أعلنت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، مساء الإثنين 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، تصدُّر "الكتلة الصدرية" بزعامة مقتدى الصدر (شيعي)، نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي أُجريت الأحد، وتلتها كتلة رئيس البرلمان المنحل، محمد الحلبوسي (سُني)، فيما تعهد مقتدى الصدر بتشكيل حكومة بعيدة عن التدخل الأجنبي.
حيث قال رئيس مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات، جليل خلف، خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة بغداد، إن المفوضية أعلنت النتائج الرسمية الأولية في جميع المحافظات.
فيما نشرت المفوضية أسماء الفائزين على موقعها الإلكتروني، من دون الإشارة إلى الكتل السياسية التي ينتمون إليها.
إلا أنه استناداً إلى أسماء الفائزين، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية أن "الكتلة الصدرية" تصدَّرت النتائج بـ73 مقعداً من أصل 329، فيما حصلت كتلة "تقدم"، بزعامة محمد الحلبوسي، على 38 مقعداً، وفي المرتبة الثالثة حلَّت كتلة "دولة القانون"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي (2006-2014)، بـ37 مقعداً.
في حين تصدَّر الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، النتائج الرسمية الأولية في مناطق إقليم كردستان شمالي البلاد.
يشار إلى أنه تنافس 3249 مرشحاً، يمثلون 21 تحالفاً و109 أحزاب بجانب مستقلين، في الانتخابات التي أُجريت قبل موعدها المقرر بعد أن أطاحت احتجاجات شعبية، بدأت مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019، بالحكومة السابقة، برئاسة عادل عبد المهدي، أواخر ذلك العام.
كانت المفوضية العليا للانتخابات قد قالت إن نسبة المشاركة في التصويت بلغت 41%، بحسب النتائج الأولية، مضيفة أن احتساب هذه النسبة جاء من بين من يملكون البطاقة الانتخابية الذكية، والبالغ عددهم 22 مليون شخص وليس من العدد الإجمالي لمن يحق لهم التصويت.
بحسب المفوضية، بلغ عدد المشاركين في الانتخابات 9 ملايين ناخب علماً بأن عدد من يحق لهم التصويت يبلغ نحو 25 مليون.
تعد نسبة المشاركة هذه الأدنى في البلاد منذ عام 2005 الذي شهد أول انتخابات تشريعية في العراق بعد الاحتلال الأميركي له عام 2003.
يذكر أن نسبة الإقبال في انتخابات عام 2018 بلغت 44.5% وفقاً للأرقام الرسمية.
النتائج النهائية بعد أسبوعين
من المقرر إعلان النتائج الرسمية النهائية بعد أسبوعين، حيث تبدأ المفوضية استقبال الشكاوى الخاصة بالنتائج الأولية بداية من الثلاثاء 12 أكتوبر/تشرين الأول، لمدة ثلاثة أيام، على أن يتم حسمها خلال 10 أيام، ثم إعلان النتائج النهائية، بحسب خلف.
كما أشار رئيس مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات إلى أن المفوضية استقبلت 94 شكوى بخصوص عملية الاقتراع، ولا توجد بينها أي "شكوى حمراء"، أي تتعلق بمخالفات جسيمة، مثل التزوير أو التلاعب.
يُذكر أنه يجب تكوين ائتلاف بين فائزين لتشكيل الحكومة، إذ يتطلب الأمر جمع 165 نائباً (النصف زائد واحد).
يسعى التيار الصدري للحصول على منصب رئيس الوزراء في الدورة البرلمانية المقبلة، وفق تصريحات سابقة لزعيمه الصدر.
كان تحالف مقتدى الصدر "سائرون" قد تصدَّر أيضاً الانتخابات الأخيرة عام 2018، لكن بحصده 54 مقعداً، وتلاه ائتلاف "الفتح"، بزعامة هادي العامري بـ48، ثم ائتلاف "النصر"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي (2014-2018) بـ42 مقعداً.
آنذاك، لم يتمكن تحالف "سائرون" من تكوين ائتلاف يسمح له بتشكيل الحكومة، فتم تشكيلها بين كل الكتل الفائزة، وجرى توزيع المناصب على المكونات الرئيسية، وفق المبدأ المتعارف عليه بالمحاصصة.
"حكومة بعيدة عن التدخل الأجنبي"
من جهته، بث الصدر كلمة على الهواء في التلفزيون الرسمي أعلن فيها الفوز، وتعهد بتشكيل حكومة وطنية بعيدة عن التدخل الأجنبي.
الصدر أضاف: "نرحب بكل السفارات التي لا تتدخل في شؤون العراق الداخلية"، مشيراً إلى أن الاحتفالات ستُقام في الشوارع "بدون سلاح".
كذلك تعهد بمحاربة الفساد، قائلاً: "لا مكان للفساد والفاسدين في العراق بعد اليوم، وسنزيح الفساد بدمائنا إن اقتضت الضرورة، فهلموا إلى ورقة إصلاحية لا تقاسم فيها للسلطة على مصالح الشعب".
في حين بعث الصدر برسالة اطمئنان إلى السفارة الأمريكية في العاصمة بغداد، التي تعرضت لهجمات صاروخية مكررة طيلة شهور، بقوله: "كل السفارات مرحب بها ما لم تتدخل في الشأن العراقي وتشكيل الحكومة".
إلا أنه حذّر من أن "أي تدخل سيكون لنا رد دبلوماسي عليه، وربما شعبي؛ فالعراق للعراقيين فقط ولن نسمح بالتدخل على الإطلاق"، مشدّداً على أنه "يجب حصر السلاح بيد الدولة ويُمنع استعمال السلاح خارج هذا النطاق، فقد آن للشعب أن يعيش بسلام، بلا احتلال أو إرهاب".
يشار إلى أن رجل الدين الشيعي، الذي يصعب التكهن بأفعاله، أصبح شخصية بارزة وحتى مرجِّحة لكفة دون الأخرى في المشهد السياسي العراقي منذ الغزو الأمريكي.
فيما يعارض الصدر كل أشكال التدخل الأجنبي في العراق سواء من الولايات المتحدة التي حارب ضدها بعد الغزو أو من إيران المجاورة التي ينتقدها؛ لمشاركتها الوثيقة في صنع السياسات العراقية.
لكن الصدر، وفقاً لمسؤولين مقربين منه، يزور إيران بشكل متكرر، ودعا إلى انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وهي قواتٌ قوامها حالياً 2500 جندي موجودة لقتال تنظيم "داعش".
احتجاجات 2019
يشار إلى أن العراق أصبح أكثر أمناً الآن عما كان عليه منذ أعوام، كما بات العنف الطائفي أقل وضوحاً منذ القضاء على تنظيم "داعش" بمساعدة تحالف عسكري دولي وإيران.
لكن الفساد وسوء الإدارة المتفشيَين تركا كثيراً من سكان البلد بلا عمل، فضلاً عن نقص الرعاية الصحية والتعليم والكهرباء.
على أثر ذلك، نددت احتجاجات العراق التي استمرت أكثر من سنة، بالطبقة السياسية المتنفذة المتهمة بالفساد والتبعية للخارج، وطالبت بإصلاحات سياسية، بدءاً من إلغاء نظام المحاصصة القائم على توزيع المناصب بين المكونات الرئيسية، وهي الشيعة والسُّنة والأكراد.
لكنّ مراقبين رجحوا أن نتائج هذه الانتخابات لن تُحدث تغييراً كبيراً في الخارطة السياسية القائمة بالبلاد، حيث إنه من غير المتوقع أن تسفر النتائج عن تغيير جذري في توازن القوى بالعراق ولا في المنطقة بشكل عام.
في حين تعرَّض عشرات الناشطين المعارضين للأحزاب الأكثر رسوخاً للتهديد والقتل منذ احتجاجات 2019؛ وهو ما أدى إلى عزوف كثير من الإصلاحيين عن المشاركة في الانتخابات.
يأتي ذلك في الوقت الذي يتهم فيه مسؤولون عراقيون جماعات مسلحة لها صلة بإيران بالمسؤولية عن عمليات القتل، وهو ما تنفيه هذه الجماعات.
جدير بالذكر أن العراق أجرى انتخابات برلمانية خمس مرات منذ سقوط صدام حسين. وقال عراقيون كثيرون إن حياتهم اليومية لم تشهد أي تحسن؛ فلاتزال قطاعات كبيرة من البنية التحتية في حالة سيئة، كما أن خدمات الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية- لاسيما الكهرباء- لا تغطي الاحتياجات.