كشفت دراسة جديدة أن النظام السوري استطاع الحصول على أكثر من 60 مليون دولار خلال عام 2020، وذلك من خلال الاحتيال على وكالات الأمم المتحدة، وإجبارها على استخدام سعر صرف أقل لليرة السورية مقابل الدولار، في أموال المساعدات التي ترسلها للشعب السوري.
صحيفة The Guardian البريطانية، نشرت الخميس 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021، الدراسة التي أعدّها باحثون من "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" (CSIS) الأمريكي، و"مركز السياسات وبحوث العمليات" (OPC)، و"مركز تحليل العمليات والبحوث".
ملايين الدولارات
تشير الدراسة إلى أن البنك المركزي السوري، الخاضغ لعقوبات من المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، استنزف بالفعل ملايين الدولارات من أموال المساعدات، بعد أن جمع 0.51 دولار من كل دولار مساعدات يُرسل إلى سوريا، ما جعل عقودَ الأمم المتحدة إحدى أبرز وسائله لاستخلاص المال.
يشار إلى أن دمشق تلقّت عدة ضربات تحت وطأة العقوبات الأمريكية الجديدة وانهيار النظام المصرفي في لبنان المجاور، وبعدما اشتدت الضائقة المالية التي يعانيها النظام، تزايد لجوؤه إلى أساليب غير تقليدية لجمع الأموال، على حد تعبير صحيفة The Guardian البريطانية.
جاءت تلك النتائج بعد أن فحص الباحثون مئات من عقود الأمم المتحدة لشراء السلع وتوفير الخدمات للأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها حكومة النظام السوري.
وفي حين أن سعر الصرف الرسمي للبنك المركزي الآن هو نحو 2500 ليرة سورية للدولار الأمريكي، فإن سعر السوق السوداء هو 3500 ليرة سورية، وهو السعر الذي يفضل التجار والمستهلكون الشرعيون استخدامه لتلقي المزيد من الليرات السورية مقابل العملة الأجنبية.
ومنذ أن أجبرت الحكومة السورية وكالات الأمم المتحدة على استخدام السعر الأسود، فُقدِت نصف أموال المساعدات الخارجية التي حُوِّلت إلى الليرة السورية في عام 2020، بعد مبادلتها بالسعر الرسمي الأدنى قيمة.
تشير الدراسة إلى أنه بعد فحص 779 عملية شراء متاحة للجمهور في عامي 2019 و2020، كانت مدرجة في قاعدة بيانات السوق العالمية للأمم المتحدة، وجد الباحثون أن ما يصل إلى 100 مليون دولار قد اختفت في تحويلات سعر الصرف.
ومن ثم، إذا حُسبت الرواتب وبرامج المساعدات النقدية وتدفقات التمويل الأخرى التي لم يُعلن عنها، فقد يكون البنك المركزي السوري حصد مئات الملايين من الدولارات، وفقاً للباحثين.
وتشمل قائمة الوكالات التي قدمت تمويلات: مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، وبرنامج الغذاء العالمي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة اليونيسيف.
وقال نظام التتبع المالي التابع للأمم المتحدة للباحثين في الدراسة، إنه لم يرصد قدر الأموال التي بودِلت بالليرة السورية، لأن "تتبّع هذه المعلومات كان خارج نطاق مهمّتهم".
يُشار إلى أن حكومات العالم تبرعت بمتوسط 2.5 مليار دولار سنوياً لبرامج الأمم المتحدة في سوريا منذ عام 2014.
تحايل على أهداف المساعدات
تقول ناتاشا هول، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "يكشف هذا عن طريقة منهجية مذهلة لتحويل وجهة المساعدات، قبل أن يتاح لها حتى فرصة الوصول إلى وجهتها المخصصة أو الاستخدام على أرض الواقع".
أضافت ناتاشا: "إذا كان الهدف من العقوبات عموماً هو حرمان النظام من الموارد اللازمة لارتكاب المزيد من أعمال العنف ضد المدنيين، وكان الهدف المساعدات الإنسانية هو وصولها إلى المحتاجين إليها، فإننا في الحالة التي نحن بصددها نرى أن المساعدات بات استخدامها يتعارض تماماً مع هذين الهدفين".
يُذكر أنه بعد 10 سنوات من الحرب الأهلية في سوريا، تحول يأس المانحين الدوليين من تغير الأوضاع، والذي لوحظ بالفعل في انخفاض التعهدات بالمساعدات، إلى مزيد من الانخراط السياسي العلني مع نظام الأسد.
حيث توقفت الولايات المتحدة عن الاضطلاع بدور قوي في إيجاد حل سياسي في سوريا، وإن كانت لا تزال تدعو إلى ذلك علناً، لكنها في الوقت نفسه سمحت لعدة دول عربية، وهي دول حليفة لها مثل الأردن والإمارات والسعودية ومصر، باستئناف المحادثات الدبلوماسية مع النظام السوري مؤخراً، وإعادة فتح حدودها وتسيير التجارة والإشارة إلى عودة التعاون الاقتصادي الرسمي.