لم يُوفر جهاز المخابرات الإسرائيلي "الشاباك" التفاصيل الكاملة والحقيقية حول عملية اعتقال الأسيرين الآخرين الهاربين من سجن جلبوع الاسرائيلي، مناضل انفيعات وأيهم كممجي.
المعلومات غير المكتملة التي قدمتها الرواية الإسرائيلية فتحت الباب أمام تساؤلات فرضتها المُعطيات الجديدة، حول عملية اعتقال المجموعة الأخيرة من أسرى "نفق الحرية".
فلماذا انتقل الأسيرين من مخيم جنين إلى شقة شرق البلاد؟ وهل استطاعت إسرائيل فعلاً تحديد مكانهما؟ وهل ساعد طرف من داخل فلسطين الأمن الإسرائيلي لاعتقال الأسيرين؟
لماذا خرج مناضل وأيهم من المخيم؟
لعلّ التساؤل الأبرز المُثار هو: لماذا قرر الأسيران مناضل انفيعات وأيهم كممجي الخروج من المخيم بشكل مُفاجئ إلى شقة أخرى في الحي الشرقي لمدينة جنين قبل ساعات من اقتحام القوات الإسرائيلية الخاصة للحي وتنفيذ عملية الاعتقال السريعة في غضون ساعة؟
أيضاً لماذا قرر "الشاباك" ألا يُفرج عن سبب خروج الأسيرين من المخيم بالرغم من معرفته به؟ الأمر الذي يؤكد أن شخصاً على مقربة ومتابعاً عن كثب لمكان وجود الأسيرين بالمخيم، قد سرب المعلومات للأمن الإسرائيلي.
مصدر مطلع كشف لـ"عربي بوست" أن خروج الأسيرين من المخيم تم ليلة السبت 18 سبتمبر/أيلول 2021، وإسرائيل كانت تعلم بدقة على مدار عشرة أيام بالشقة التي يتواجد بها مناضل انفيعات في مخيم جنين؛ أي منذ الجمعة قبل الماضي، قبل أن ينضم إليه زميله أيهم كممجي بعد ستة أيام من وصول الأول للمخيم.
وعللّ الاحتلال عدم اقتحام المخيم لاعتقالهما؛ بـ"أن هذا سيكلف الكثير"، وهو ما يعني أنه يحتاج لإخراج الأسيرين انفيعات وكممجي من المخيم إلى مدينة جنين، لتكون عملية الاعتقال سهلة ونتيجتها "صفر من الأضرار" لكل الأطراف.
ورجَّحت مصادر "عربي بوست" أنّ خروج الأسيرين كان بسبب نصيحة حصلا عليها تفيد بضرورة الخروج، وبين وصولها لقناعة بهذه الخطوة، لأسباب مختلفة؛ بينها شعورهما أن مكانهما أصبح مكشوفاً، وأن هناك توجساً تولّد لديهما من "شوشرة شعبية" في محيطهما ربما أدت إلى كشفهما، علاوة على مخاوفهما مِن أن يجلب ذلك ضرراً للمخيم.
تفاصيل ليلة الاعتقال
كان من المفروض أن ينتقل الأسيران، أيهم ومناضل إلى منزل آخر في ضواحي جنين، لكن سرعان ما تم تحديد الوجهة نحو منزل كائن في الحي الشرقي للمدينة، ويمتاز هذا الحي بأنه ضيق وفيه كثافة سكانية.
انتقال الأسيرين الفلسطينيين طرح سؤالاً: هل الأمر يتعلق بنصيحة قدمها أحد المقربين لهما خدمة لإسرائيل لتسهيل عملية الاعتقال السلس، عبر تضييق الخناق على الأسيرين في منزل يضمن عدم وجود أي ثغرة تمكنهما من الإفلات أثناء عملية المحاصرة؟
مصدرٌ فلسطينيٌّ مقيم في أراضي 48 كشف لـ"عربي بوست" أن خبر اعتقال الأسيرين، تلقاه عن طريق الفضائيات العربية، عند الساعة 12:26 ظهر السبت، والتي أُعلنت من خلالها اعتقال الأسيرين وأنهما بصحة جيدة.
تسريب عملية الاعتقال قبل وقوعها يطرح سؤالاً آخر وهو ما العلاقة الغريبة بين بث الخبر قبل ثلاث عشرة ساعة من لحظة الاعتقال الفعلي؟.. وهل كان "التسريب" بمثابة محاولة من قبل جهة فلسطينية ما، لإلزام إسرائيل بعدم المساس بحياة الأسيرين عندما تتم عملية الاعتقال؟
وكشف مصدر لـ"عربي بوست" أن السلطة الفلسطينية ومعها جهة في جنين، كان لهما دور معين في عملية الاعتقال "الآمنة" في جنين، وذلك بما يحفظ مصلحة جميع الأطراف ذات العلاقة.
وأضاف المصدر ذاته مبيناً أن السلطة دخلت في مفاوضات مع إسرائيل طيلة الأيام الماضية في هذا الجانب لتلافي أي عواقب مُضرة للاعتقال، لكن لم يُعرف تحديداً طبيعة الدور الذي لعبته السلطة في هذا الموضوع بموجب المحادثات.
هل مِن دورٍ فلسطيني في الاعتقال؟
كشفت مصادر لـ"عربي بوست" أن عملية الاعتقال لعبت السلطة وجهات محلية في جنين دوراً باتجاه الاعتقال دون إحداث أي ضرر لمخيم جنين أو المساس بحياة الأسيرين، خاصة أنه لا مصلحة للسلطة الفلسطينية بحدوث أي تصعيد.
وزعم جهاز "الشاباك" أنه اعتمد تكنولوجيا "فائقة" في عملية تحديد مكان الأسيرين كممجي وانفيعات، فإن خبراء فلسطينيين في مجال الأمن أفادوا لـ"عربي بوست"، أن التكنولوجيا الأمنية حتى لو كانت دقيقة، فإنها تحتاج إلى جهد معلوماتي بشري قريب من الأسيرين.
وأضافت المصادر ذاتها أن التكنولوجيا الفائقة تقدم نسبة مئوية معينة من تحديد الموقع، لكن لا تكتمل النسبة بدرجة عالية عندما يتم الحديث عن منزل في مكان ضيق جداً وبه كثافة سكانية عالية، ناهيك عن سرعة تحرك القوة الإسرائيلية الخاصة في وقت قياسي مع انتقال الأسيرين من المخيم إلى شرقه.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الأسيرين خضعا لعملية مراقبة شديدة، الأمر الذي احتاج مساعدة للحصول على معلومة من داخل جنين، وربما في سياق صفقة لإنجاح عملية الاعتقال دونما خسائر.