كلَّفت الحرب الأمريكية على أفغانستان دافعي الضرائب الأمريكيين أكثر من 2 تريليون دولار، وأودت بحياة أكثر من 243 ألف شخص، لكن ذلك لم يمنع شركتين من كبرى شركات الأسلحة الأمريكية من رثاء الحرب الأمريكية هناك وتسليط الضوء على تداعيات انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان على أرباحهم النهائية خلال لقاءي الكشف عن أرباح الشركتين للمستثمرين يوم الثلاثاء 26 أكتوبر/تشرين الأول.
حسب تقرير لموقع The Responsible Statecraft الأمريكي، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021، فقد أعربت كل شركة عن تفاؤلها بشأن دفعةٍ جديدة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأمريكيَّين لزيادة ميزانية وزارة الدفاع لعام 2022 بمقدار 29.3 مليار دولار، وذلك بزيادةٍ قدرها 5% عن ميزانية 2021، وبنحوِ 10 مليارات دولار عن الميزانية التي طلبها الرئيس الأمريكي جو بايدن.
يُذكر أن ما يقرب من نصف الميزانية العسكرية الأمريكية يذهب إلى شركات متعاقدة مع وزارة الدفاع مثل شركة "لوكهيد مارتن" Lockheed Martin وشركة "رايثيون" Raytheon، وكلتا الشركتين أوضحت للمستثمرين كيف سيؤثر انتهاء الحرب الأمريكية التي استمرت نحو 20 عاماً، تأثيراً سلبياً في أرباحها، لكنهما في الوقت نفسه رسمتا صورةً وردية عن الإنفاق العسكري المتضخم للبلاد وكيف سيؤدي ذلك إلى زيادة الإيرادات وتضاعف أرباح المساهمين في المحصلة النهائية.
مطالب بالدعم رغم أن خسائرها "ليست ضخمة"
من جانبه، أقرَّ الرئيس التنفيذي لشركة رايثيون، غريغوري هايز، الذي حصل على تعويض حكومي عن خسائر جائحة كورونا بلغ نحو 21 مليون دولارٍ العام الماضي، بأن انتهاء الحرب كانت أمراً سيئاً من جهة المحصلة النهائية.
المتحدث ذاته قال للمستثمرين: "حسناً، فيما يتعلق بالصفقات المفقودة على مستوى وزارة الدفاع، أصنِّف الإشكالية هنا إلى ثلاث فئات: أولاً، أعتقد أن الانسحاب من أفغانستان كان له تأثير سلبي بلغ 75 مليون دولار في عائدات العام بأكمله، وهو تراجع لا يُعد ضخماً ولكنه ذو مغزى".
لكن رغم الضربة المالية "غير الضخمة، ولكن ذات المغزى" بعد انتهاء الحرب، أبدى هايز نوعاً من التفاؤل بآفاق الاستثمارات طويلة الأجل.
في وقت سابق من اللقاء، تفاخر المسؤول التنفيذي في شركة الصناعات العسكرية بدعم الحزبين الأمريكيين لزيادة الميزانية العسكرية على نحو فاق حتى ما طلبه البيت الأبيض.
في معرض تأييده لذلك، قدَّم هايز تناولاً غريباً لدوافع الحزبين لزيادة الإنفاق الدفاعي، قائلاً: "الإنفاق الدفاعي ليس محل خلاف حزبي، ونحن متحمسون لرؤية الكونغرس يزيد الدعم المقدم في ميزانية الرئيس الأمريكي، لاسيما أن ذلك يتوافق مع أعمالنا وزيادة استثماراتنا في تقنيات جديدة".
إن تقييم هايز للميزانية بأنها جاءت "متوافقة" مع مصالحه التجارية والمالية، لا أولويات الأمن القومي مثل قضية التغير المناخي التي سبق أن أعلن البنتاغون والبيت الأبيض اعتبارها تهديداً وجودياً للأمن القومي، يشكِّل لحظةَ صراحةٍ نادرة من مسؤول بشركات صناعة الأسلحة.
مع ذلك، قد لا تكون مواءمة الميزانية العسكرية مع الاحتياجات التجارية لشركات الأسلحة للربح مصادفةً تامة.
فقد أنفقت شركات صناعة الأسلحة أكثر من مليار دولار للضغط على الكونغرس بين عامي 2002 و2020، وفي غضون ذلك تنامى التمويل الحكومي لأكبر 5 شركات لتصنيع الأسلحة بنسبة 188%.
محاولة لطمأنة المستثمرين
على الرغم من أن المدير المالي لشركة "لوكهيد مارتن" أقر بدوره بأن الانسحاب من أفغانستان خلق تراجعاً في الأرباح بنحو "200 مليون دولار على أساس سنوي"، فإنه أبدى التفاؤل نفسه الذي أعرب عنه المسؤول التنفيذي لشركة "رايثيون" بشأن الأرباح المستقبلية التي تغذيها الميزانيات المتضخمة لوزارة الدفاع الأمريكية.
إضافة إلى ذلك، سارع الرئيس التنفيذي لشركة لوكهيد مارتن، جيمس تاكليت، الذي حصل على أكثر من 23 مليون دولار من تعويضات الحكومة الأمريكية العام الماضي، إلى طمأنة المستثمرين مستنداً إلى عدة عوامل، أبرزها ربط الأرباح المستقبلية لشركته "بمقدار التضخم المتوقع في ميزانيات الدفاع المستقبلية والمشهد الجيوسياسي العالمي".
هكذا، توافق الرئيس التنفيذي لشركة "رايثيون" مع المدير المالي لشركة "لوكهيد مارتن" في الانحياز إلى المقاربة نفسها، أي التفاؤل بشأن الزيادة في ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، ليس من جهة تأثيرها في الأمن القومي الأمريكي، ولكن من جهة ما يحققه ذلك من رفاهية مالية لشركتيهما، حتى إن مسؤول شركة "لوكهيد مارتن" استخدم التعبير نفسه الذي استخدمه زميله في "رايثيون"، قائلاً: "أود أن أقول إننا متحمسون للاتجاه الذي تسلكه لجان الكونغرس [في زيادة ميزانية وزارة الدفاع]، لأنها تعكس دعماً جيداً لعديد من برامجنا".