أصدر المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار مذكرة توقيف غيابية بحق وزير سابق، بعد تخلّفه عن حضور جلسة استجواب كانت محددة الخميس 16 سبتمبر/أيلول 2021، وفق ما أفاد به مصدر قضائي لبناني لوكالة فرانس برس.
جاء إصدار المذكرة غداة دعوة 145 جهة من منظمات حقوقية لبنانية ودولية وناجين وعائلات الضحايا مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى إنشاء بعثة تحقيق دولية مستقلة ومحايدة، وسط مخاوف من ضغوط سياسية متزايدة تعرقل تقدّم التحقيق المحلي.
امتناع الوزير عن المثول للتحقيق
قال المصدر لفرانس برس إن بيطار أصدر مذكرة توقيف غيابية بحق وزير الأشغال العامة والنقل السابق يوسف فنيانوس "بعد امتناعه عن المثول أمامه لاستجوابه اليوم (الخميس)، رغم تبلغه موعد الجلسة وفق الأصول".
تولى فنيانوس (57 عاماً)، وهو محامٍ مقرب من زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، مهامه الوزارية في الفترة الممتدة بين عامَي 2016 و2020.
بينما أدى انفجار ضخم في مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020، عَزَته السلطات إلى تخزين كميات كبيرة من نترات الأمونيوم من دون إجراءات وقاية، إلى مقتل 214 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، فضلاً عن دمار واسع ألحقه بالمرفأ وأحياء في العاصمة.
تبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة سياسية وأمنية وقضائية كانوا على دراية بمخاطر تخزين هذه المادة ولم يحركوا ساكناً.
استجواب دياب في قضية مرفأ بيروت
حدد بيطار في تموز/يوليو موعداً لاستجواب رئيس الحكومة السابق حسان دياب، كما طلب من البرلمان رفع الحصانة عن ثلاثة نواب تولوا سابقاً مناصب وزارية هم: علي حسن خليل (المال)، وغازي زعيتر (الأشغال) ونهاد المشنوق (الداخلية) "تمهيداً للادعاء عليهم والشروع بملاحقتهم".
كما طلب بيطار من نقابة المحامين في طرابلس (شمال) منحه الإذن لملاحقة فنيانوس، ومن وزير الداخلية منحه الموافقة للادعاء على المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم.
لم يحضر أي من المسؤولين المذكورين إلى جلسات الاستجواب، مع رفض الجهات المعنية طلبات بيطار الذي يواجه اتهامات متزايدة بـ"التسييس" من قوى سياسية رئيسية على رأسها حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز، وتجمّع رؤساء الحكومات السابقين، بينهم زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، خصوصاً منذ ادعائه على دياب.
قبل أيام، غادر دياب الذي كان من المقرر أن يستجوبه بيطار الإثنين المقبل إلى الولايات المتحدة، في زيارة عائلية، رغم صدور مذكرة إحضار بحقّه، ما يعني أنه سيتغيب مجدداً عن جلسة الاستجواب.
"مخالفة فاضحة"
إثر صدور مذكرة التوقيف، قال محامي فنيانوس، نزيه الخوري، لفرانس برس الخميس: "ما حصل اليوم مخالفة فاضحة للقانون والأصول القضائية، ونحن كفريق دفاع بصدد دراسة الخيارات التي قد نلجأ إليها في الأيام المقبلة والتي يتيحها لنا القانون".
يخشى مراقبون من أن تؤدي الضغوط السياسية إلى عزل بيطار، على غرار ما جرى مع سلفه القاضي فادي صوان الذي جرت تنحيته بعد ادعائه في كانون الأول/ديسمبر على دياب وثلاثة وزراء سابقين، بينهم فنيانوس، في خطوة أثارت امتعاضاً سياسياً، ولم يمثل أي منهم أمامه.
كما ندّدت المنظمات الحقوقية وعائلات الضحايا والناجين في رسالة مشتركة إلى الأمم المتحدة نشرتها، الثلاثاء، بمحاولة القادة السياسيين "التشكيك في حيادية" بيطار واتهامه بأنه "مُسيّس". وشدّدت على أن "تقاعُس التحقيق المحلي عن ضمان المحاسبة يُبيّن بوضوح ثقافة إفلات المسؤولين من العقاب التي طالما وُجدت في لبنان".
أضافت: "عرقلة السلطات المخزية لمسعى الضحايا إلى معرفة الحقيقة وإحقاق العدالة تُعزز الحاجة إلى تحقيق دولي في تقاعس الدولة اللبنانية عن حماية الحق في الحياة".