سوء فهم كبير صنعته الأمانة العامة داخل حزب العدالة والتنمية، وذلك من خلال حديثها عن استقالة "سياسية"، لا استقالة تنظيمية من تدبير شؤون الحزب، وذلك خلال التقرير السياسي الذي عرضه الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني أمام برلمان الحزب.
وعقد برلمان "العدالة والتنمية" دورة استثنائية، السبت 18 سبتمبر/أيلول، سجّل فيها "إفساد" الانتخابات، واعتبر فيها نتائج الاستحقاقات الأخيرة "انتكاسة" للديمقراطية في المغرب.
ومباشرةً بعد إعلان وزارة الداخلية للهزيمة التي مُني بها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية، بدأ سعد الدين العثماني تحركاته مع القادة الجهويين للحزب المنتشرين في المغرب، لتوجيههم بخصوص المرحلة المقبلة.
تحركات العثماني قُرئت بطريقة مباشرة من طرف أعضاء برلمان الحزب كونه لم يستقل كما أعلن غداة الإعلان عن النتائج، إذ ما زال يُمارس مهامه التنظيمية كأمين عام بشكل طبيعي.
الخوف من الاستقالة
علم "عربي بوست" من مصادر خاصة أن أمين عام حزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، رفض قرار الأمانة العامة تقديم استقالتها من تدبير شؤون الحزب.
وسجلت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن العثماني وخلال آخر اجتماع للأمانة العامة للحزب المنعقدة، يوم الخميس 16 سبتمبر/أيلول الجاري، شدد على رفض فكرة الاستقالة من تسيير دفة الحزب.
العثماني لم يتوقف عند هذا الحد، بل شدد بحسب المصادر، على رفض فكرة استقالة الأمانة العامة، معتبراً أن هذه الاستقالة الجماعية للأمانة العامة قد تقرأ بشكل سلبي داخل مستويات عليا في الدولة.
العثماني دافع بأن هذه الاستقالة قد يتم توظيفها ضد الحزب من طرف خصومه سواء كانوا في الأحزاب، أو داخل مؤسسات الدولة، بشكل يخلق مفعولاً عكسياً، ويقرأ على أنه احتجاج على الدولة.
وأوضح أمين عام حزب العدالة والتنمية أنه كان يجب الاكتفاء بالدعوة لمجلس وطني استثنائي، أو حتى مؤتمر استثنائي ليفهم الجميع الرسالة، دون أن يثير حفيظة أحد.
ولمح العثماني إلى دوافع خوفه من إعلان الاستقالة، مسجلاً -بحسب المصادر- أن نتائج الانتخابات لا ينبغي أن تقرأ رسائلها بشكل شامل، ولا تتوقف على موقع الحزب السياسي، مشيراً إلى أن هذه النتائج قد تكون تعبيراً عن قرار بمحاصرة شاملة للحزب.
هذا الموقف لم يعبر عنه العثماني وحده، بل تضيف المصادر أن عدداً غير بسيط من أعضاء الأمانة العامة صاروا على نفس خطاه، ونبهوا إلى ضرورة تجنب كل ما يمكنه أن يفسر بشكل سلبي من طرف الدولة.
استقالة سياسية فقط!
محاولات العثماني باءت بالفشل، خاصة مع إصرار أغلب المتدخلين في اجتماع الأمانة العامة الذي تلا يوم الإعلان عن النتائج (إصرار) على ضرورة الاستقالة، وذلك في إطار تحمّل المسؤولية السياسية والأخلاقية على النتائج، على الأقل داخل الحزب.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر حضرت اجتماع الأمانة العامة فإن العثماني وجد نفسه مطوقاً بعدد من التدخلات التي طالبت بأن تكون الاستقالة مصحوبة ببيان سياسي يعلن بمنتهى الوضوح أن النتائج المعلنة من قبل وزارة الداخلية تمثل عودةً مباشرة إلى أساليب التزوير المباشر للانتخابات بشكل كبير وخطير.
التباين في تحديد المسؤول عن نتائج الانتخابات، وطريقة التعبير عن رفض هذه النتائج، لم يستمر طويلاً في الاجتماع العاصف للأمانة العامة، حيث ساعدت فكرة الاستقالة السياسية في تطويق الخلاف.
وزادت المصادر ذاتها أن الفكرة قائمة على ثنائية، أولاً أن الاستقالة تعني تحمّل المسؤولية والإقرار بالتقصير أمام المناضلين، وطبعاً دون القفز على الممارسات التي قامت بها السلطة، والتي ساهمت في الوصول إلى النتائج "غير المفهومة" للحزب.
أما المستوى الثاني من الفكرة فهو أن "الاستقالة الجماعية" لأعضاء الأمانة العامة لا وجود لها في قوانين الحزب، والقوانين الداخلية للحزب، تؤطر استقالة الأمين العام وحده.
وشددت المصادر ذاتها على أن الأمين يرفض الاستقالة، والأمانة العامة تريد الاستقالة، هذا المأزق القانوني والسياسي تم التوافق بشأنه على شكل "تخريجة" قانونية، تعلن أن الاستقالة "سياسية" وليست استقالة "تنظيمية".
وتابعت أن تفسير هذه الاستقالة يعني أن الأمانة العامة تلزم نفسها من جهة بتسيير الأعمال، كما لا يكون من مقتضياتها تسليم وثيقة الاستقالة إلى رئاسة المجلس الوطني للحزب.
اختيار قيادة جديدة
طرح هذه الفكرة على أنظار برلمان العدالة والتنمية أثار جدلاً كبيراً، خاصة أن كثيراً من الأصوات رأت فيها تراجعاً عن آخر بيان للأمانة العامة للحزب.
وكانت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، قد أعلنت الخميس 9 سبتمبر/أيلول الجاري، أن "الأمانة العامة تتحمّل مسؤوليتها السياسية كاملة عن تدبيرها هذه المرحلة، ويقرر أعضاؤها، وفي مقدمتهم الأمين العام، تقديم استقالتهم من الأمانة العامة، مع استمرارها في تدبير شؤون الحزب طبقا لمقتضيات المادة 102 من النظام الداخلي للحزب".
واعتبرت هذه الأصوات أن أي موقف آخر غير الاستقالة يعد انقلاباً على الحزب ومناضليه، وتلاعباً بعقول الأعضاء وعواطفهم، وهروباً من تحمّل المسؤولية.
وتابعت المصادر ذاتها أن الأمانة العامة جُوبهت بما وصفتها تصرفات الأمين العام للحزب، الذي استبق المجلس الوطني بالاتصالات مع عدد من الكتاب الجهويين والإقليميين للحزب، دعاهم فيها لإخراج بلاغات تحمّل وزارة الداخلية مسؤولية فشل الحزب في الانتخابات.
وأيضاً قيام الأمين العام بعقد لقاءات مع المسؤولين المجاليين للحزب في بعض الجهات، عرف منها لقاء مع جهة الرباط، وجهة الدار البيضاء، التي تضُمَّان أكبر فئة من أعضاء برلمان الحزب، وذلك لتوجيههم للدفاع عن وجهة نظر الأمانة العامة والأمين العام في المجلس الوطني.
غير أن نائب رئيس الأمين العام، سليمان العمراني، في تفاعله مع الردود الغاضبة، أوضح أن الاستقالة نافذة ولا تراجع عنها، وأن المؤتمر الوطني الاستثنائي أفرغ نقاش الاستقالة من عدمها من كل معنى، ودعا الجميع إلى الاتجاه نحو المؤتمر القادم موحدين.
العمراني، تضيف المصادر في مسعى لطمأنة الغاضبين، أكد أن الحزب قطع مع هذه الأمانة العامة، وبالتالي هي ملتزمة بـ"تسيير الأعمال" بانتظار المؤتمر المقبل.
هذا وقرر "العدالة والتنمية" تنظيم مؤتمر استثنائي في 24 أكتوبر/تشرين الأول، وانتخب لجنة لرئاسة المؤتمر، وذلك بغرض اختيار قيادةٍ جديدةٍ.