلك أن يلحقه بتعافي وتنمية البلاد اجتماعياً واقتصادياً".
كان عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية التي حلها الجيش، قد وصف العودة للتعامل مع البنك الدولي بأنها إنجاز كبير، وكان يعتمد على التمويل منه لتنفيذ العديد من المشروعات التنموية الكبرى.
ونفذت الحكومة إصلاحات اقتصادية قاسية نجحت في تقليص سريع للمدفوعات المستحقة على السودان وتخفيف عبء الديون، وجددت التمويل من البنك الدولي وصندوق النقد.
فيما قالت متحدثة باسم صندوق النقد الدولي إن الصندوق يتابع بدقة التطورات التي تجري في السودان، لكنها أضافت أن "من السابق لأوانه التعليق على تداعيات الأحداث الأخيرة".
وقالت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، عبر تويتر، الأربعاء، إن سفراء من فرنسا وألمانيا والنرويج وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة التقوا برئيس الوزراء السوداني في مقر إقامته الأربعاء. وأضافت البعثة على تويتر أن السفراء وجدوا حمدوك بصحة جيدة.
كان حمدوك قد اعتقل، الإثنين، ويقبع حالياً في منزله تحت حراسة مشددة. وطالب الغرب بإعادة مجلس السيادة والإفراج عن القادة المدنيين.
وذكر مصدر مقرب من حمدوك أنه قال إن أي تراجع عن المسار الديمقراطي يهدد الاستقرار والتنمية في السودان، وإنه حذر من استخدام العنف ضد المحتجين.
في وقت متأخر من مساء الأربعاء، قال التلفزيون الرسمي إن البرهان أعفى ستة سفراء سودانيين من مناصبهم، فيما يبدو أنه بسبب رفضهم استحواذ الجيش على السلطة.
وهؤلاء هم سفراء السودان لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وقطر والصين وفرنسا ورئيس البعثة السودانية بجنيف.
مظاهرات ضخمة
على الأرض، خرجت احتجاجات متفرقة في الخرطوم، الأربعاء، وزادت كثافتها في المساء في أنحاء العاصمة، ولم ترد أنباء عن سقوط مصابين أو قتلى فيها.
في أحد أحياء الخرطوم شاهد صحفي من رويترز جنوداً وأفراداً مسلحين يرتدون ملابس مدنية وهم يزيلون متاريس أقامها المحتجون.
وعلى بعد بضع مئات من الأمتار خرج شبان لإقامة متاريس من جديد بعد دقائق. وقال أحدهم: "نريد الحكم المدني.. لن نمل".
وفي الخرطوم بحري على الجانب الآخر من النهر، قال شهود لرويترز إن المحتجين قوبلوا بالغازات المسيلة للدموع، بينما سمع دوي أعيرة نارية مساء الأربعاء مع خروج المحتجين في أنحاء العاصمة.
وفي مدينة عطبرة شمال شرق البلاد، نظم محتجون مسيرة وهتفوا بسقوط النظام العسكري.
وكانت جماعة من لجان الأحياء في الخرطوم أعلنت خطة لإقامة مزيد من المتاريس وتنظيم الاحتجاجات تصل إلى ذروتها السبت في "مسيرة مليونية".
وأعلن عمال شركة سودابت النفطية الحكومية والأطباء في السودان، الأربعاء، أنهم سينضمون إلى حركة الاحتجاجات على الانقلاب العسكري الذي عطل مسيرة انتقال البلاد إلى الحكم الديمقراطي.
كما أضرب طيارون من الخطوط الجوية السودانية، الناقل الوطني، عن العمل وفقاً لما أعلنه الاتحاد الممثل لهم، كما أضرب طيارون من ناقلتين محليتين أيضاً هما بدر وتاركو.
وقالت مصادر في قطاع الطيران السوداني لرويترز إن الجيش أقال إبراهيم عدلان المدير العام لسلطة الطيران المدني.
فيما توقف موظفو البنك المركزي عن العمل، في انتكاسة جديدة للأنشطة الاقتصادية في البلاد.
كما أعلن الأطباء أنهم سيشاركون في الإضراب. وقال المكتب الموحد للأطباء المؤلف من نقابات مختلفة إن الأطباء سيبدأون إضراباً عاماً في مختلف أنحاء السودان، عملاً بوعد سابق بالإضراب في حالة وقوع انقلاب. وكان الأطباء من ضمن القوى المحركة للانتفاضة التي أطاحت بالبشير.
وتعرض تقاسم السلطة بين الجيش والمدنيين لضغوط متنامية، بسبب ملفات منها تسليم البشير وآخرين للمحكمة الجنائية الدولية لمواجهة اتهامات بارتكاب فظائع في دارفور.
وقال البرهان، الثلاثاء، في أول مؤتمر صحفي يعقده منذ الانقلاب، إن الجيش لم يكن أمامه خيار سوى التحرك لتحييد الساسة الذين قال إنهم يحرضون الشعب على القوات المسلحة. وأضاف أن تحرك الجيش ليس انقلاباً.
فيما قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، للصحفيين في نيويورك، إن مبعوث الأمم المتحدة الخاص فولكر بيرثيز التقى بالبرهان، الأربعاء، وأبلغه أن المنظمة الدولية تريد عودة العملية الانتقالية لمسارها والإفراج الفوري عن المعتقلين.
وتعكس الأحداث التي يشهدها السودان، ثالث أكبر الدول الأفريقية، ما شهدته دول عربية أخرى شددت فيها المؤسسات العسكرية قبضتها على الأوضاع في أعقاب انتفاضات.
حيث قالت ويلو بيريدج، الخبيرة في الشأن السوداني بجامعة نيوكاسل، إنه سيكون من الصعب على البرهان والجيش قمع الحشود الشعبية المنتشرة في الشوارع لمناهضة الانقلاب بسبب وجود لجان مقاومة في أحياء كثيرة.
كما أضافت: "أكبر مخاوفي هو أنه سيستند أكثر إلى الشرعية الوحيدة التي يمكن أن يعول عليها وهي العنف، وهذا خطر شديد".