أثار سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الجدلَ بسبب تلميحه هو وعدد من قيادات الحزب لوقوع حالات تزوير في انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021، التي مُني فيها الحزب بهزيمة غير متوقعة.
وذلك رغم أن قادة العدالة والتنمية، وعلى رأسهم العثماني، لم يصرحوا بشكل مباشر بتزوير الانتخابات، وفضلوا التلميح بالأمر، الأمر الذي دفع "عربي بوست" إلى البحث وراء الأدلة التي يملكها الحزب، والتي يُرجح بسببها وقوع تزوير.
"عربي بوست" تواصل مع عدد من أعضاء حزب العدالة والتنمية، الذين برروا لجوء بعضهم إلى ترجيح أو رُبما تأكيد وقوع تزوير، لكنهم أكدوا أن القادة أجمعوا على عدم التصريح بشكوكهم بشكل مباشر، والاكتفاء بالتلميح بأن النتائج "غير مفهومة".
تزوير مؤكد
يكاد يُجمع كل أعضاء الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية على أن الحزب تعرّض لـ"تزوير" ممنهج، أخرجه من صدارة المشهد السياسي، وجعله حزباً صغيراً، لا يملك حتى فريقاً برلمانياً، ولا يرأس أي مدينة في المجال الحضري.
هذه القناعة بحصول تزوير، عجز الأمين العام للحزب، سعد الدين العثماني، عن التصريح بها صراحةً في برلمان الحزب، أو أمام عموم المواطنين، وهو ما سارت في أثره الأمانة العامة للحزب.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر داخل حزب العدالة والتنمية، فإن التلميح بـ"تزوير" النتائج يملك عليه الحزب أدلة مؤكدة، لكنه اختار الصمت خوفاً من "عقاب أكبر من المرحلة المقبلة".
أكثر من عقاب للعدالة والتنمية
"كثير من مرشحي حزب العدالة والتنمية، لانتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى) باتوا ليلة الأربعاء 8 سبتمبر/أيلول 2021، فائزين بمقاعد نيابية، وفي ظهيرة اليوم الثاني تأكدوا أنهم بناء على النتائج التي أعلنتها وزارة الداخلية قد خسروا"، هكذا شرح قيادي في الحزب ما جرى ليلة الثامن من سبتمبر/أيلول 2021.
وتساءل مصدر "عربي بوست": "كيف يعقل أن المحاضر التي بين أيدينا تعطينا عدداً محترماً من المقاعد، ثُم تعلن وزارة الداخلية عن نتائج تخالف بنسبة 90% ما لدينا من محاضر؟".
وقال المتحدث: "خذ مثلاً حالة عمدة مدينة فاس السابق، ورئيس المجلس الوطني للحزب، إدريس الأزمي الإدريسي، في ليلة الأربعاء كان برلمانياً وفي صباح الخميس أصبح بدون مقعد".
"هذه العملية شملت حوالي 30 برلمانياً للحزب، ما كان يسمح لنا بالحصول في حد أدنى على 40 مقعداً، لكننا الآن بالكاد نملك مجموعة برلمانية، وهذه نتائج لا نستحقها وفق جميع القراءات"، يقول مصدر "عربي بوست".
وأشار المتحدث إلى قضية البرلماني حسين حريش في دائرة "أسا الزاك" (الصحراء)، فبناء على المحاضر المكاتب الفرعية التي بين يديه، فإنه متقدم على منافسه بأكثر من 1400 صوت، لكن النتائج التي أعلنتها وزارة الداخلية منحت الفوز لمُنافسه بفارق 40 صوتاً.
لكن ما لا يمكن فهمه وتصوره هو أنه لم يحصل على محاضر المكاتب المركزية، ليقوم بمقارنة النتائج التي لديه مع تلك التي أعلنتها الداخلية، لكن المساعي إلى اليوم بدون جدوى.
وتابعت قيادة حزبية، أن السبب الكبير للقول بوجود تزوير هو تناقض ما لدينا من محاضر مع النتائج التي أعلنها وزير الداخلية، فمن جهة كيف تعلن النتائج النهائية ولا تزال لجان الفرز تعمل، ومن جهة أخرى لماذا لم نتسلم المحاضر، ولماذا لم تعلن النتائج التفصيلية بعد 10 أيام من الانتخابات؟ كل هذه الاعتبارات تدفع للحديث عن تزوير كبير.
أكبر من تزوير
وفق ما حصل عليه "عربي بوست" من معلومات فإن قيادة حزب العدالة والتنمية (استقالت)، مقتنعة بأن ما تعرض له الحزب كان أكبر من مجرد "تزوير" في نتائج الانتخابات التشريعية والجماعية التي عرفها المغرب، في 8 سبتمبر/أيلول الجاري.
وتعرّض حزب العدالة والتنمية لأسوأ نتيجة في تاريخ مشاركته السياسية، حيث فقد بين يوم وليلة أكثر من 110 مقاعد برلمانية، وتراجع من 125 إلى 13، وفقد تسيير أكثر من 200 مدينة كبيرة، ونجح في الفوز بتسيير 5 جماعات قروية نائية.
وكان حزب العدالة والتنمية في أول مشاركة انتخابية له 11 مقعداً في البرلمان، وذلك في سنة 1997، قبل حوالي 24 سنة.
هذا الاندحار التاريخي قرأته أصوات داخل الأمانة العامة (القيادة السياسية) بأنه "استهداف" للحزب، يرمي إلى "إبعاد" الإسلاميين المشاركين سياسياً، ويضعهم على هامش الحياة السياسية في المغرب.
مصادر من قيادة الحزب، أكدت أن نتائج الانتخابات بدت وكأن "قراراً" اتُّخذ للاستئصال النهائي من المشهد السياسي، قد تم اتخاذه من أعلى المستويات في حق العدالة والتنمية.
وزادت بعض القيادات، أن القرار كان مصحوباً بعدم "الشفقة" و"الرحمة"، وهذا هو التفسير الوحيد والممكن والمعقول، لما جرى ليلة 8 سبتمبر/أيلول 2021.
مصادر أخرى أفادت بأن ما حصل لحزب العدالة والتنمية بمثابة عملية "تكراط" (إحالة على الدارجة المغربية التي تعني في أحد معانيها إزالة اللحية بموس الحلاقة، كما تعني أيضاً المسّاحة أو السيّاقة التي تساعد على تنظيف الأرضيات باستعمال المياه ومواد التنظيف).
الخلاف الحاد داخل آخر اجتماع للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذي جرى يوم الخميس 16 سبتمبر/أيلول، لم يكن حول هذه القناعة، بل كان حول طريقة التعبير عنها، وهو ما تم حسمه لصالح عدم رفع الاحتجاج إلى مستوى اتهام الدولة مباشرة بـ"التزوير".
استئصال بأثر رجعي
التقرير السياسي الذي عرضه أمين عام حزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني، لم يخرج عن إطار الإشارات، وهو يتحدث عما طال العملية الانتخابية من تدخل "خشن" في نتائجها.
العثماني الذي كان يتحدث يوم السبت 18 سبتمبر/أيلول الجاري، كان حريصاً على عدم بث كلمته بشكل مباشر، وعلى غير العادة في مثل هذه اللقاءات، كما أن نص كلمته لم يصل إلى عموم أعضاء المجلس الوطني، تقول مصادر من المجلس الوطني.
وتابعت المصادر أن العثماني حاول أن يفهم أعضاء المجلس الوطني، أن تنفيذ قرار استئصال الحزب وصل إلى مرحلة غير مسبوقة، داعياً إلى قراءة نتائج الانتخابات على هذا الأساس.
وشدد العثماني، بحسب مصادر "عربي بوست" على أن ما جرى هو استئناف خطة استئصال الحزب، التي كانت مقررة في 2016، ولكنها اليوم تتم بـ"أثر رجعي".
أعضاء آخرون في الأمانة العامة للحزب، حاولوا في تفاعلهم مع أسئلة المشاركين افتراضياً في هذا اللقاء، تبرئة ممارستهم من هذا الإخفاق الانتخابي، مع التنويع بين التصريح والتلميح بأن العملية الانتخابية كانت "مزورة".
بعض هؤلاء القادة أعلن بشكل صريح أن ما وقع في هذه الانتخابات هو عقاب من الدولة، لأن قيادة الحزب رفضت أن تقبل عدداً من القرارات التي كانت تنزل من فوق.
ورغم هذه اللغة الغاضبة من نتائج الانتخابات، فقد سجلت مصادر "عربي بوست" أن هناك شبه إجماع على أن الأمانة العامة مسؤولة عن وصول الحزب إلى هذا المستوى داخلياً وفي العلاقة مع الدولة.