الأحباش في الأردن.. تمدد واسع ومخاوف من نشر المذهب الشيعي والتحول لأداة إيرانية

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/14 الساعة 07:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/14 الساعة 07:28 بتوقيت غرينتش
مدارس الثقافة العربية والإسلامية- اربد

لا يزال الحديث عن جماعة "الأحباش" الدينية في الأردن وتمددها وصعودها يثير العديد من الأسئلة عن حقيقة ذلك بين الفينة والأخرى، فمن هي جماعة الأحباش، وما حقيقة نفوذهم في الأردن؟ وهل يكونون مدخلاً لنشر "التشيع" في الأردن كما يقول البعض؟

بداية، تعرف الجماعة نفسها على أنها وسطية، أشعرية المعتقد، صوفية الميول، لكنها وفي الدروس الخاصة التي تقدمها الجماعة لأعضائها تستحضر كثيراً من الخلافات السياسية بين الصحابة، مثل الخلاف بين الحسين بن علي ومعاوية، ما جعل بعضاً من أعضائها يرتابون من مثل هذا الخطاب واضطروا لمغادرة الجماعة.

استطاعت الجماعة خلال الفترة الأخيرة جذب الفئة المتوسطة داخل المجتمع الأردني ودفعت لهم رواتب عالية في المؤسسات والجمعيات والمدارس التابعة للجماعة، والتي يأتي على رأسها جمعية الثقافة العربية الإسلامية المنتشرة في عمان وإربد والسلط ومدن أخرى وتصل لخمسة فروع، بالإضافة إلى ثلاث مدارس تحت مسمى مدارس الثقافة العربية الإسلامية.

بحسب الصالونات والأروقة المغلقة، فإنّ الجماعة تنشر الفكر "الشيعي" بطريقة "ناعمة" في الأردن، يخشى مراقبون من أن تكون البوابة التي يمكن لإيران الدخول منها لنشر "التشيع السياسي".

بداية الجماعة.. من الحبشة إلى لبنان 

ازداد نشاط الأحباش مع بداية عقد التسعينات، وانتقلت نقلة نوعية عام (1995م) مع تأسيس جمعية الثقافة العربية الإسلامية، حيث بدأ عدد أتباعهم يزداد (يقدّر الآن بالمئات)، وشهدت الساحة الإسلامية صراعًا بينهم وبين السلفية، إلا أنّ الأخيرة ابتعدت عن ساحة الجدال والصراع مع الجماعة بسبب ضغط الأجهزة الرسمية وحمايتها للأحباش، وشعور السلفيين بالخطر مع بقـاء عدد من الدعاة والعلماء السلفيين يكتب عنهم ويحذّر منهم.

أصل جماعة الأحباش كان منشؤها من لبنان والتي أسسها عبد الله الهرري المعروف بالحبشي، بعد أن قدم إلى لبنان من إثيوبيا، وبدأ دعوته عام 1969، والجماعة تنسب نفسها إلى الصوفية الرفاعية. 

ويعود تاريخ الجماعة في الأردن وبدايات انتشارها وتمددها بحسب ما يكشف عنه الباحث والمؤرخ في الحركات الإسلامية الشيخ عوني جدوع العبيدي في حديث خاص لـ"عربي بوست"، في منطقة بيادر وادي السير بالعاصمة الأردنية عمان وتحديداً في عام 1983، حيث يكشف أنّ الجماعة لم تكن تعلن اتجاهاتها وميولها بشكل واضح في بداية الأمر، وكانت بداية معرفته بها عبر تجمع كان ينظمه مجموعة من الشباب اللبنانيين يدعون أنّهم دعاة ومشايخ يقومون بتجميع النساء والفتيات في مكان خاص بمنطقة بيادر وادي السير وتمّ إرسالهم من قبل جمعية المشاريع الخيرية التابعة للأحباش في لبنان، وكانت تلك المجموعة تقوم بإلقاء الأناشيد الدينية وبعدها يتم إلقاء الخطب والدروس التي تعجّ بالآراء الشرعية الشاذة وفيها نزعة من التكفير تفاجأت بطبيعة الطرح التي كانوا يطرحه الأحباش في مجالسهم وتجمعاتهم. 

ويتحدث عن سياق تسرب وانتشار الأحباش في الأردن، وذلك بحسب مسؤول بارز في وزارة الأوقاف ورفض الكشف عن نفسه لـ"عربي بوست"، مؤكداً أنّ الجماعة وصلت ذروة انتشارها في عام 2008 بعد أن كان الكثير من أعضائها يأتون من لبنان ويعلنون استعدادهم لتوفير حالة النقص في الأئمة والخطباء التي تعاني منها مساجد الأردن. 

بدورها عمد "عربي بوست" إلى التقصي أكثر في نفوذ الجماعة في الأردن وتمددها، حيث أكدّ مصدر رسمي آخر أنّ الجماعة لديها مسؤولون نافذون في الحكومة الأردنية، والكثير منهم يتكتم على إظهار ميوله ودعمه للأحباش، مؤكداً أنّ الأحباش استغلوا حالة انتشار الصوفية في الأردن ودعمهم من قبل مسؤولين أردنيين على اعتبار أنّ الجماعة هي ضد توجهات السلفية في الأردن وضد أطروحة "الإسلام السياسي"، وعلى رأسها جماعة "الإخوان" و"حزب التحرير"، وأنّ الدولة تحتاج إلى خطاب مناهض ومناوئ لتلك التيارات، ولم تجد من خيار أمامها إلا الأحباش، نظراً لأنّ الصوفية في الأردن ذات طابع سلمي وتركز على الخطاب الروحاني وتنظيم الزوايا والموالد النبوية، كما أنّ الطرق الصوفية المنتشرة في الأردن لا تعير اهتماماً للمؤثرات والمتغيرات السياسية، ومن هنا فإنّ الدولة الأردنية وجدت ضالتها بتلك الجماعة التي تحمل في طياتها طابعاً سياسياً تتمثل في ردودها المستمرة على جماعة الإخوان وحزب التحرير والسلفية "الوهابية".

كيف وصلت الأردن وتمددت هناك؟ 

عن الجماعة وسر تمددها في الأردن، يتحدث مسؤول بارز في وزارة الأوقاف، رفض الكشف عن نفسه لـ"عربي بوست"، مؤكداً أنّ الجماعة وصلت ذروة انتشارها في عام 2008 بعد أن كان الكثير من أعضائها يأتون من لبنان ويعلنون استعدادهم لتوفير حالة النقص في الأئمة والخطباء التي تعاني منها مساجد الأردن، في ظل أنّ وزارة الأوقاف الأردنية غير قادرة على تعيين مزيد من الأئمة والخطباء الرسميين، رغم أنّها تعاني من نقص ملحوظ في الأئمة والوعاظ والقائمين على خدمتها، بسبب محدودية موازنة الوزارة.

ومن هنا استطاع العديد من رواد جماعة الأحباش، بحسب المصدر المسؤول في وزارة الأوقاف، التسرّب والنفاذ إلى المساجد في الأردن وسط حالة النقص، والعمل متطوعين بدون رواتب، وذلك لأنّ هؤلاء في الأساس يتقاضون رواتب من جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية التابعة للأحباش بلبنان.

البداية كانت في منطقة بيادر وادي السير بالعاصمة الأردنية عمان، وتحديداً في عام 1983، حيث يكشف المصدر ذاته أنّ الجماعة لم تكن تعلن اتجاهاتها وميولها بشكل واضح، إذ كان هناك تجمع من شباب في لبنان يدعون أنّهم دعاة ومشايخ يقومون بتجميع النساء والفتيات في مكان خاص، ويقومون بإلقاء الأناشيد الدينية، وبعدها يتم إلقاء الخطب والدروس التي تعجّ بالآراء الشرعية الشاذة، وفيها نزعة من التكفير.   

تجربة سابقة مع الجماعة

تمكن "عربي بوست" من الوصول إلى شخصية بارزة ممن كان لهم ارتباط مباشر بالجماعة من الداخل، قبل أن تعلن السيدة انسحابها وعدم رغبتها في الاستمرار في العمل معها، بعد أن وصلت إلى منصب مهم ممثلاً في تسلمها لمنصب العلاقات العامة في أحد فروع جمعية الثقافة العربية والإسلامية التابعة للأحباش في الأردن. 

وتشير إلى أنّ جماعة الأحباش تقدم رواتب عالية للعاملين معها في جمعياتها ومدارسها، مضيفة أنّه بعد حصولها على وظيفة "إدارية" في مدارس الثقافة العربية الإسلامية، حصلت على راتب قدره 600 دينار في البداية، وهذا راتب عال مقارنة مع المدارس الخاصة في الأردن، حيث تتراوح الرواتب في المدارس الخاصة بالأردن بين 350-450 ديناراً، إلا أنّ الأحباش في الأردن يدفعون رواتب أعلى لاستقطاب واستمالة العاملين معهم.  

كانت السيدة تبحث عن عمل يناسب مؤهلاتها، فأشارت عليها صديقتها بوجود شواغر في مدارس الثقافة العربية الإسلامية التي تتبع الجماعة، وبالفعل تقدمت بطلب عمل إلى تلك المدارس التي عمدت إلى قبولها فوراً، وهنا بدأت رحلتها مع "أحباش الأردن"، حيث باتت تستمع إلى الدروس والخطب العامة التي تنظمها الجماعة عبر جمعية الثقافة العربية الإسلامية بمدينة إربد شمال الأردن.

وتتحدث عن تجربتها بالقول: "اللافت بالأمر أنّ الأحباش يركزون في خطابهم العام على النساء في القرى والمناطق الريفية من مدينة إربد والرمثا، حيث تعقد الجلسات والدروس في المساجد وبالمناسبات العامة كمجالس العزاء"، مشيرة إلى أنّه اتضح لها من خلال الدروس التي يقدمها الأحباش عبر دعاتها أنّها تقدّم آراء شرعية غريبة، منها مشروعية الزواج بالفتيات القاصرات، وهو مقارب إلى حد كبير من آراء الشيعة.

جماعة سياسية بغلاف ديني

يرى الكثير من الشرعيين والباحثين في شؤون الجماعات والمذاهب الإسلامية أنّ جماعة الأحباش يجب النظر لها بمنظور سياسي،  ومن هي الجهات التي تقف وراء انتشار هذه الجماعة وما غايات تكوينها، وهذا ما يذهب إليه الباحث والمفكر في التيارات الإسلامية ثابت الخواجا، مؤكداً في حديث خاص لـ"عربي بوست" أنّ المنظور السياسي هو الأدقّ في التعامل مع الجماعة، لأنّها ليست لديها علوم شرعية حقيقية، فهي أبعد الناس عن المبدأ الشرعي، وأقطابها ورموزها يتصيدون الأحكام الشرعية الشاذة ويحاولون الزجّ بها على أنّها أحكام شرعية.

ويوضح الخواجا أنّ مؤلفات وكتب الأحباش لا تدلّ على أنّ لديهم علوماً شرعية، فهم بعيدون عن العلم الشرعي وأحكامهم شاذة، وكثير من الآراء التي يذكرونها في كتبهم ومجالسهم هي كذب وتلفيق حتى على العلماء المغمورين في المذاهب.

ويؤكدّ الخواجا أنّ هذه الجماعة نمت وترعرعت في لبنان في ظل النظام السوري عندما دخل لبنان، واستطاع الأحباش الاستيلاء على جمعية المشاريع الخيرية التي كان يرأسها أحمد العجوز، منوهاً بأنّ ابنة هذا الأخير كانت من الجماعة، واستطاعوا اختراق الجمعية التي بلغ رأس مالها مليار دولار حالياً، ولذلك فإن الدعم الذي يأتي لجماعة الأحباش في الأردن وغيرها يأتي من جمعية المشاريع الخيرية في لبنان، التي تغطي جميع مصاريف الجماعة بدعم سياسي من الطبقة السياسية في لبنان.

ويشير الخواجا إلى أنّ نزار الحلبي، وهو أحد شيوخ الدين المعروفين في لبنان، وعرف عنه كونه أشعري العقيدة وأحد أبرز تلاميذ الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي، وهو من أشهر  وأبرز الوجوه البارزة في جماعة الأحباش، وقد اغتيل في لبنان، لكن السلطات السورية واللبنانية استطاعت الوصول إلى القتلة وإعدامهم خلال ثلاثة أشهر، رغم أنّ مفتي لبنان حسن خالد تمّ اغتياله ولم يتم العثور على قتلته حتى الآن، وهذا ما يفسره الخواجا بالقول: "لأنّ نزار حلبي كان يعدّ ليكون خلفاً لحسن خالد مفتي لبنان، ولذلك فهذه الجماعة جماعة سياسية بامتياز وليست جماعة دينية، وتسعى لضرب الإسلام من الداخل". 

خوف من التلاعب 

كما يوضح الخواجا أنّ هناك تلاعباً في كتب ومؤلفات رمزهم الأكبر عبدالله الهرري الملقب بـ"الحبشي" الذي توفي منذ 13 عاماً، مؤكداً أنّ كثيراً من مؤلفاته بعد وفاته طبعت عدة طبعات، والكتاب كان يضاف إليه 100 و200 صفحة، ولم تتم الإشارة إلى الإضافات والزيادات في الكتب، وهل هي من تأليف الهرري أو من تأليف الأشخاص الذين جاؤوا وحققوا كتبه من بعده، مضيفاً أنّ كتبهم تحتوي على أكثر من مؤلف، وهذا يتمثل في أنّ الحكم الشرعي في قضية معينة يتنوع ويتكرر، مما يدل على أنّ المؤلف ليس واحداً.

ومن هنا، فإنّ الخواجا يشدد على أنّ هناك أيادي خفية تقف وراء إنشاء ودعم الجماعة، معتبراً أنّه مؤسس جماعة الأحباش وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، ويضيف أن عبد الله الهرريّ لو كان به خير لبقي في بلده في إثيوبيا وعمل هناك وكانت دعوته أفضل في تلك البلاد، لكن دائماً يتم استجلاب شخصيات غريبة ودخيلة ينسبون لمدن وبلاد ويكونون مجهولي الحسب والنسب حتى لا يبحث الناس في أصولهم وأصولهم خوفاً من التشكيك فيهم.

ويكشف الخواجا وجود أيدٍ خفية تمنع أي باحث من البحث في هذه الجماعة، فحتى هذه اللحظة لم يقم أحد من طلاب كليات الشريعة والدراسات الإسلامية في الجامعات الأردنية بأي دراسة عن الأحباش، على الرغم من بحثهم في الجماعات والمذاهب الإسلامية الأخرى، مشدداً على أنّ هناك رجالاً نافذين للجماعة في الدولة، وعلى رأسهم وزير أوقاف سابق، وهو الذي مكّن لهذه الجماعة في المساجد.

تحميل المزيد