على مدار الأسابيع الأخيرة باتت مدينة جنين ومخيمها محل أنظار واهتمام المؤسسة العسكرية والأمنية في إسرائيل، في ظل تقديرات جهاز الشرطة الإسرائيلية والشاباك بأن الأسيرين الأخيرين من الأسرى الهاربين من سجن "جلبوع" العسكري، أيهم كممجي ومناضل انفيعات، استطاعا الوصول إلى المخيم والاختباء به.
حيث شهد مخيم جنين فعاليات عسكرية ومناوشات شبه يومية بين قوات الجيش وعناصر الفصائل الفلسطينية، الذين أعلنوا حالة الاستنفار وتصعيد حالة الاشتباك ضد أي عمل عسكري أو استخباري تنوي إسرائيل القيام به للوصول إلى أي معلومة حول الأسرى الهاربين.
وبات حاجز "جلمة" العسكري، وهو البوابة الحدودية الفاصلة بين إسرائيل وجنين نقطة اشتباك يومية بين أفراد الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، تشبه إلى حد كبير فعاليات الإرباك الليلي، حيث يقوم المتظاهرون بحرق الإطارات المطاطية وتوجيه أشعة الليزر نحو الجنود المنتشرين على الثكنات العسكرية، وإلقاء الزجاجات الحارقة بالقرب من النقطة العسكرية.
عمليات استخبارية للبحث عن الأسرى
يأتي ذلك في وقت أكدت فيه مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أن "النقاط الحدودية لقرى مدينة جنين شهدت نشاطاً استخبارياً مكثفاً للجيش الإسرائيلي منذ نحو أسبوعين، إذ قامت قوات خاصة من الجيش، تتبع لوحدتي "سيرت متكال" و"شلداج"، باقتحام قرى يعبد وعانين والطيبة ورمانة وفقوعة، الملاصقة لجدار الفصل العنصري، جري خلالها عمليات تمشيط وتحقيق واستجواب مع سكان هذه القرى، وزرع كاميرات مراقبة وأجهزة تنصت، بهدف رصد أي تحركات خاصة للأسرى الهاربين الذين يُعتقد أنهم لا يزالون متحصنين بمدينة جنين".
هذا، وقد أكد الصحفي الفلسطيني محمد عتيق، من قرية فقوعة شمال شرق جنين، أن "النشاط الاستخباري الإسرائيلي في المنطقة وطبيعة التحقيقات التي تجريها القوات الخاصة في قرية فقوعة، يهدف إلى الوصول إلى معلومات حول الأسيرين الهاربين من سجن جلبوع، حيث يقدر الجيش بأن مسار الهروب من السجن إلى داخل جنين تم عبر هذه القرى الحدودية، التي تعتبر تضاريسها سهلة في عملية الهروب، كما أن لهذه القرى خصوصية تُميزها عن باقي مناطق مدينة جنين، وهي عدم وجود نشاط عسكري حقيقي للفصائل الفلسطينية، ما يُسهل عمل القوات الخاصة دون أي تكلفة أو خسائر بشرية".
وأضاف المتحدث لـ"عربي بوست" أنه "من بين العمليات الاستخبارية التي تقوم بها القوات الخاصة الإسرائيلية في قرية فقوعة سحب الهواتف من المواطنين، ومعرفة أي اتصال خارجي غير مألوف تم عبر هذه الهواتف، إضافة إلى انتشار قوات خاصة من المستعربين، التي تتجول في المنطقة بلباس سكان القرى، ويقومون بنشر شائعات قد تُمكّنهم من الوصول إلى مكان الأسيرين أيهم كممجي ومناضل انفيعات، اللذَيْن يعتقد أن أحدهما تمكن من الوصول إلى مدينة جنين".
إسرائيل ترفع من مستوى التهديدات
وفي سياق متصل، رفعت إسرائيل من سقف التهديدات بتنفيذ عملية عسكرية في مدينة جنين لاعتقال باقي الأسرى الهاربين، إذ نقلت القناة الـ12 العبرية في مقابلة مع رئيس الأركان أفيفكوخافي قوله إن "الجيش مستعد لدخول مدينة جنين بقوات كبيرة، من أجل اعتقال الأسيرين الفارّين من سجن جلبوع، في حال تأكد وصولهما إليها، حتى لو كان ذلك على حساب التأثير على باقي مناطق الضفة الغربية".
أما صحيفة معاريف فنقلت عن العقيد يائير بلاي، قائد لواء جولاني في الجيش الإسرائيلي، قوله إن أي عملية عسكرية سينفذها الجيش الإسرائيلي في جنين ليس بالضرورة أن تكون مشابهة لعملية السور الواقي، نحن لا نتحدث عن عملية واسعة بقوات كبيرة من الدبابات والطائرات وسلاح المشاة، يمكن أن تكون عملية واسعة بقوات كبيرة وفق معلومات محددة.
في حين نقل رئيس تحرير صحيفة معاريف، بن كسبيت، أن "أي مختص يعمل في الشاباك (جهاز الأمن العام الإسرائيلي) يدرك أن جنين بعيدة عن الهدوء، بل تزداد هياجاً وتطرفاً، إنه أمر محزن ومقلق، والسلطة تفقد السيطرة هناك".
الفصائل تتوعد بالرد
أمام هذه التهديدات الإسرائيلية باتت مدينة جنين تمثل حالة خاصة بالنسبة للعمل العسكري المنظم في الضفة الغربية، إذ إنه وللمرة الأولى وفي سابقة هي الأولى من نوعها، اتفقت كل من حركة فتح وحماس والجهاد الإسلامي على إنشاء غرفة عمليات مشتركة، للتنسيق فيما بينهم للرد على أي عملية عسكرية يسعى الجيش الإسرائيلي لتنفيذها في المدينة.
وأفاد مصدر عسكري في الغرفة المشتركة للفصائل في جنين لـ"عربي بوست"، أنه "جرى التنسيق بين الفصائل الثلاثة على توزيع المهام العسكرية بغرض تشكيل جبهة موحدة، في حال قرر الجيش الإسرائيلي اقتحام المدينة، وآلية ذلك تمت من خلال تكثيف عمليات الرباط في النقاط الرئيسية وفي أزقة المخيمات، لصدِّ أي اقتحام من القوات الخاصة، نحن سندافع عن المدينة ولن تكون جنين محطة سهلة في حال جرى اقتحامها".
ولعل أهم ما يميز جنين عن غيرها من مناطق الضفة الغربية هو عدم وجود نشاط للتنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وإسرائيل، إذ يقتصر نشاط الأجهزة الأمنية على قوات شرطية مدنية، وتدير الفصائل الفلسطينية مسؤولية توفير الأمن في هذه المناطق، وهو ما قد صعّب من مهمة البحث عن باقي أفراد الخلية الهاربة من سجن "جلبوع" العسكري.
معاوية موسى، الكاتب والباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية من مدينة جنين قال لـ"عربي بوست" إن "قرار اقتحام مدينة جنين يبدو أنه اتُّخذ لدى مؤسسة الجيش، بغض النظر عن اعتقال بقية الأسرى الهاربين، ما يجري هو عملية تحضير لهذا الاقتحام لتقليل مستوى الخسائر من خلال سحب أكبر قدر من الأسلحة، كما أن الحالة التي تمثلها مدينة جنين باتت تستلزم من الجيش التدخل؛ خشية أن ينتقل هذا النموذج إلى باقي مناطق الضفة الغربية، وبذلك تكون إسرائيل قد خسرت المواجهة في خاصرتها الأضعف، وهي الضفة الغربية".