أعاد قرار التعجيل بموعد الانتخابات اللبنانية البرلمانية، تغيير معالم الخريطة السياسية في لبنان، وذلك بعد عملية التصويت التي شهدها البرلمان أمس الثلاثاء، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وصوّت البرلمان اللبناني، في أوّل جلسة رسميّة لحكومة نجيب ميقاتي الجديدة، على إجراء الانتخابات البرلمانية، في 27 مارس/آذار، بدلاً من 8 مايو/أيار 2022، التاريخ المحدد من طرف وزير الداخلية السابق محمد فهمي.
وتقرّر هذا التاريخ من العام المقبل وفقاً لأغلبية الكتل النيابية، التي صوّتت لصالح هذا القرار، باستثناء كتلة لبنان القوي (التيار الوطني الحرّ)، التي يرأسها النائب جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون.
وتحجّجت كتلة جبران باسيل بتشبثها بموعد الانتخابات بكون التوقيت الجديد يُمكن أن يُصادف حسب توقعات الأرصاد الجويّة عواصف محتملة، بالإضافة إلى أنّها فترة الصيام عند بعض المسيحيين.
تعجيل الانتخابات اللبنانية.. ما الأسباب؟
لا بدّ من مصلحةٍ تستغلّها أحزاب السّلطة دفعتها إلى تقديم موعد الانتخابات النيابية شهرين تقريباً، رغم معارضة أحزاب أخرى، لها أيضاً المصلحة في إجراء الانتخابات في موعدها.
وكشف مصدر سياسي لـ"عربي بوست" أنّ هناك تسوية تمّت بين رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل الشيعية نبيه بري، ورئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع، بعد أحداث منطقة الطيّونة الدامية، التي زادت حدّة الخلاف بين الطرفيْن، ولا سيّما حزب الله.
وأوضح المصدر أنّ هذه التسوية تفيد بالسماح للجالية اللبنانية بالمشاركة في العملية الانتخابية كاملة، أي انتخاب 128 نائباً بدل الاقتصار على اختيار 6 نوّاب فقط، كما كان في السابق.
مشاركة المغتربين في الانتخابات تصب -حسب مصدر "عربي بوست"- في مصلحة حزب القوّات اللبنانية، بسبب حضوره الكثيف في أوساط المسيحيين المغتربين، وارتفاع شعبيته على حساب شعبية التيار الوطني الحر، هذا الأخير الذي تراجع في أوساط المغتربين منذ انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
أيضاً يصُب تقديم موعد الانتخابات النيابية في مصلحة الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله)، الذي مازال يُمسك بالبيئة الشيعية بشكل كبير، وثقة الطائفة الشيعية زادت بحزب الله بعد دخول الوقود الإيراني للبنان، ما اعتبر أنه كَسر الحصار على لبنان وسوريا في آن واحد.
مقابل ذلك قال مصدر من حزب القوّات اللبنانية إنّهم وافقوا وصوّتوا على تقديم الانتخابات عن موعدها الأساسي، لأنّهم مع الاستعجال في تغيير السلطة الحالية، ما دام الموعد الجديد ضمن المهلة الدستورية المحدّدة.
أمّا المحلل السياسي إبراهيم حيدر، فقد اعتبر أن تقديم موعد الانتخابات له علاقة بالتجاذبات السياسية، مشيراً إلى أن اجتماع اللجان المشتركة قبل الجلسة التشريعية تمّ الاتفاق فيه بين جميع القوى، وتحديداً الثنائي الشيعي والقوات اللبنانية، والحزب التقدمي الاشتراكي، لتحديد 27 مارس/آذار المقبل، موعداً للانتخابات البرلمانية اللبنانية.
وعن علاقة هذا الموضوع باشتباكات الطيّونة التي أُسقط فيها 7 قتلى من حركة أمل، واتَّهم حزب الله القوّات اللبنانية بشكل مباشر فيها، اعتبر مصدر "عربي بوست" أنّ الحادثة منفصلة تماماً، ولا علاقة لها بتقديم موعد الانتخابات البرلمانية.
ويأتي هذا الحماس من قِبل القوى السياسية المشاركة في الحكم، بحسب الباحث في مركز كارنيغي للدراسات، الدكتور مهند الحاج علي، بعد شعور السّلطة أنّ التداعيات السياسية للثورة انتهت، وبالتّالي عودة الشعور بالاستقواء لدى أحزاب السلطة التقليدية.
ومن جهة أخرى، لا يرى الحاج علي أن لتقديم أو تأجيل موعد الانتخابات أهمية كبيرة، معلّلاً ذلك بأنّه لن يُلحظ فارقٌ كبير في النتائج بين الأحزاب السياسية الأساسية.
تأجيل الانتخابات ومرفأ بيروت
لا بدّ من ربط ملف الانتخابات النيابية بالملفّ الأكثر أهمية اليوم في لبنان، وهو ملف التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، الذي أحدث شرخاً بين القوى السياسية، أهمّها الثنائي الشيعي.
ويريد الثنائي الشيعي (حزب الله، حركة أمل) إزالة المحقّق العدلي في قضية المرفأ، القاضي طارق البيطار من منصبه، متّهماً إياه بتسييس التحقيق، والتعامل بليونة لمصلحة أطراف محلية، والتبعية للإدارة الأمريكية.
مقابل ذلك، يرفض حزب القوّات اللبنانية تنحي القاضي طارق بيطار من التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت، في الرّابع من أغسطس/آب 2020.
المحلّل السياسي إبراهيم حيدر يرى في تصريحه لـ"عربي بوست" أنّ "ملف مرفأ بيروت يعتبر بوابة لملفات عديدة لها علاقة بالتقاسم السياسي والطائفي بين الأحزاب التي تُسيطر على الجزء الأكبر من المرافق الحيوية في لبنان، والصراع بين القوى السياسية قد يُؤدّي إلى انفجار، كما حصل الخميس الماضي في الطيّونة، وهي الأحداث التي وصفها حزب سمير جعجع بـ"الحرب الأهلية المصغّرة، والتي كان من الممكن أن تُصعّد".
وكشف مصدر أن التسوية التي أجرت بين سمير جعجع ونبيل برّي تتعلق بتنحّي القاضي بيطار من منصبه، مقابل انتخابات نيابية مبكرة عن موعدها، وأحقيّة المغتربين بالتصويت لـ128 نائباً.
بالمقابل، فإن الطرح السياسي سيكون إمّا القبول بتنحّي القاضي طارق البيطار، أو الضغط عليه لإحالة الوزراء الحاليين والسّابقين المُدّعى عليهم بملف المرفأ إلى المحكمة الخاصّة بالرؤساء والوزراء، والتي يشكلها البرلمان، ما يعني إعفاء النواب والوزراء المُدّعى عليهم بملف المرفأ -علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق- من حضور جلسات الاستجواب أمام البيطار في القضاء المدني، الأمر الذي قد يُرضي الثنائي الشيعي قليلاً في ملف المرفأ.
هل ستُجرى الانتخابات؟
رغم تقديم موعد الانتخابات النيابية وإصرار وزير الداخلية بسّام المولوي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، معاً، على إجراء الانتخابات النيابية، فهذا لا يؤكّد إجراءها في وقتها.
المحلل السياسي إبراهيم حيدر قال إن ملف موعد الانتخابات بات رهين كيفية التعاطي مع التحقيق حول قضية انفجار مرفأ بيروت وقضية إزالة المحقّق العدلي طارق البيطار من التحقيق في الملف.
وإلى هذه اللحظة، ورغم التفاهم بين القوّات اللبنانية وحركة أمل، فحزب الله لا يزال على موقفه بشأن التحقيقات، أي عزل القاضي بيطار.
وإذا استمرّ حزب الله بالتصعيد، يعتقد حيدر، ويوافقه الباحث مهنّد الحاج علي في تصريحهما لـ"عربي بوست"، أنّ الأمور ستؤول إلى طريق مسدود، وبالتّالي قد يمتنع وزراء حزب الله عن الحضور إلى اجتماع مجلس الوزراء، وبالتّالي تعطيل العمل الحكومي، ما يعني تأجيل الانتخابات النيابية.
لذا، يعتبر المحلّلون أنّه لا بدّ من إجراء تسوية توافقية بين القوى السياسية للخروج من مأزق ملف تفجير مرفأ بيروت، وإيجاد حل مناسب يُرضي كافة الأطراف، وإلّا فإن الاستحقاق الحكومي سيكون أمام وضعٍ صعبٍ قد يؤدّي إلى الاستقالة، وتأجيل الانتخابات.
كما لا يمكن التغاضي عن رفض نائب التيار الوطني الحرّ جبران باسيل تقديم موعد الانتخابات، متحجّجاً بالعواصف الرعدية وصيام بعض المسيحيين في هذا التوقيت، ولجوئه إلى الطّعن في القانون، ذلك قد يؤدّي أيضاً الى إرجاء الانتخابات إلى أجل غير مسمّى.