على مدار الأسابيع الأخيرة حظي ملف "صفقة الأسرى" بين حماس وإسرائيل باهتمام سياسي وإعلامي على مستوى وسائل الإعلام الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء، في ضوء الزيارة التي يجريها أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس للقاهرة؛ في محاولة لطي هذا الملف المتوقف منذ عام 2014.
وكان زاهر جبارين، عضو المكتب السياسي لحركة حماس ومسؤول ملف الأسرى بالحركة، قد كشف في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، أن حماس قدمت إطاراً (تصوراً) جديداً بشأن إبرام صفقة تبادل مع إسرائيل، ولكنها لم تتلقَّ رداً إيجابياً على العرض الذي قدمته من قبلُ لإسرائيل.
تباين في المواقف
في سياق ذلك كشف مصدر بحركة حماس مطلع على لقاءات القاهرة، لـ"عربي بوست"، أن "الفجوة لاتزال كبيرة مع دولة الاحتلال رغم جهود الوساطات التي تقودها المخابرات المصرية، حيث تريد إسرائيل إبرام صفقة بدون أي ثمن سياسي، عبر التلويح بخيار إعادة فرض الحصار على قطاع غزة ووقف عملية الإعمار وإدخال المنحة القطرية، ولكن موقف الحركة لايزال ثابتاً بأن لا صفقة دون خروج الأسرى من السجون الإسرائيلية".
وأضاف: "أكدت الحركة للوسيط المصري جديتها في بدء مسار المفاوضات غير المباشرة للوصول لنقطة اتفاق، ولكن الرؤية الإسرائيلية لاتزال بعيدة للقبول بها من قبل الحركة، حيث ترفض إسرائيل من حيث المبدأ التفاوض حول الأسرى المحكومين بالمؤبدات، بذريعة أن الإفراج عنهم من شأنه أن يقوض الأمن القومي الإسرائيلي، لذلك نأمل أن تشهد في الفترة القادمة دوراً أكبر، من قبل الأطراف ذات العلاقة لطي هذا الملف".
تصر حماس على أنها تحتفظ بـ4 أسرى إسرائيليين لديها، هم الجنديان آرون شاؤول، وهدار غولدن، استطاعت كتائب القسام الذراع العسكرية لـ"حماس" أَسرهم خلال حرب غزة صيف عام 2014، إضافة إلى أسيرين آخرين وهما أفيرا منغستو وهو يهودي إثيوبي، وهشام السيد وهو يهودي من أصول عربية، وكلاهما دخل قطاع غزة عن طريق الخطأ في عام 2014 و2015 توالياً.
ترفض حماس تقديم أي معلومات حول مصير الأسرى لديها، خصوصاً الجنديين شاؤول وغولدن؛ لكونهما من أبناء مؤسسة الجيش الإسرائيلي وهما الأكثر أهمية بالنسبة لدولة الاحتلال، في حين تدعي إسرائيل أن الجندي آرون قد لقي حتفه في الحرب، وبذلك ليس هنالك ما يلزمها بإبرام صفقة مع حماس بالثمن الباهظ الذي تطالب به الحركة.
حماس ومحددات الصفقة
وضعت حركة حماس مجموعة من المحددات كشرط لإبرام أي صفقة قادمة مع إسرائيل، تتضمن إفراج إسرائيل عن الأسرى المعاد اعتقالهم من صفقة وفاء الأحرار التي أبرمت في عام 2011، مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط والتي بموجبها أفرجت إسرائيل عن 1027 أسيراً، حيث أعادت إسرائيل اعتقال 50 منهم خلال السنوات القليلة الماضية.
كما تطالب الحركة بأن تتضمن صفقة التبادل إفراج إسرائيل عن النساء الأسيرات في المعتقلات والبالغ عددهن 43 أسيرة، والأطفال دون 18 عاماً والبالغ عددهم 225 طفلاً، باعتبارهم ضمن الحالات الإنسانية، إضافة لأسرى الدول العربية البالغ عددهم 19 أسيراً جُلهم من الأردن، والإفراج عن عمداء الأسرى، وهو مصطلح يطلق على المعتقلين الذين مضى على اعتقالهم أكثر من 20 عاماً ويبلغ عددهم 51 أسيراً، أما المحدد الأخير الذي وضعته الحركة ضمن أجندة أي صفقة قادمة، فهو الإفراج عن الأسرى الستة الفارين من سجن "جلبوع" الذين أعيد اعتقالهم الشهر الماضي.
قائمة (VIP)
تواجه مفاوضات الصفقة تحدياً بالاشتراط الأكثر تعقيداً في هذه المفاوضات، وهو ما يُعرف بقائمة (VIP)، إذ تصر حماس على أن لا صفقة نهائية دون إفراج إسرائيل عن قادة الجهاز العسكري المعتقلين لديها، وينشر الموقع الرسمي لكتائب القسام قائمة بأسماء قادة الجهاز العسكري المعتقلين، أبرزهم عبد الله البرغوثي، حسن سلامة، عباس السيد، إبراهيم حامد، عبد الناصر عيسى، أيمن سدر، جمال أبو الهيجا.
يعد هؤلاء الأسرى بالنسبة لإسرائيل خطاً أحمر لا يمكن التفاوض حولهم، فعلى سبيل المثال يعتبر إبراهيم حامد، القائد السابق لكتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة الغربية، والذي يقضي حكماً بالسجن لـ54 مؤبداً (5400 سنة)، يعتبر ملفه الأمني هو الأضخم في تاريخ إسرائيل بتهم وجهت إليه في المحكمة تزيد على 11 ألف صفحة.
حسن سلامة الذي قاد عمليات الثأر المقدس رداً على اغتيال المهندس يحيى عياش، يقضي حكماً بالسجن لـ48 عاماً وتتهمه إسرائيل بتجنيد 3 استشهاديين أوقعوا أكثر من 48 قتيلاً في صفوف الإسرائيليين.
عبد الله البرغوثي يعد صاحب أعلى حكم في التاريخ بـ67 مؤبداً، تتهمه إسرائيل بالإشراف المباشر على قتل 66 إسرائيلياً في فترة انتفاضة الأقصى.
جمال أبو الهيجاء تتهمه إسرائيل بأنه قائد كتائب القسام في مدينة جنين، وأحد من شاركوا في التصدي لعمليات السور الواقي في العام 2002، ويقضي حكماً بالسجن بـ9 مؤبدات وعشرين عاماً.
عباس السيد، تتهمه إسرائيل بالمسؤولية عن قتل 48 إسرائيلياً عبر تجنيده لمقاومين لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، وهو محكوم بـ36 مؤبداً و200 عام.
قادة الفصائل
لعل المتغير اللافت الذي شهده ملف الصفقة هو طرح حماس لاسم مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية بحركة فتح وزعيم القطب الثاني في الحركة المناوئ للرئيس محمود عباس، كأحد الأسماء التي قد تشملها صفقة التبادل القادمة، وهو ما لمح إليه رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في لقائه بفدوى البرغوثي زوجة مروان قبل أشهر من الآن، حيث أكد هنية أن موضوع تحرير الأسرى وقادة النضال الوطني على رأس أولويات الحركة.
إضافة إلى اسم البرغوثي المعتقل منذ العام 2002 يُطرح بقوةٍ اسم الأسير أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، المعتقل منذ عام 2006، كأحد الأسماء التي تطالب حماس بإدراجها ضمن صفقة التبادل.
يحيى موسى، القيادي في حركة حماس، قال لـ"عربي بوست"، إن "ملف الصفقة على رأس أولويات الحركة التي تسعى بكافة الطرق لتبيض السجون من الأسرى سواء من الحالات الإنسانية كالنساء والأطفال وأبناء الحركة وجهازها العسكري أو قادة العمل الوطني من الفصائل الأخرى، ولكن بقاء هذا الملف دون إحراز أي تقدم، يعود للتعنت الإسرائيلي الذي يريد إبرام صفقة دون أي ثمن سياسي، لذلك نقلت الحركة رسائلها للوسطاء بأن لا معلومة مجانية ستمنح لدولة الاحتلال حول مصير الأسرى، نحن ندرك أن معركتنا طويلة ونحن نتحلى بالصبر للخروج بصفقة مشرفة".
أوراق ضغط
تحاول حماس توظيف مجموعة من عناصر الضغط على إسرائيل؛ لإجبارها على القبول بصفقة الأسرى ضمن شروطها، أبرزها ممارسة حرب إعلامية موجهة للجمهور الإسرائيلي لممارسة ضغط أكبر على حكومة بينيت للقبول بالصفقة، والعنصر الأبرز في هذه المعركة هو عائلات الجنود الذين يقومون بسلسلة فعاليات على مدار العام؛ لإجبار الحكومة على القبول بالصفقة.
العامل الثاني الذي تعول عليه حماس لإبرام الصفقة، مرتبط بانتهاء فترة حكومة نتنياهو الذي رفض أن يسجل في تاريخه إبرام صفقتين للأسرى مع حماس خلال ولايته، إضافة لذلك تسعى حماس لاستثمار وجود بيني غانتس على رأس مؤسسة الدفاع للإسراع بطي هذا الملف، باعتبار غانتس كان رئيساً للأركان إبان أسر الجنديين آرون شاؤول، وهدار غولدن، وهو ما يفرض عليه التزاماً أخلاقياً بإعادة جنود الجيش.
في المقابل يقف في طريق إتمام الصفقة بعض المعيقات، فعلى المستوى السياسي تتبنى حكومة بينيت اليمينية موقفاً متشدداً في التعامل مع المقاومة الفلسطينية باعتبارها تنظيمات إرهابية، كما أن هشاشة الائتلاف الحكومي الحالي قد يستغلها زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو لإسقاط حكومة بينيت باعتباره رضخ لمطالب حماس عبر تجييش الشارع ضده.
تحفظات أمنية
على المستوى الأمني والاستخباراتي، ترى إسرائيل أن اشتراطات حماس لا يمكن القبول بها خصوصاً ما يتعلق بالإفراج عن أسرى تصفهم إسرائيل بالخطيرين، فعقب صفقة التبادل في العام 2011، تقلد الأسرى المفرج عنهم مواقع متقدمة في العمل السياسي والعسكري، فغالبية أعضاء المكتب السياسي لـ"حماس" هم من أسرى صفقة شاليط وأبرزهم يحيى السنوار وروحي مشتهى وحسام بدران وصالح العاروري.
كما تخشى إسرائيل من أن يكون الإفراج عن الأسرى الخطيرين، مقدمة لعودتهم لممارسة نشاطهم العسكري ضد إسرائيل، ومن أمثلة ذلك ادعاء إسرائيل أن الأسير مازن فقهاء من طوباس مسقط رأسه والمبعد إلى غزة، والذي اغتيل في مارس/آذار 2017، اتهمته إسرائيل آنذاك بالمسؤولية عن تجنيد خلايا مسلحة في الضفة الغربية لضرب أهداف إسرائيلية.
إبراهيم حبيب، الخبير المختص في الشؤون الأمنية، قال لـ"عربي بوست"، إن "التلكؤ الإسرائيلي في ملف الصفقة مرتبط بالمحاذير الأمنية من جهازي الشاباك والجيش، فإسرائيل لم تنسَ الوقت الكبير الذي استغرقته قوات الجيش لاعتقال هؤلاء الأسرى، فبعض المطاردات استغرقت أكثر من عشر سنوات، وفي حال عاد الأسرى للانتقام تكون إسرائيل كمن يطلق النار على قدميه، لذلك هي تسعى لربط الصفقة بإحداث انفراجة في الأوضاع الاقتصادية بغزة، وهذا الخيار يبدو مستبعداً ما لم يتضمن الإفراج عن عدد كبير من الأسرى".
وأضاف المتحدث: "التحدي الأبرز الذي يواجه الحكومة الإسرائيلية في هذه المرحلة هو تنامي حالة القلق في صفوف الجيش من أن الدولة تتخلى عن جنودها، وهو أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الدافعية للقتال في صفوف الجيش، لذلك يشكل هذا العامل عنصر قوة بيد حركة حماس في معركة المفاوضات الجارية والتي تسير ببطء شديد".