بدأ العد التنازلي للانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة، والتي سيتم إجراؤها يوم الأحد 10 أكتوبر/تشرين الأول، تأتي هذه الانتخابات التي كان من المفترض إجراؤها في شهر أبريل/نيسان 2022، في وقت تشهد فيه الساحة السياسية العراقية الكثير من التوتر، بعد الاحتجاجات الهائلة المناهضة للحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ولكن من أهم الفصائل والتحالفات السياسية المتنافسة في هذه الانتخابات؟
يحق لحوالي 24 مليون عراقي التصويت في انتخابات يوم الأحد المقبل، وبينما تجري الدعاية الانتخابية والاجتماعات السياسية على قدم وساق في 18 محافظة عراقية، هناك من يدعو إلى مقاطعة هذه الانتخابات التي يتوقع أن يسيطر عليها المال السياسي والسلاح المنفلت للفصائل المسلحة العراقية.
كما أن هناك مخاوف من التلاعب والتزوير بنتائج التصويت كما حدث في الانتخابات البرلمانية لعام 2018، فقبيل إجراء الانتخابات بأسبوع واحد، وفي ذكرى اندلاع احتجاجات تشرين، كما يطلق عليها العراقيون، نزل المئات من المتظاهرين إلى الساحات العامة في العاصمة العراقية بغداد، منددين بالنخب السياسية المتنافسة في الانتخابات الحالية، رافعين لافتات المتظاهرين والنشطاء الذين تم استهدافهم خلال الاحتجاجات في عام 2019 وما بعده.
تأتي الانتخابات البرلمانية المبكرة وسط أجواء تشاؤمية، فالعراق يمر بأزمة اقتصادية نتيجة انخفاض أسعار النفط، وانتشار فيروس كورونا، مما يزيد التوقعات بانخفاض نسبة الإقبال على التصويت، ففي عام 2018، أي بعد عام واحد من إعلان الحكومة العراقية الانتصار في قتال تنظيم الدولة الإسلامية الذي اجتاح البلاد صيف عام 2014، ذهب العراقيون إلى صناديق الاقتراع، للتصويت على حكومتهم الرابعة بعد الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003.
وعلى الرغم من الانتصار والتفاؤل في انتخابات عام 2018، إلا أن الانتخابات البرلمانية حينها اتسمت بانخفاض نسب التصويت، فقد أعلنت الحكومة أن نسب الإقبال الانتخابي في انتخابات 2018 وصلت إلى 44.5%، لكن مصادر في اللجنة العليا للانتخابات العراقية، كانت قد تحدثت لـ"عربي بوست"، ونفت هذه النسب، قائلة إنها أقل بكثير وتكاد تصل إلى 22%.
تشكيل الحكومة في عراق ما بعد 2003
لفهم كيفية عمل البرلمان العراقي المنتخب في تشكيل الحكومة، يجب المرور سريعاً على كيفية تشكيل الحكومة العراقية، في السنوات التي تلت الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.
بموجب الدستور العراقي الجديد المعد في عام 2005، يحق للائتلاف أو التحالف الانتخابي الذي يمكنه حصد 165 مقعداً من مقاعد البرلمان البالغ عددها 329 مقعداً في البرلمان تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الوزراء، لكن منذ إقرار القانون لم يتمكن أي حزب أو تحالف سياسي من الفوز بهذا العدد الكبير من المقاعد بمفرده، لذلك كان من الضروري دائماً عقد التحالفات الجديدة داخل البرلمان لتشكيل ما يسمى بـ"الكتلة البرلمانية الكبرى"، لتشكيل الحكومة.
بعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية، ووفقاً للمادة 55 من الدستور العراقي، على البرلمان الجديد أن ينتخب في جلسته الأولى رئيساً جديداً للبرلمان، ثم نائبه الأول والثاني بالأغلبية المطلقة في اقتراع سري، وقد تم تخصيص منصب رئيس البرلمان للطائفة السنية العراقية.
وبعد تحديد أكبر كتلة برلمانية وتعيين رئيس البرلمان ونوابه، تكون المهمة القادمة للبرلمان العراقي هي اختيار رئيس الجمهورية، والذي يتم منحه للمكون الكردي، ووفقاً للمادة 70 من الدستور العراقي ينتخب البرلمان رئيس الجمهورية من بين المرشحين الأكراد بالأغلبية. ثم تأتي مهمة اختيار رئيس الوزراء وهو المنصب الممنوح للمكون الشيعي منذ عام 2005، وبعد التوصل إلى تسمية رئيس الوزراء، تأتي مهمة تشكيل الحكومة تصويت البرلمان على منح الثقة لأعضائها.
الأحزاب والفصائل الشيعية المتنافسة
لا تزال لدى الأحزاب الشيعية الكبرى التي حكمت البلاد على مدى العقدين الماضيين والتى رفضتها حركة الاحتجاجات الكبرى في أكتوبر 2019، فرصة كبيرة للفوز في الانتخابات القادمة، نظراً لقدراتها المالية الهائلة، وامتلاكها الكثير من وسائل الدعاية والإعلام، بجانب دعم الفصائل المسلحة للبعض منها، بجانب نفوذها السياسي في المؤسسات الحكومية، لذلك من غير المتوقع الإطاحة بهذه الأحزاب من خلال هذه الانتخابات.
ما أهم الجماعات السياسية الشيعية في هذه الانتخابات:
التيار الصدري:
ينافس رجل الدين الشيعي البارز والسياسي العراقي، مقتدى الصدر، في الانتخابات البرلمانية من خلال تحالف "سائرون"، وقد حصل هذا التحالف في الانتخابات التشريعية لعام 2018 على 54 مقعداً، مما منحه فرصة تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء السابق حينها.
يتمتع مقتدى الصدر، والائتلاف الانتخابي "سائرون" بالكثير من المميزات، فلديه الكثير من الأتباع، يقدر عددهم بحوالي 6 ملايين شخص، خاصة في المناطق الشيعية الفقيرة في العراق، ويمتلك واحداً من أكبر الفصائل المسلحة الشيعية في البلاد، وهو فصيل سرايا السلام. كما يسيطر ائتلافه على العديد من المناصب الحكومية العليا.
في الأشهر القليلة الماضية، قرر فجأة رجل الدين الشيعي، الانسحاب من الانتخابات البرلمانية، بعد حادثة احتراق مستشفى الحسين الجامعي في مدينة الناصرية الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، ونظراً لأن وزارة الصحة تقع تحت سيطرة التيار الصدري، انتهز خصومه الحادثة لاتهامه بالفساد، في محاولة لتهديد شعبيته قبل الانتخابات البرلمانية.
يقول أحد المسؤولين في التيار الصدري، لـ"عربي بوست": "هذه الحادثة كانت مجرد معركة من خصوم التيار للضغط علينا للانسحاب من الانتخابات، حينها ستكون فرصتهم أكبر في الفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان".
تجدر الإشارة إلى أن أكبر خصوم التيار الصدري، هو رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، والذي يقود تحالف ائتلاف دولة القانون في الانتخابات البرلمانية. انسحاب الصدر من الانتخابات البرلمانية كان يُعتبر فرصة كبيرة للمالكي لعودته بقوة إلى الساحة السياسية، خاصة أنه كان يخطط لتولي منصب رئاسة الوزراء مرة أخرى، بحسب مصدر مقرب من المالكي تحدث لـ"عربي بوست".
لكن في نفس الوقت، خشي خصوم مقتدى الصدر، من أمر انسحابه، وما يمكن أن ينتج عنه من صراع مسلح، بين الأحزاب الشيعية. يقول مصدر مقرب من نوري المالكي لـ"عربي بوست": "انسحاب الصدر كان سيؤمن لخصومه الشيعة الحصول على العديد من المقاعد المخصصة للدائرة التي يسيطر عليها ولا يجرؤ أحد على التنافس فيها لسنوات، لكن في نفس الوقت، كانت هناك مخاوف عديدة من اندلاع مواجهة مسلحة مع أنصار الصدر، إذا جرت الأمور كما كان مخططاً لها".
بعد أسابيع من إعلان انسحابه من الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر 2021، قام مقتدى الصدر، المعروف بمزاجه المتقلب في الساحة السياسية العراقية، بالعدول عن قرار انسحابه، والعودة مجدداً للمشاركة في الانتخابات البرلمانية.
بعد قرار العودة للمشاركة في الانتخابات، ظهر المسؤولون في التيار الصدري في الكثير من البرامج التلفزيونية وبدأوا في الدعاية إلى نية التيار الصدري في الحصول على أكثر من 100 مقعد في البرلمان الجديد. الجدير بالذكر أنه إذا تحقق هذا الأمر، فسيكون التيار الصدري هو الائتلاف الوحيد داخل البرلمان الذي يحق له اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة، دون الحاجة إلى عقد تحالفات جديدة مع أحزاب أخرى داخل البرلمان العراقي.
يتوقع الكثير من المحللين والمراقبين داخل العراق، أن يفوز التيار الصدري بأغلبية المقاعد البرلمانية، خاصة في ظل قانون الانتخابات العراقي الجديد، والذى تم إصداره في عام 2020، تنفيذاً لمطالب المحتجين "حركة تشرين". أهم ما يميز القانون الانتخابي الجديد، هو تقسيم العراق إلى دوائر انتخابية عديدة وصغيرة يصل عددها إلى 83 دائرة انتخابية، ويعطي المرشحين المستقلين فرصة أكبر للتنافس بدلاً من التصويت على قوائم الأحزاب.
يقول مسؤول حكومي عراقي لـ"عربي بوست": "التيار الصدري هو الوحيد الذي لديه القدرة على المنافسة في ظل قانون الانتخابات الجديد، والمنافسة في الدوائر الانتخابية الأصغر؛ لذلك فإن فرص سيطرته على الانتخابات أكبر".
قام "عربي بوست" بتتبع ورصد الحملات الانتخابية للتيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، ففي الأشهر القليلة الماضية، وبالرغم من إعلان الصدر مقاطعة الانتخابات، إلا أن التيار الصدري قام بإطلاق تطبيق إلكتروني للهواتف المحمولة باسم "التيار"، هدفه تقديم بعض الخدمات العامة لأنصار الصدر. وفي نفس الوقت الحصول على أرقام هواتف كل من قام بتحميل هذا التطبيق.
كما قام المسؤولون في التيار الصدري بإطلاق مشروع أطلق عليه اسم "البنيان المرصوص"، وكان الهدف الرئيسي للمشروع هو تسجيل جميع أنصار الصدر في مختلف المدن العراقية، من أجل تلقى الدعم المالي والاجتماعي، وحصول الشباب على فرص للتدريب المهني، والوظائف في القطاعين العام والخاص.
يقول مصدر مقرب من صالح محمد العراقي، الذراع اليمنى لمقتدى الصدر: "البنيان المرصوص، مشروع هام بالنسبة لأنصار التيار، نحن نعمل على توفير التكافل الاجتماعي للعراقيين، وفي نفس الوقت جمع بيانات الناخبين الذين يدعمون التيار".
في هذا الصدد، يقول مسؤول حكومي عراقي لـ"عربي بوست": "نجح التيار الصدري من خلال مشروع البنيان المرصوص، في بناء نظام ذاتي يقدم المساعدات المالية لأنصاره من ناحية، ومن ناحية أخرى يكون هذا النظام قادراً على الدعاية بشكل مركز للتيار في جميع الدوائر الانتخابية خاصة بعد قانون الانتخاب الجديد".
وبحسب المصدر الحكومي العراقي، فإنه من المتوقع بشكل كبير سيطرة تحالف "سائرون" التابع للتيار الصدري على الانتخابات التشريعية المقبلة، فيقول: "أهم ما يميز التيار الصدري هو القدرة الهائلة على التنظيم، فهناك 100 مرشح تابعون للتيار موزعون توزيعاً جيداً على عموم المحافظات والمدن".
علم "عربي بوست"، من مصادر مقربة من التيار الصدري، أن زعيم التيار، مقتدى الصدر، في اجتماع مع المسؤولين والمرشحين في التيار، خلال اليوميين الماضيين، قد حدد أربعة أسماء تنتمي للتيار الصدري لرئاسة الحكومة المقبلة، لكن المفاجأة أن هذه الأسماء ضمت اسم رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي. يقول مصدر مقرب من التيار الصدري، لـ"عربي بوست": "الكاظمي يحظى بدعم السيد الصدر، ومن المؤكد في حال فوز ائتلاف سائرون بالكتلة البرلمانية الكبرى، سيتم اختيار الكاظمي لولاية ثانية".
في نفس السياق، قال مصدر مقرب من الكاظمي لـ"عربي بوست": "السيد الكاظمي يميل للتحالف مع مقتدى الصدر، في مواجهة الفصائل والأحزاب الشيعية الأخرى الموالية لإيران، والصدر يرحب بهذا التحالف".
ائتلاف دولة القانون
يعتبر ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي والتابع لحزب الدعوة الإسلامي، واحداً من أهم الجماعات السياسية الشيعية التي تتنافس على السلطة في العراق، في الانتخابات البرلمانية لعام 2018، فاز الائتلاف بـ25 مقعداً في البرلمان.
وفي الانتخابات الحالية، يحاول نوري المالكي، اقتناص عدد أكبر من المقاعد. ترك المالكي رئاسة الوزراء منذ سبع سنوات، بعد أن ظل لفترتين متتاليتين في المنصب، الذي خرج منه بعد انهيار الجيش العراقي أمام تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014.
في نفس العام، فاز ائتلافه "دولة القانون" بـ92 مقعداً من أصل 328 مقعداً آنذاك. يقول مصدر مقرب من نوري المالكي لـ"عربي بوست": "المالكي يخطط بقوة في هذه الانتخابات للعودة إلى رئاسة الحكومة مرة أخرى، لكنه يعلم جيداً أن هذا الأمر لن يحدث بوجود معارضة كبيرة من خصمه اللدود مقتدى الصدر".
كثّف ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي من حملاته الانتخابية في الأشهر القليلة الماضية، تحت شعار "سنعيد الدولة". يقول مصدر حكومي رفيع المستوى، لـ"عربي بوست": "لاحظ العراقيون من خلال الحملات الانتخابية المبكرة والمكثفة لائتلاف القانون، محاولات حثيثة من المالكي لإعادة تشكيل صورته في أذهان المواطنين على أنه الرجل القوي الذي يستطيع أن ينهي جميع أزمات العراق بالأخص الداخلية، فالرجل على علاقة قوية بإيران وحلفائها المسلحين في العراق، كما أنه يتمتع بنفوذ قوي داخل مؤسسات الدولة؛ لذلك يمكنه السيطرة على جميع الصراعات في الحكومة".
يرى الكثيرون داخل العراق، أن فرص المالكي في الفوز بعدد مقاعد أكبر في هذه الانتخابات مطروحة بشدة، خاصة بعد تراجع فرص تحالف فتح الذى يضم الممثلين السياسيين للفصائل المسلحة العراقية المقربة من إيران، بعد حركة الاحتجاج الهائلة المناهضة للنفوذ الإيراني في العراق، وتورط هذه الفصائل في قتل المتظاهرين في احتجاجات أكتوبر 2019.
يقول الباحث السياسي العراقي المستقل، على الطاهر لـ"عربي بوست": "فرص تحالف فتح منخفضة للغاية في هذه الانتخابات، لذلك من المتوقع أن يستفاد المالكي وائتلاف من الأصوات التى كانت تذهب لتحالف فتح، ومن أصوات الناخبين المؤيدين لإيران والجماعات المسلحة العراقية، لكن سيظل الصدر واقفاً في طريقه للوصول إلى منصب رئاسة الوزراء".
ائتلاف فتح
يضم ائتلاف فتح بزعامة هادي العامري رئيس منظمة بدر المسلحة، والمقربة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أغلب الفصائل المسلحة العراقية المتحالفة مع إيران، والتى تعتبر جزءاً كبيراً من وحدات هيئة الحشد الشعبي العراقي. فاز تحالف فتح في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 بـ48 مقعداً، وبالتحالف مع ائتلاف سائرون بزعامة مقتدى الصدر، شكل التحالفان الكتلة البرلمانية الأكبر، التي تختار رئيس الوزراء.
في الانتخابات البرلمانية الحالية، فقد تحالف فتح الكثير من قواعده الجماهيرية، بسبب تورط الفصائل المسلحة المنضمة له، في قتل المتظاهرين والنشطاء والصحفيين منذ احتجاجات أكتوبر 2019، بالإضافة إلى ولائهم للجارة الإيرانية، ورفض الكثير من العراقيين للنفوذ الإيراني داخل بلادهم.
كما سيخوض ائتلاف فتح، هذه الانتخابات بدون فصيل كتائب حزب الله العراقية، أكبر وأهم فصيل شيعي مسلح مقرب من إيران، الذى قرر أن يخوض الانتخابات في 10 أكتوبر 2021 بشكل مستقل عن التحالف، لكن ما زال التحالف يضم فصيل عصائب أهل الحق القوي أيضاً بزعامة قيس الخزعلي.
نعيم العبودي، النائب عن تحالف فتح في البرلمان الحالي، يقول لـ"عربي بوست": "سيقوم تحالف فتح بترشيح السيد العامري رئيساً للوزراء، كما أننا ليس لدينا أي عداوة مع أي تحالف سيشكل الكتلة البرلمانية الأكبر فيما بعد، لكن من الممكن أن نشكل قوة معارضة لها".
وبحسب مصدر مقرب من هادي العامري تحدث لـ"عربي بوست"، فإن تحالف فتح يتوقع فوز التيار الصدري بأغلبية في البرلمان، فيقول: "نعلم أننا سنفوز بعدد كبير من المقاعد في الانتخابات، لكن أيضاً ليس لدينا شك في أن (سائرون) من الممكن أن يفوز بالأغلبية، لدينا الكثير من الخلافات مع التيار الصدري، لذلك لا نتوقع أن نشكل قوة معارضة ضده في البرلمان".
جدير بالذكر أن في الانتخابات البرلمانية السابقة لعام 2018، قام ائتلاف سائرون وفتح بالتحالف من أجل تشكيل الحكومة وتسمية رئيس الوزراء، وسادت الخلافات بين التحالفين في كثير من الأحيان، يقول الباحث السياسي علي الطاهر، لـ"عربي بوست": "لا أعتقد أن في الانتخابات الحالية يمكننا أن نشهد تحالفاً بين العامري والصدر، لكن كل شيء جائز في السياسية العراقية".
ائتلاف القوى الوطنية للدولة
في الأشهر القليلة الماضية، شهد العراق تحالفاً مهماً بين عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة، ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، رئيس ائتلاف النصر، ونتج عن هذا التحالف تشكيل ائتلاف القوى الوطنية للدولة، والذي سيخوض الانتخابات البرلمانية يوم الأحد المقبل 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
يضم التحالف أيضاً حركتين جديدتين حديثتي العهد بالسياسة، منبثقتين عن الحركة الاحتجاجية لمظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، جدير بالذكر أن كلاً من الحكيم والعبادي كانا من أشد المؤيدين لحركة تشرين الاحتجاجية، وأعلنا رفضهما التام لقمع المتظاهرين والنشطاء.
يعتبر كلا من تيار الحكم وائتلاف النصر، بزعامة عمار الحكيم وهادي العامري على التوالي، قوة سياسية شيعية مهمة على الساحة العراقية، بالإضافة إلى اعتبارهما المعادل الشيعي للأحزاب والجماعات الشيعية المتشددة المتحالفة مع إيران، يقول الباحث السياسي علي الطاهر لـ"عربي بوست": "تحالف القوى الوطنية للدولة بقيادة الحكيم والعامري، يعتبر تحالفاً علمانياً معتدلاً، يدعو إلى دولة مدنية وإصلاح النظام".
دعم الدولة المدنية كان من الشعارات الهامة للحملة الانتخابية لائتلاف القوى الوطنية للدولة، وكان الشعار البارز للحملة "أنا سأختار الدولة، أنت من ستختار؟"، يقول محمد الشمري، القيادي في تيار الحكمة المتحالف مع ائتلاف النصر، لـ"عربي بوست": "التحالف بين الحكمة والنصر ائتلاف مبني على نبذ الطائفية والمذهبية، وأن الدولة للجميع، بجانب ضرورة إصلاح النظام السياسي العراقي والعمل على تقوية الدولة العراقية".
كما اعتمد التحالف بين الحكيم والعبادي، على ضم الحركات السياسية الجديدة التابعة لحركة تشرين الاحتجاجية، أملاً في الفوز بالأصوات الشابة المعارضة للنخب السياسية الحالية، يقول الباحث السياسي العراقي المستقل، علي الطاهر لـ"عربي بوست": "يراهن العبادي والحكيم- وكلاهما لهما وزن سياسي كبير في المشهد السياسي العراقي- على الفوز بأصوات الأغلبية الصامتة الرافضة لكل النخب الحالية، بجانب إمكانية استمالة الأصوات المعارضة للانتخابات والرافضة للتصويت، مما يجعلهما في دائرة المنافسة مع الأحزاب الشيعية الأقوى".
وبحسب مصدر مقرب من حيدر العبادي، زعيم ائتلاف النصر، الذي خاض الانتخابات البرلمانية السابقة في عام 2018 وحصل على 42 مقعداً برلمانياً، "العبادي والحكيم يعملان على تحقيق معادلة جديدة في ميزان القوة الشيعية في العراق، كما أنهما يحاولان ترسيخ مواقفهما السياسية لتصبح في مركز السياسية العراقية".
جدير بالذكر أن تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، فاز في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 بـ19 مقعداً.
الأحزاب السنية
هناك حزبان كبيران سنيان يقودان المنافسة في الانتخابات البرلمانية يوم الأحد 10 أكتوبر/تشرين الأول، تحالف تقدم بزعامة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، وتحالف عزم بزعامة رجل الأعمال السني البارز خميس الخنجر، والذي يخوض الانتخابات البرلمانية لأول مرة. يتميز تحالف عزم بزعامة الخنجر، بانضمام الكثير من الأحزاب السنية والزعماء السياسيين السنة تحت لوائه، بجانب وزراء سابقين ونواب برلمانيين حاليين.
هناك تحالف سني آخر، ينافس على الفوز بالأصوات في المحافظات السنية التي تحاول التعافي من الآثار المدمرة للحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية، وهو مشروع الإنقاذ الوطني بقيادة السياسي السني البارز أسامة النجيفي، جميع التحالفات السابق ذكرها، تتنافس على منصب رئيس البرلمان، وهو أعلى منصب سياسي يمكن أن يصل له السياسيون السنة في العراق.
في الآونة الأخيرة، وفي تقرير سابق لـ"عربي بوست"، تناولنا الصراع والتراشق اللفظي بين كل من الحلبوسي، المحسوب على المحور السعودي-الإماراتي، وخميس الخنجر المقرب من إيران وحلفائها في العراق، بسبب الصراع على الانتخابات.
في السابق، كان يعرف عن الحلبوسي قربه من إيران والجماعات السياسية الشيعية المقربة من طهران، يقول سياسي شيعي بارز لـ"عربي بوست": "الحلبوسي في السابق كان يسعى لكسب رضا إيران بشتى الطرق، وقد حصل على هذا الدعم بدليل أنه أصغر رئيس برلمان في تاريخ العراق، لكن في الآونة الأخيرة بدأ في الاتجاه للسعوديين والإماراتيين، والتحالف معهم".
جدير بالذكر أن محمد الحلبوسي قد تولى رئاسة البرلمان العراقي في عام 2018، وكان قبلها يشغل منصب رئيس محافظة الأنبار، وانتقد مراراً وتكراراً في ذلك الوقت، دور الفصائل المسلحة العراقية المتحالفة مع الجمهورية الإسلامية، في المحافظات السنية المحررة من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية.
على الجهة المقابلة، كان خميس الخنجر رجل الأعمال السني الثري، قبل عام 2018، من المعارضين للنفوذ الإيراني في العراق، وعمل الفصائل المسلحة الشيعية العراقية، لكن انقلبت هذه المعارضة إلى تأييد بعد الانتخابات البرلمانية في عام 2018، وقد ظهر في الآونة الأخيرة في حملاته الانتخابية وهو يعد العراقيين السنة بالعودة إلى منازلهم في منطقة جرف الصخر، التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة العراقية المقربة من إيران منذ 2014، بذريعة محاربة فلول تنظيم الدولة الإسلامية، وعدم جهوزية المنطقة لاستقبال سكانها، فيما يقول السكان الذين تحدثوا في تقارير سابقة لـ"عربي بوست"، إن الفصائل المسلحة الشيعية تتعنت في مسألة عودتهم إلى منازلهم في منطقة جرف الصخر والعديد من المناطق السنية الأخرى، التي تقع تحت سيطرتهم.
يقول سياسي شيعي بارز لـ"عربي بوست": "في الانتخابات الحالية يتمتع الخنجر بدعم كبير من الفصائل المسلحة الشيعية المقربة من إيران، وهذا ما يقلق الحلبوسي، لأنه يعلم أن لهذه الفصائل تواجداً قوياً في المحافظات السنية أيضاً، وتستطيع بقوة السلاح كسب المزيد من الأصوات".
على مدى الأسابيع الماضية، كان القادة السياسيون السنة والمرشحون من تحالفات عزم وتقدم، يزورون مدينة الموصل باستمرار لتقديم الوعود إلى أهالي المحافظة، بإعادة الإعمار وإعادة النازحين إلى منازلهم، وقام الحلبوسي بزيارة المحافظة أكثر من مرة لكسب تأييد السكان هناك.
يقول علي الطاهر الباحث السياسي لـ"عربي بوست": "يتنافس كل من الخنجر والحلبوسي، لكسب التأييد من سكان الموصل، الموصل ليست المحافظة السنية الوحيدة بالطبع، لكن مقاعدها في البرلمان منفصلة".
تجدر الإشارة، إلى أن الكتل السنية الثلاثة تتنافس للسيطرة على 17 مقعداً برلمانياً مخصصة للمناطق الانتخابية الأربع في مدينة الموصل والضواحي العربية السنية المجاورة.
مصدر مقرب من محمد الحلبوسي، تحدث لـ"عربي بوست"، يقول: "الصراع السني الآن قبل الانتخابات يدور حول مدينة الموصل، لما تمثله من أهمية انتخابية سنية كبيرة، لكن أستطيع أن أقول إن هذا الصراع من الممكن حسمه لصالح جبهة التقدم بقيادة الحلبوسي".
يضيف المصدر ذاته: "الحلبوسي يتمتع بشعبية كبيرة إلى حد ما في الموصل والأنبار، إلى جانب أن الخنجر وصلاته بإيران، تجعله غير مرغوب به في الموصل".
لكن على النقيض، من حديث المصدر المقرب من الحلبوسي، يرى الباحث السياسي علي الطاهر، في حديثه لـ"عربي بوست"، أنه "لا يمكن التوقع بشكل جازم فوز أي من التحالفين السنيين، فكلاهما يمتلك الكثير والكثير من الموارد المالية والعلاقات العشائرية القوية، مما يجعل من الصعب توقع فوز أي منهما".
وعلى ذكر العشائر في المحافظات السنية، تحدث الشيخ خالد عواد، أحد زعماء العشائر السنية في محافظة صلاح الدين ذات الأغلبية السنية في العراق، لـ"عربي بوست"، معلقاً على أمر الانتخابات البرلمانية قائلاً: "بصراحة الأهالي لا يثقون في السياسيين السنة الحاليين، والمرشحون المستقلون لا يتمتعون بالشهرة الكافية لانتخابهم، كما أن هناك شكوكاً بين الأهالي فيما يخص وفاء السياسيين السنة بوعودهم بعودة النازحين وإعادة إعمار المحافظات السنية، والتخلص من سيطرة الفصائل المسلحة الشيعية، نحن نعلم أنهم لن يستطيعوا فعل كل هذا، لذلك لا أستطيع أن أتوقع من سيفوز الحلبوسي أم الخنجر".
الأحزاب الكردية
منذ عام 2005، وإقليم كردستان العراق يتمتع بحكم ذاتي رسمياً، وفقاً للدستور العراقي الحديث، ومن السهل تمييز أن الأكراد العراقيين هم أكثر المستفيدين من النظام السياسي العراقي بعد عام 2003.
تعتبر الأحزاب الكردية العراقية لاعباً أساسياً في تشكيل المشهد السياسي العراقي، ففي الانتخابات البرلمانية السابقة في عام 2018، حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني وهو الحزب الحاكم لإقليم كردستان، على 25 مقعداً، بينما حصل الاتحاد الوطني الكردستاني والذي يشارك الحزب الديمقراطي الكردستاني حكم إقليم كردستان على 18 مقعداً، وحصلت الأحزاب الكردية الأخرى المعارضة للحزبين الكبيرين السابق ذكرهما، على 15 مقعداً.
تتميز التحالفات الكردية العراقية داخل البرلمان، بقلة المفاجآت السياسية، فلم تطرأ تحولات كبيرة على الخريطة السياسية الكردية، فالحزبان الأساسيان في إقليم كردستان العراق (الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني)، يحافظان على موقعيهما المهيمنين.
لكن في الآونة الأخيرة، ظهرت حركة التغيير الكردية المعارضة لهذين الحزبين، لكن في نفس الوقت، دخلت حركة التغيير في تحالف مع الاتحاد الوطني الكردستاني، أطلق عليه اسم الاتحاد الكردستاني، يحاول هذا التحالف الحصول على أكبر عدد من الأصوات والمزيد من المقاعد في البرلمان، للفوز بمنصب رئيس الجمهورية المخصص للمكون الكردي.
الجماعات المعارضة الجديدة
كانت نتيجة حركة المعارضة التي تكونت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تأسيس جماعات سياسية معارضة حديثة، كونت هذه الجماعات جبهة معارضة للنظام العراقي الحالي، لكنها ما زالت غير قادرة على خوض الانتخابات البرلمانية.
يقول الباحث السياسي علي الطاهر، لـ"عربي بوست": "الحركات السياسية الجديدة المنبثقة عن حركة تشرين الاحتجاجية، تحاول شق طريقها في المشهد السياسي، لكنها لن تكون قادرة على المنافسة في الانتخابات الحالية، ربما تنافس في الانتخابات القادمة، لكن الآن هي أضعف من الدخول في مثل هذه المنافسة مع النخب السياسية الحالية".
لذلك، أعلنت هذه الجماعات المعارضة الجديدة، في مؤتمر أول لها، أنها لن تخوض الانتخابات البرلمانية، لكن في نفس الوقت أعلنت أنها تقاطع الانتخابات الحالية لعدم نزاهتها، وانعدام تكافؤ الفرص.
يقول باسم الياسري، أحد قادة جماعة المعارضة الجديدة لـ"عربي بوست"، "أغلب الحركات السياسية التي نشأت من رحم حركة تشرين، لن تشارك في هذه الانتخابات، لكن ما زالت هناك بعض المجموعات المعارضة أعلنت مشاركتها في الانتخابات سواء مستقلين أو ضمن تحالفات سياسية".
ويضيف الياسري قائلاً: "فضلنا عدم خوض هذه الانتخابات التي يسيطر عليها المال والسلاح، لكننا سنبقى قوة معارضة خارج البرلمان، نحن لا نريد إسقاط النظام، نريد إصلاحه".
يرى الباحث السياسي علي الطاهر، أن هذه الجماعات السياسية حديثة العهد بالعمل السياسي ما زالت لا تتمتع بالنضج الكافي للمشاركة في الانتخابات فيقول لـ"عربي بوست": "الحركات السياسية المعارضة الجديدة، لا تتمتع بالتنظيم اللازم والوعي السياسي للمشاركة في الانتخابات الحالية، كما أنها لا تمتلك قاعدة دعم جماهيرية".
لكن، جدير بالذكر أن هناك بعض الجماعات السياسية الجديدة التي استطاعت خوض الانتخابات البرلمانية، مثل حركة امتداد، التي تضم أغلب قادة الحركة الاحتجاجية في مدينة الناصرية الجنوبية والتي كانت نقطة اشتعال المظاهرات على مدار العامين الماضيين.
حركة حقوق التابعة لكتائب حزب الله
في الأسابيع القليلة الماضية، شهدت الساحة السياسية العراقية، تشكيل حركة سياسية جديدة باسم حركة "حقوق"، وأعلنت أنها ستخوض الانتخابات البرلمانية يوم الأحد المقبل.
يقول مسؤول حكومي بارز، لـ"عربي بوست": "حركة حقوق هي الممثل السياسي لكتائب حزب الله في الانتخابات، وتتبنى نفس الأجندة الخاصة بالفصائل المسلحة".
يقول مصدر مقرب من حسين مؤنس رئيس حركة حقوق لـ"عربي بوست": "برنامج حقوق الانتخابي يتناول العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية الهامة وعلى رأسها رحيل القوات الأجنبية عن العراق"، كما قال المصدر ذاته، إن الحركة ستخوض تحالفاً مع ائتلاف فتح في البرلمان لاختيار الحكومة الجديدة.
على الجهة المقابلة، أعلن الحزب الشيوعي العراقي وبعض قادة الحركة الاحتجاجية "تشرين"، مقاطعة الانتخابات.
فشل متكرر
لا يتوقع الكثيرون داخل العراق، أن تحدث الانتخابات البرلمانية المبكرة المقرر إجراؤها يوم الأحد المقبل 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أي فرق في الحياة السياسية العراقية، أو تؤدي إلى حدوث تغييرات كبيرة في الخريطة السياسية للبلاد، فالأحزاب الكبرى الشيعية خاصة التي هيمنت على المشهد السياسي العراقي منذ عام 2003، لا تزال تتمتع بنفس النفوذ والقدرة على الفوز بأغلبية الأصوات في الاستحقاق الانتخابي.
ستظل نفس الأحزاب، والتحالفات القديمة قائمة، حتى فكرة أن قانون الانتخاب الجديد من الممكن أن يؤثر على هذه الأحزاب الكبرى، لم تعد قائمة، نظراً لقدرة هذه الأحزاب المادية واعتمادها على الفصائل المسلحة في الكثير من المناطق. بل على العكس فإن قانون الانتخابات الجديد من شأنه أن يضعف قدرة المرشحين المستقلين وحديثي العهد بالسياسة، على الفوز في هذا السباق الانتخابي.
يقول الباحث السياسي المقيم بالعاصمة العراقية بغداد، علي الطاهر لـ"عربي بوست": "كان الأمل في الحركة الاحتجاجية للمنافسة في هذه الانتخابات، وخلق آفاق سياسية ووجوه سياسية جديدة، لكن قلة الخبرة وعدم النضج وقلة الموارد المالية والإعلامية، أبعدتهم عن المنافسة".
ويضيف السيد الطاهر قائلاً: "ستظل الوجوه السياسية المتواجدة منذ عام 2003 كما هي، نعم من المتوقع أن تكون نسبة الإقبال الانتخابي منخفضة للغاية، أكثر من الانتخابات السابقة، لكن في النهاية النخب السياسية الحالية هي التي تعقد التحالفات وستشكل الحكومة الجديدة، ستنحصر المنافسة بينهم فقط".