أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء 5 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أنّ مرحلة استعلاء وهيمنة الدول الغربية على السياسة الدولية انتهت، والعالم بأسره وضمنه الدول الغربية باتت تقرّ بذلك، مشيراً إلى "نظام دولي جديد بات يتشكل".
جاء ذلك في لقاء للرئيس التركي مع "مجلة كريتر" (المعايير) التركية تحدث فيه عن عدة قضايا، في مقدمتها النظام الدولي، والرؤية التي يحملها في كتابه "من الممكن إنشاء عالم أعدل"، واتفاقية باريس للمناخ، والتطورات في سوريا.
حيث قال: "وصلنا لنهاية المفهوم السائد باستعلاء الغرب وإدارته للمشاكل في العالم، والجميع بات موقناً بهذا. الهيمنة الغربية التي استمرت لمئات السنين انتهت"، مضيفاً: "العالم شهد بعد الحرب الباردة سياسة عالمية جديدة مركزها أمريكا، لكن بات واضحاً أنه من غير الممكن لها السيطرة وحدها على النظام الدولي برمته، إنها جربت ذلك وفشلت، انسحبت من العراق، واضطرت إلى الانسحاب من أفغانستان، ولم تستطع إنشاء ديمقراطية فيهما".
تركيا لاعب على الساحة الدولية
أردوغان أشار إلى صعود دول كتركيا كلاعب على الساحة الدولية، منوهاً إلى أنه "ليس فقط تركيا، الكثير من الدول متوسطة القوة بدأت بالصعود للأعلى وإظهار نفسها. نحن لم نعُد نعيش في عالم يُنفذ فيه ما تقوله القوى الكبرى".
في حين زاد أردوغان أنّ بلاده وصلت لمرحلة من القوة بات بإمكانها تنفيذ عملياتها العسكرية بنفسها وتأسيس صناعة دفاعية محلية.
كانت تركيا، بحسب أردوغان، في طليعة الدول التي دعت لإجراء تغييرات في النظام الدولي عبر تسليط الضوء على المشاكل التي تكبل عمله كمنظمة معنية بحل النزاعات الدولية.
فيما استطرد أردوغان في سرد الظلم والأزمات التي يشهدها العالم وتعجز الأمم المتحدة في حلّ أيّ منها كأزمة اللاجئين السوريين، والروهينغا في ميانمار، والمأساة التي يعيشها الفلسطينيون، ومعاداة الإسلام في الغرب، والأزمات الإنسانية في إفريقيا.
"من الممكن إنشاء عالم أعدل"
كما أوضح أردوغان أن كتابه "من الممكن إنشاء عالم أعدل" ليس تسليطاً للضوء على المشاكل في النظام الدولي فحسب، بل يقدم حلولاً في الوقت نفسه، وبالتالي يعد وثيقة تاريخية للدعوات التركية المتكررة.
تابع: "مقترحنا بالتأكيد هو عرض إصلاح. بهذا العرض نقول من الممكن إنشاء عالم أكثر عدلاً. نريد التطرق للمشاكل الحقيقية للعالم. لا يمكن الوصول لحلول دون لمس المشاكل الحقيقية".
في حين تساءل الرئيس التركي: "متى تعاملوا (الغرب) مع الأزمة السورية تعاملاً إنسانياً، مئات الآلاف قتلوا، الملايين هربوا من قصف نظام الأسد، الشغل الشاغل للغرب كان (كيف نمنع وصول اللاجئين إلينا). عندما قصف الأسد المدنيين بالأسلحة الكيميائية ماذا فعل مجلس الأمن؟، لا شيء، النظام استمر بعدها في القصف".
كذلك لفت أردوغان إلى أنّ الأمر نفسه تكرر في البوسنة والهرسك وكشمير وفلسطين والقرم وميانمار قائلاً: "ما نستنتجه من هذا أنّ المنظومة الدولية لا تنتج حلولاً عادلة في العالم"، داعياً إلى "زيادة فاعلية الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتلعب دوراً أشبه بالبرلمان العالمي، بإمكاننا فعل ذلك".
فالعدالة، بحسب أردوغان، لا يمكن تحقيقها بدون تحويل مجلس الأمن إلى أداة تنفيذ، ولا يمكن إجراء أي إصلاح دون إزالة حق النقض "فيتو"، مضيفاً أن "مقترحنا هو تطويع نظام الأمم المتحدة للظروف الدولية المتغيرة".
"عدة مراكز قوى"
وفق أردوغان: "يوجد في العالم اليوم عدة مراكز قوى، ثمة دول ترفع صوتها وتقول لا نقبل نظاماً بهذا الشكل، لا نقبل انتظارنا لقرارات من بين شفاهكم، إن مجلس الأمن لا يمثل توزع القوى في العالم. ما مدى صحة ترك العالم بأسره أمانة في أيدي 5 ممثلين وفق نظام تأسس نتيجة للحرب العالمية الثانية".
كما بين أن لأوروبا ممثلين في مجلس الأمن (فرنسا وبريطانيا) في حين لا يوجد أي ممثل من أمريكا الجنوبية وإفريقيا، منوهاً إلى أن "نسبة سكان أوروبا تساوي 5% من سكان العالم، والدول الخمس دائمة العضوية تمثل فقط ربع سكان العالم".
أردوغان أوضح أن "منظومة الأمم المتحدة تعاني من أزمة شرعية يتعين تجاوزها، وإلا فلا يمكن تحقيق الاستقرار والنظام في سياسة عالمية تتصرف فيها بعض الأطراف كيفما تشاء"، مشدداً على ضرورة أن تعكس "قرارات مجلس الأمن الدولي العدالة، والقرارات التي تفتقد ذلك تجرح الضمير العالمي وتجعل الناس يفقدون إيمانهم بالأمم المتحدة".
أيضاً لفت أردوغان إلى أن "غزو (واشنطن) العراق تمَّ بشكل مخالف للقانون الدولي؛ ما أدى إلى مقتل مئات الآلاف من الأبرياء، وتشريد ملايين وخلق بيئة فوضى تسرح وتمرح فيها التنظيمات الإرهابية"، مستدركاً: "لكن لو تمت مراعاة القانون الدولي واتخاذ قرارات شرعية لربما كنا تمكنا من حل العديد من الأزمات".
وأكد الرئيس التركي أنه لا يمكن استمرار هيكلية يتمتع فيها أعضاء مجلس الأمن بصلاحيات دائمة لا محدودة، ولا يخضعون للمساءلة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، لافتاً إلى أنه لا يمكن تحقيق العدالة أو إنقاذ الأمم المتحدة (من الوضع الراهن) دون جعل الجمعية العامة بمثابة هيئة تشريعية ومجلس الأمن هيئة تنفيذية.
بينما شدّد أردوغان على أولوية النظر في مسألة صلاحية حق النقض "فيتو" الممنوحة للأعضاء الدائمين لمجلس الأمن الدولي، مؤكداً أنه دون إلغاء هذه الصلاحية فلن يكتب النجاح لأي جهود من أجل إصلاح المنظومة الأممية.
فيما اختتم تصريحات بأنه لا يمكن الحصول على أي نتيجة مرجوة من جهود الإصلاح طالما لم يتم تعديل العلاقة بين مجلس الأمن والجمعية العامة لصالح الأخيرة.