شيّع المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (برلمان الحزب) في دورته الاستثنائية، الأمانة العامة للحزب (القيادة السياسية) إلى خارج قمرة قيادة الحزب الذي ملأ الدنيا بانتصاراته الانتخابية الكبيرة، وشغل الناس باندحاره التاريخي.
وتلقى حزب العدالة والتنمية هزيمة انتخابية قاسية جداً في الانتخابات العامة التي جرت يوم 8 سبتمبر/أيلول الجاري، إذ تقلص فريقه البرلماني من 125 إلى 13، وانتقل من رئاسة أكثر من 200 مدينة في المدار الحضري، وعشرات القرى، إلى رئاسة أقل من 10 جماعات قروية فقط.
تقرير سياسي غامض
وعلمت "عربي بوست" من مصادر داخل الحزب أن هناك فعلاً انقساماً داخل المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وخلافاً حاداً بين "تيارين" داخل الحزب، الأول تدفع به الأمانة العامة، والآخر يقف ضده من يُعارضونها.
وكشفت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن اللقاء رغم أنه له جدول أعمال محدد سلفاً، وهو تحديد مؤتمر استثنائي للحزب، واختيار رئاسة جديدة للمؤتمر، إلا أن هناك خلافاً كبيراً حول نقاط "البيان الختامي"، وانتخاب لجنة رئاسة المؤتمر، ونتائج الانتخابات.
وتابعت المصادر ذاتها أن الأمانة العامة كانت تريد استصدار بلاغ أو بيان للمجلس الوطني، يدعمها في هذه المرحلة، وتحديداً في نقطة أن الانتخابات عرفت تجاوزات "خطيرة" وأثرت على نتائج الحزب ومكانته وموقعه في الخريطة السياسية.
المصادر ذهبت إلى أن الأمانة العامة للحزب أعدت من أجل ذلك تقريراً سياسياً ألقاه الأمين العام للحزب، استعرض فيه ما تم الاتفاق عليه داخل الأمانة العامة للحزب (القيادة السياسية) بخصوص نتائج الانتخابات الأخيرة.
التقرير السياسي للأمين العام، تقول المصادر، ظل يحوم حول فكرة أن الانتخابات لم تكن نزيهة ولا شفافة، وعرفت تزويراً كبيراً لنتائجها، لكن رفض الإفصاح عنها بشكل واضح ومباشر.
وزادت المصادر ذاتها أن الأمين العام ظل متردداً في اختيار العبارات الأكثر غموضاً في توصيف ما جرى يوم الانتخابات، من قبيل "نتائج غير مفهومة"، "لا تعكس حجم الحزب"، و"لا علاقة لها بقوة الحزب"، و"عدم استلام المحاضر"، "الإصلاح يواجه صعوبات".
كما أن مداخلات بعض أعضاء الأمانة العامة، حسب مصادر "عربي بوست"، حمّلت "القصر" مسؤولية الهزيمة الانتخابية للحزب، معتبرة أن هذه النتيجة "عقوبة" من القصر للحزب؛ لأنه رفض أن ينصاع في كثير من الملفات.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الشق الآخر من التقرير توجه به الأمين العام إلى الداخل الحزبي، إذ حمل الخلافات الداخلية جانباً من المسؤولية، مضيفاً أن الحزب كان في الاستحقاقات السابقة يسير موحداً خلف القيادة، غير أنه في هذه الانتخابات ذهب مقسماً.
العدالة والتنمية يقاوم
مساعي الأمين العام والقيادة السياسية واجهت معارضة كبيرة من قِبَل أعضاء المجلس الوطني للحزب، الذين قاوموا بشدة خارطة الطريق التي أعدتها الأمانة العامة للوصول إلى المؤتمر الوطني الاستثنائي.
وكشفت مصادر "عربي بوست" أن أغلب مداخلات أعضاء المجلس الوطني، التي فاقت حوالي 150 مداخلة، رفضت الشروحات التي قدمتها الأمانة العامة للحزب.
وشددت المصادر التي حضرت الدورة الاستثنائية لبرلمان الحزب على أن المتدخلين اعتبروا ما قدمته القيادة السياسية لا يعدو كونه خطاباً "تبريرياً" للفشل الكبير.
المداخلات اعتبرت أن المسؤول الأول والأخير عن هذه النتائج الكارثية هي القيادة السياسية التي قبلت كل المقدمات الممكنة لهذه الهزيمة المدوية، ولم تبدِ الحد الأدنى من المقاومة.
وأكدت المصادر ذاتها أن طريق الهزيمة تم تدشينه في القوانين الانتخابية التي لم يعترض عليها رئيس الحكومة والحزب، ولا قيادته السياسية، وبالتالي فالمشكلة كامنة في الحزب الذي عجز عن قراءة أهداف تغيير القوانين الانتخابية، وانعكاسها على الحزب.
وفي نقطة "البيان الختامي"، كانت هناك أصوات ترفض فكرة البيان الختامي من أساسه، معتبرة أن الموقف السياسي من الانتخابات مسؤولية الأمانة العامة، هي التي دبرت المرحلة، وهي القيادة السياسية للحزب، وأن المجلس الوطني لا ينبغي له الدخول في هذه المتاهة.
هذا الموقف اصطدم بالدعوة إلى التصويت، حيث حسم الأمر لصالح إصدار بيان ختامي، شددت المداخلات على ضرورة تضمين مسؤولية الأمانة العامة التقصيرية في هذه النتائج.
النقطة الخلافية الثالثة، وهي المتعلقة بـ"تزوير الانتخابات"، هذه النقطة وإن كان الأمين العام قد لمح إليها في التقرير السياسي، إلا أن بعض المداخلات أرادت تضمينها في البيان الختامي لبرلمان العدالة والتنمية.
وشددت المصادر على أن هذا الموقف واجه رفضاً كبيراً من قبل عدد من أعضاء الأمانة العامة، كما أعضاء مكتب المجلس الوطني، وعدد من القيادات التاريخية في الحزب، حيث شددت جميعها على رفض هذه الفكرة من الأساس.
واتفقت تلك القيادات على أن تحميل الخارج مسؤولية الأزمة التي يعيشها الحزب، انقلاب على قيم الحزب وقدراته على النقد الذاتي، كما أن أي اتهام للدولة بهذا الشكل المباشر قد يكون سبباً في متاعب للقيادة المقبلة للحزب.
نقطة أخرى تمثلت في انتخاب رئاسة المؤتمر الوطني القادم، إذ اعترضت أصوات على هذا الاقتراح، واعتبرته مخالفاً لقوانين الحزب، التي تقول إن انتخاب لجنة المؤتمر تكون في حالة المؤتمر "العادي"، وتستمر في عملها إلى المؤتمر "العادي" المقبل، وتستمر في عملها في المؤتمرات الاستثنائية.
هذا الرأي رفض بشدة، وتم المرور إلى التصويت الذي انتخب رئاسة للمؤتمر، حيث انتخب، مدير ديوان رئيس الحكومة السابق، وعمدة مدينة سلا السابق، جامع المعتصم، كما تم تحديد تاريخ المؤتمر في 24 تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
قبول الهزيمة
هاجم المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية في دورته الاستثنائية تدبير وزارة الداخلية للانتخابات الأخيرة، واعتبرها تمثل "انتكاسة لمسار التجربة الديمقراطية" في المغرب.
بيان المجلس الوطني الذي حصل "عربي بوست" على نسخة منه، هاجم الضغوطات التي مورست على مناضلي ومرشحي الحزب من طرف بعض الخصوم السياسيين، وانخرط فيها بشكل مؤسف بعض رجال السلطة، والتي تتنافى مع مبادئ الحياد، وأُسس وقواعد التنافس الشريف التي ينبغي أن تطبع كل استحقاق انتخابي حر ونزيه".
واستنكر "المجلس الوطني الخروقات والاختلالات التي شهدتها هذه الانتخابات، سواء ما تعلق بالتعديلات التراجعية التي طالت القوانين الانتخابية، أو ما ارتبط بالتشطيبات والتسجيلات المكررة بمناسبة المراجعة الاستثنائية للوائح الانتخابية، أو الاستعمال الكثيف للمال، أو التلاعب بالمحاضر، وعدم تسليم بعضها، وتسليم بعضها الآخر خارج مكاتب التصويت، أو التوجيه المباشر للناخبين يوم الاقتراع، أو التأخر غير المبرر في الإعلان عن أسماء الفائزين، وعدم الكشف لحد الآن عن النتائج التفصيلية وتوزيع الأصوات".
واعتبر برلمان العدالة والتنمية أن هذه الممارسات "وغيرها من أشكال الإفساد الانتخابي التي أفضت إلى إعلان نتائج لا تعكس حقيقة الخريطة السياسية والإرادة الحرة للناخبين وتشكل انتكاسة لمسار تجربتنا الديمقراطية ولما راكمته بلادنا من مكتسبات في هذا المجال".
كما شكر المجلس في هذا السياق المواطنات والمواطنين الذين صمدوا وصوتوا بقناعة وحرية.