مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات الفيدرالية في ألمانيا، التي أتت بفوز حزب الاشتراكيين الديمقراطيين المنتمي إلى يسار الوسط على منافسه حزب الاتحاد المسيحي الحاكم بفارق ضئيل، بدأت التكهنات حول التغييرات التي ستطرأ على قوانين الهجرة واللجوء في عهد الحكومة الجديدة. فكيف ستتأثر حياة اللاجئين والمهاجرين في ألمانيا في عهد حكومة الجديدة؟
انطلق كل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر في إجراء محادثات رسمية لتشكيل الحكومة الألمانية الجديدة. وتتمتع أحزاب ائتلاف ما يسمى "إشارة المرور"، نسبة إلى الألوان الثلاثة المميزة لكل حزب، بتأييد مجتمعي في ألمانيا، خاصة من قِبَل المهاجرين واللاجئين، بعد تغلب الحزب الاشتراكي على التحالف المسيحي بعد فترة حكم دامت طويلاً.
وقد كان واضحاً أن المحادثات الرامية إلى تشكيل حكومة ائتلافية من الأحزاب الثلاثة المذكورة، ستطرح نقاط خلاف بسبب المواضيع الاقتصادية، خاصة بين قادة حزب الخضر والحزب الليبرالي، إلا أن موضوع الهجرة والمهاجرين لا يشكل مجالاً للاختلاف الكبير بين الأحزاب الثلاثة.
وحسب الناشط الحقوقي السوري المقيم في ألمانيا، عدنان الناشي، الخبير في مواضيع الهجرة واللجوء، فإن "الحكومة الجديدة إذا تألفت من التحالف الثلاثي (الاشتراكي والخضر والليبرالي)، فإنها ستحدث تغييراً كبيراً في مجتمع المهاجرين واللاجئين. فالائتلاف سيكون واعداً للغاية وسيحدث الكثير من التغييرات في المجتمع الألماني ككل. كلي أمل أن يتم الاتفاق بين الأحزاب الثلاثة، لأن فشلها يعني عودة الاتحاد المسيحي للحكم".
مواقف الحزب المتصدر للانتخابات!
في ألمانيا حيث 7.4 مليون شخص من أصول مهاجرة لهم الحق في التصويت في الانتخابات الوطنية، شكلت سياسة الحزب الذي ظفر بالمرتبة الأولى نحو قضية الهجرة موضوعاً جديراً بالاهتمام داخل مجتمعات المهاجرين وبين عموم الألمان. وقد تبنى الحزب الاشتراكي الديمقراطي تاريخياً موقفاً إيجابياً من قضية الهجرة.
وخلال ذروة أزمة المهاجرين التي واجهت أوروبا عام 2015، قدم الحزب، بصفته عضواً في الائتلاف الحاكم، خطة من خمس نقاط، طرح عبرها رؤيته للطريقة المثلى للتعامل مع الأزمة. إذ دعا إلى القيام بالمزيد من الخطوات لمكافحة أسباب فرار الناس من أوطانهم، كما نادى بضرورة التعامل مع أزمة المهاجرين عبر التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي وتحمل الأعباء فيما بينها. لكنه في الوقت ذاته طالب بتشديد الرقابة على حدود الاتحاد وبضرورة وضع قانون ألماني ينظم الهجرة إلى البلاد.
وفي هذا الصدد، قال الناشط الحقوقي، عدنان الناشي، إن "سياسة الاندماج وما شابها من أخطاء على مدى سنوات طويلة ماضية، سيحاول الحزب الاشتراكي مسرعاً تداركها، وأظنه سيبحث عن حلول سريعة لمزيد من الاندماج للمهاجرين واللاجئين في المجتمع الألماني وسوق العمل. ومن الأكيد أنه سيعمل على تخفيض شروط الحصول على الجنسية الألمانية".
في أبريل/نيسان الماضي أعلنت الكتلة النيابية للحزب الاشتراكي الديمقراطي أنها ترى أن حل قضية الهجرة يكمن في المزج بين الإسراع في إنجاز إجراءات اللجوء والترحيل على حد سواء، وإفساح مزيد من الفرص أمام الهجرة الشرعية المدروسة، مشددة على أن الحصول على الحماية الإنسانية يجب أن يتم على أساس القوانين الألمانية، وإلا فعلى من لا يستوفي الشروط مغادرة البلاد.
بالنسبة للناشي، فالمواضيع المهمة المرتبطة باللاجئين التي يجب أن يحدث فيها تغيير، تتمثل أولاً في إجبار اللاجئين السوريين على تجديد جواز السفر في سفارة نظام غير شرعي، وهو أمر غير منطقي ويساعد النظام السوري في حربه".
ويرى المتحدث أن السوريين طبقت عليهم الحكومة الألمانية السابقة قانوناً يعود لعام 1954، إلا أن هذا القانون نفسه يتضمن فقرة تجيز للاجئ أن يقدم وثيقة تثبت هويته وجنسيته ولو كان غير سارية المفعول.
"المعضلة الكبرى هنا، التي تلام عليها الحكومة السابقة، أنه حين دخول اللاجئ السوري، تتحقق من هويته وتمنحه الإقامة أياً كان نوعها". وقد أسس هؤلاء اللاجئين حياتهم هنا بالفعل وأصبحوا مندمجين في سوق الشغل والمجتمع وامضوا هنا سنوات طوال.
وقال المتحدث: "ما لا نفهمه إلى اليوم هو سبب عدم اعتماد الموظفين الحكوميين كل هذه الوثائق لتجديد الإقامات، ومطالبتهم اللاجئين السوريين بتجديد جواز السفر الذي أصبح الأغلى تكلفة في العالم، لتجديده يحتاج السوري إلى 400 يورو. لا نستطيع فهم الغاية من مثل هذا القانون سوى دعم نظام بشار الأسد"، يقول الناشي.
بالإضافة لموضوع تجديد جوازات السفر في السفارة السورية، استحضر الناشي المشاكل المترتبة عن منع لم شمل اللاجئين الحاصلين على الحماية المؤقتة لما يقارب السنتين بعد أحداث برلين سنة 2016، واعتبر المتحدث أنه "حتى اللحظة تسير عمليات لمّ الشمل بشكل بطيء جداً. وهذه نقطة يجب إيجاد حل سريع لها، لأنها تسببت في شتات أسر وعائلات لا ذنب لها".
أزمة الهجرة واللجوء الجديدة!
أما فيما يتعلق بقضية اللاجئين الأفغان التي طُرحت مؤخراً، فقد عارض الحزب سياسة الحكومة الداعية إلى دعم دول جوار أفغانستان للتعامل مع موجات الهجرة التي عرفتها البلاد بعد عودة حركة طالبان إلى السلطة، إذ دعا المتحدث باسم الحزب لقضايا الهجرة، لارس كاستيلاتشي إلى زيادة برامج التوطين التي يتم التنسيق بشأنها أوروبياً لمساعدة من يحتاج على الوصول إلى بر الأمان.
ويرى الناشط الحقوقي عدنان الناشي أن ما يقوم به وزير الداخلية الألماني حالياً في أزمة اللاجئين القادمين من بولندا عن طريق بيلاروسيا "يخالف القوانين الألمانية والأروبية، ولا أظن أن هذا سيستمر طويلاً، فبمجرد تشكيل الحكومة الجديدة، سيتم العمل على إيجاد حلول تتوافق مع الديمقراطية وحقوق الإنسان".
يتقاطع موقف الاشتراكيين من قضية اللاجئين الأفغان مع الموقف العام الذي يتبناه حزب الخضر من قضية اللجوء. ومعروف عن الحزبين معاً استقطاب المهاجرين بين صفوف مناضليه، وقد برز هذا الاستقطاب خلال الحملة الانتخابية الأخيرة بعدما ارتفع عدد الترشيحات الألمان من أصول مهاجرة في لوائح كلا الحزبين، كما تعزز وجود برلمانيين عن الحزبين معا من خلفيات مهاجرة داخل البوندستاغ.
وحسب آخر الإحصائيات، فقد زادت نسبة النواب المنحدرين من أصول أجنبية في الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي لتصل إلى 35 من أصل 206 نواب. وصار النواب ذوو الأصول المهاجرة في البرلمان الألماني الجديد (البوندستاغ) يشكلون حوالي 11% من إجمالي عدد النواب، حيث وصل عددهم إلى 83 نائباً على الأقل من أصل 735 نائباً، حسب منصة " mediendienst-integration" المعنية بتوفير معلومات وبيانات للصحافة عن اللجوء والهجرة والاندماج في ألمانيا.
إلا أن هذه الأرقام لا تحجب مشاكل كثيرة عرقلت اندماج السوريين في سوق العمل والمجتمع الألماني، منها، حسب الناشي "معضلة البيروقراطية التي صارت من طبيعة النظام الألماني، والتي تحتاج تغييراً جذرياً في كل القطاعات. إضافة إلى طبيعة الموظفين العاملين بمكاتب الأجانب والهجرة واللجوء، والتأخير الذي يسببونه أحياناً بدون مبرر أو أسباب مقنعة، في حماية كاملة من القانون".
المنظمات الإنسانية تذكر الحكومة الألمانية بحقوق اللاجئين!
دخلت المنظمتان الحقوقيتان "برو أزول" والعفو الدولية، على خط مشاورات الأحزاب المستقبلية المكونة للائتلاف الحكومي القادم في ألمانيا، وذكرتها بضرورة تعزيز وترسيخ حقوق اللاجئين وتثبيتها في اتفاقية الائتلاف.
وطالبت المنظمتان في رسالتهما المشتركة بمناسبة اليوم العالمي للاجئ، الذي صادف الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول، الحكومة الألمانية الجديدة بالعمل على إنهاء عمليات إعادة اللاجئين من على الحدود الخارجية الاتحاد الأوروبي، ومنع إجراءات اللجوء السريعة وعمليات الإيواء المشابهة للاعتقال على الحدود الخارجية للاتحاد.
وشدد الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، ماركوس بيكو، على الحكومة الجديدة بـ"التزم واضح" بحقوق الأشخاص المطالبين بالحماية، داعياً إلى عدم السماح بترحيلهم إلى مناطق الحروب والأزمات مثل أفغانستان وسوريا.
من جهته، أكد المدير التنفيذي لمنظمة "برو أزويل" الألمانية المدافعة عن حقوق اللاجئين، غونتر بوركهات، الحكومة القادمة بالدفاع عن حقوق الإنسان واللاجئين بشكل فعال.