مليارات الدولارات للجيش على حساب الصحة والتعليم.. حصة الأسد للتسليح في قانون المالية بالمغرب والجزائر

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/21 الساعة 14:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/21 الساعة 14:47 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية (Istock)

أرقام استثنائية وميزانيات ضخمة أعلنت عنها كل من الجزائر والمغرب لتمويل وزارة الدفاع والجيش، وشراء المعدات والتسابق من أجل الظفر بأكبر وأهم صفقات السلاح في المنطقة.

ولأول مرة، ارتفعت ميزانيات وزارة الدفاع في كل من المغرب والجزائر، وتضاعفت الأرقام في قانون المالية المعلن عنه قبل أسبوع بالجزائر، وقبل يومين في المغرب.

حصة الأسد للجيش

كما كان متوقعاً زادت الجزائر حجم إنفاقها العسكري مع تصاعد التوتر بينها وبين جارتها الغربية المغرب، واشتعال منطقة الساحل وليبيا وعدم الاستقرار في تونس. 

ووفق مشروع قانون المالية لسنة 2022، فإن الجزائر التي تعد أكثر الدول الإفريقية إنفاقاً على المجال العسكري، زادت ميزانيتها العسكرية قرابة مليار دولار عن السنة الماضية. 

ورصدت الحكومة الجزائرية 9.7 مليار دولار كميزانية للدفاع للسنة الجديدة مقابل 9 مليارات دولار للسنة الجارية، كما أن الجزائر ذهبت لعصرنة جيشها وتطويره أكثر، لاسيما القوات الجوية والبحرية. 

ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أنور السليماني الذي تحدث لـ"عربي بوست"، أن الزيادة في ميزانية وزارة الدفاع أمر متوقع جداً، خاصة بعد التصعيد والتحديات التي تشهدها الجزائر تجاه دول الجوار،  وتحديداً المغرب الذي جعلت  الجزائر منه خطراً ودولة مهددة لاستقرار الجزائر.

تستأثر ميزانية وزارة الدفاع في الجزائر بحصة الأسد من مجمل الميزانية العامة، وينسب بعض المختصين العجز الحاصل في الموازنة العامة للمخصصات المالية الضخمة التي تحصل عليها المؤسسة العسكرية. 

ووفقاً للتقرير السنوي الذي أصدره معهد أبحاث السلام "سيبري" السنة الماضية، فإن الجزائر من بين أكبر 10 دول في العالم من حيث عبء الإنفاق العسكري. 

ويبلغ الإنفاق العسكري الجزائري قرابة 7% من الناتج القومي المحلي، ويمثل عبئاً ثقيلاً على التنمية الاقتصادية؛ نظراً إلى أنه يقتطع نسبة كبيرة من الناتج ويخصصها للمشتريات العسكرية وتمويل الاحتياجات المتزايدة للمؤسسات العسكرية. 

ويشمل الإنفاق العسكري كل مخصصات شراء الأسلحة والمعدات وصيانتها والتدريب عليها، كما يشمل الإنفاق على الأفراد العاملين بالقوات المسلحة وإعانتهم في معسكراتهم، وكذلك الإنفاق على الخدمات اللوجستية المختلفة، ومخصصات البحوث والتطوير. 

وتعتبر مدفوعات استيراد الأسلحة والذخائر أكبر بنود الإنفاق العسكري للدول العربية. 

صفقات ضخمة 

تبرم الجزائر سنوياً صفقات ضخمة ومهمة بالنسبة للمؤسسة العسكرية التي تحظى بمعاملة تفضيلية من طرف روسيا والصين باعتبارها زبونهما التقليدي المدلل. 

وتضع روسيا الجزائر دائماً على رأس قوائم الدول التي يمكنها الحصول على الأسلحة الجديدة المتطورة بصفة حصرية والتي لا يمكن بيعها لدول أخرى. 

ووفقاً لمجلة "ميليتري واتش" المختصة في الشؤون العسكرية، فإن الجزائر ستكون ضمن قائمة من 3 دول تضم أيضاً الصين والهند كزبائن محتملين مرشحين لأن يكونوا عملاء حصريين لنظام "إس 500" في العالم بعد حصولهم على نسخة "إس 400". 

وكشفت وكالة سبوتنيك الروسية أن الجزائر في مقدمة الدول الـ5، بقائمة المشترين المحتملين لمقاتلات الجيل الخامس الروسية "سو-57". 

ميزانية فوق الرقابة 

لا تخضع ميزانية وزارة الدفاع في الجزائر لأي رقابة من طرف المؤسسات التشريعية المنتخبة كغيرها من الوزارات. 

كما لا تخضع لأي مساءلة برلمانية أو تحقيق، ولا يذكر التاريخ أن مسؤولاً عسكرياً قد سُئل تحت قبة البرلمان رغم وجود لجنة خاصة بالدفاع داخله. 

وتصنف كل التفاصيل المتعلقة بالمؤسسة العسكرية على أنها أسرار دولة عدا ذكر الميزانية في قانون مالية السنة. 

ويؤكد أنور السليماني أنه لا يمكن لميزانية وزارة الدفاع الجزائرية الخضوع لمراقبة البرلمان، لأن "النظام يغلب عليه الطابع العسكري". 

ويرى أستاذ العلوم السياسية أن "البرلمان ضعيف ومنقوص الشرعية  ولا يستطيع مواجهة الحاكم الفعلي للبلاد".

أرقام استثنائية في المغرب

زيادة في الإنفاق على صفقات السلاح، وأخرى فارقة في الوظائف والمناصب، هذه أبرز سمات الشق المتعلق بالجيش المغربي، في مشروع قانون المالية الذي أعدته الحكومة الجديدة في المغرب، بانتظار مناقشته والمصادقة عليه في غرفتي البرلمان.

الإنفاق على السلاح في المغرب تحول إلى محطة اهتمام واسع، في ظل المنافسة المحتدمة مع الجزائر في السنوات الأخيرة، تعززه التوترات التي تعرفها منطقة غرب إفريقيا والساحل.

وكشف مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2022، عن حصول مناصب الشغل بإدارة الدفاع الوطني على حصة الأسد من التوظيفات الحكومية المقرر إجراؤها في السنة المالية المقبلة، عكس السنوات الماضية التي كان فيها قطاع التعليم يأخذ الأولوية الكبرى.

ويقضي القانون في المغرب بعرض مشروع قانون المالية قبل 20 أكتوبر/تشرين الأول، على أن يُفتح النقاش فيه داخل غرفتي البرلمان على امتداد أسبوعين كحد أقصى، تنتهي بالمصادقة عليه وإحالته إلى الملك الذي يأمر بنشره في الجريدة الرسمية، وبالتالي يصبح ساري المفعول في الأول من يناير/كانون الثاني 2022.  

ووفق مشروع قانون المالية الذي قدمته الحكومة للبرلمان هذا الأسبوع، فقد تم تخصيص 40.7% من مناصب الشغل لإدارة الدفاع الوطني، بمجموع 10 آلاف و800 منصب شغل.

10 آلاف منصب شغل لسنة 2022، تساوي أكثر من ضعف المناصب المخصصة لسنة 2021 والتي بلغت 4200 منصب شغل في قانون مالية السنة الجارية.  

واقترح مشروع قانون مالية 2022، توفير المجال لـ26 ألفاً و510 مناصب شغل في إطار الوظيفة العمومية بجميع القطاعات المدنية والأمنية والعسكرية.

أما بخصوص المناصب المالية المخصصة للوزارة المنتدبة لدى رئاسة الحكومة المكلفة بالدفاع الوطني، فقد عرفت تراجعاً في مشروع القانون الجديد بـ800 منصب، لتستقر عند 4200 منصب مالي جديد سنة 2021 مقابل 5000 منصب سنة 2020، لكن مجال الدفاع يبقى ثالث أكثر قطاع حكومي توظيفاً بعد وزارة الداخلية ووزارة الصحة وقبل وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.

هذه الأرقام قلل من قيمتها إسماعيل حمودي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة فاس (وسط)، الذي اعتبر أن "هذه الأرقام تعني تلبية الاحتياجات العادية للمؤسسة الدفاع الوطني، كما أنها تعني تعويض المتقاعدين".

وشدد إسماعيل حمودي، في تصريح لـ"عربي بوست"، على أن "ما يجب الانتباه إليه هو أنّ رفع عدد المناصب لا يتطابق مع رفع عدد الجنود، فالأمر قد يعني زيادة عدد الموظفين، خاصة مع التوجهات الجديدة للجيش المغربي نحو تصنيع السلاح".

زيادة في التسليح

مشروع قانون المالية الجديد رفع من الميزانية المرصودة لـ"شراء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية" مقارنة مع قانون مالية السنة الجارية. 

ففي المادة 34 من المشروع، حدد مبلغ 115 ملياراً و953 مليون درهم كقيمة للنفقات المأذون للوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني الالتزام بها خلال سنة 2022 بحساب النفقات من المخصصات المسمى شراء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية. 

ميزانية الترسانة العسكرية المغربية لسنة 2022 ستعرف ارتفاعاً طفيفاً تجاوزت قيمته 4 مليارات و604 ملايين درهم مقارنة مع السنة الجارية، إذ بلغت 110 مليارات درهم. 

وخلال السنوات الخمس الأخيرة بين سنتي 2016 و2020، عرف الإنفاق المغربي على السلاح تصاعداً مطرداً، إذ انتقل من قيمة 56 ملياراً و588 مليون درهم في قانون مالية سنة 2016.

وخصص قانون مالية سنة 2017 مبلغ 69 ملياراً و978 مليون درهم للحساب المتعلق بمعدات القوات المسلحة الملكية، فيما خصص قانون مالية 2018 له قيمة 84 ملياراً و264 مليون درهم، ثم 96 ملياراً و731 مليون درهم في ميزانية سنة 2019.

وبلغت ميزانية التسلح سنة 2020، 110 مليارات و953 مليون درهم، وعرف الحساب المذكور استقرار بسيطاً في مالية 2021، حيث خصص له مبلغ 115 مليارات و950 مليون درهم، ثم مبلغ 115 ملياراً و953 مليون درهم في مشروع قانون المالية المعروض على البرلمان.

دوافع المغرب

قال محمد شقير، الباحث في الشأن العسكري، في تصريح لـ"عربي بوست"، إن هناك عدداً من العوامل التي تجعل المغرب يرفع وتيرة التسلح.

وأضاف محمد شقير، أن أول هذه العوامل التسابق مع الجارة الجزائر، والذي يدفعه التوتر المتصاعد في العلاقات بينهما، وتغذيه حمى الإنفاق العسكري الجزائري.

وزاد شقير أن العامل الثاني يتمثل في أن المغرب منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، شرع في تحديث الترسانة العسكرية للمغرب، وهذا يعني اقتناء أسلحة جديدة وأكثر فعالية؛ وبالتالي تخصيص جزء مهم من الميزانية لهذا الغرض.

العامل الثالث، هو المتعلق بالتكنولوجيا العسكرية التي تحولت إلى أحد أهم عناصر التسلح المغربي سواء على المستوى الاستخباراتي من خلال اقتناء أقمار صناعية للتجسس، أو شراء معدات حربية متطورة تكنولوجياً، وهو ما يفرض بدوره تخصيص ميزانيات ضخمة.

العامل الرابع برأي شقير، هو أن هذه المعدات والتكنولوجيا تتطلب بدورها تكويناً عالياً ومستمراً، نحن نتحدث عن تكنولوجيا غاية في الدقة، وبالتالي تحتاج إلى متخصصين بكفاءة عالية، وهذا يفترض إنفاقاً مضاعفاً.

سوق السلاح

رأى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، بجامعة فاس، إسماعيل حمودي، أن المغرب منذ سنوات طويلة وهو يختار تنويع أسلحته، بحيث نجد المغرب يعتمد في صفقاته على أغلب الدولة المنتجة والمصدّرة للأسلحة من الصين وروسيا شرقاً وصولاً إلى أمريكا غرباً.

واعتبر إسماعيل حمودي في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "تنويع الشركاء العسكريين تمليه المصالح السياسية للمغرب، وبالتالي ينعكس هذا على تنوع الصفقات وارتفاع ميزانية الإنفاق".  

ومضى حمودي يقول: "المغرب يعتبر صفقات التسلح ليست مجرد عمليات اقتصادية، أي بيع وشراء، بل يضعها كجزء من عقيدته العسكرية والسياسية، القائمة على حماية مصالح البلاد الاستراتيجية، وذلك من خلال الانفتاح على شركاء أكثر".

وتابع أنه يمكن أن نفرق بين شركاء تقليديين للمغرب، كأمريكا التي تزود المغرب بأكثر من 60% من حاجته للسلاح، وأوروبا الغربية وروسيا والصين، وفي هذا الاتجاه لا ننسى أن إسرائيل كانت تتعامل مع المغرب عن طريق فرنسا.

العنصر الجديد في مجال سوق التسلح المغربي هو تركيا، التي فرضت نفسها من خلال فعالية أسلحتها، خاصةً الطائرات بدون طيار.

الإنفاق على السلاح في المغرب كان إلى وقت قريب أحد الملفات المسكوت عنها داخلياً، لكن مع التوتر الكبير في العلاقات مع الجزائر، وتطورات ملف الصحراء، خاصة ما بعد "الكركرات"، تحوَّل التعاطي إلى مجال للافتخار لدى فئات تتسع تدريجياً في المجتمع.

تحميل المزيد