أثار تحقيق أجرته صحيفة The New York Times، شكوكاً حول رواية واشنطن عن غارة نفذتها القوات الأمريكية بطائرة مسيّرة على سيارة في العاصمة الأفغانية كابول، بعدما ظن مسؤولون أمريكيون أنها تحوي متفجرات تخصّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وأنها تشكل تهديداً وشيكاً للجنود في مطار كابول.
التحقيق الذي نشرته الصحيفة، الجمعة 10 سبتمبر/أيلول 2021، يعتمد على أدلة مستمدة من مقاطع فيديو، إلى جانب مقابلات مع ما يزيد على 10 من زملاء سائق السيارة وأفراد أسرته في كابول.
الصحيفة قالت إن سائق السيارة يدعى زيماري أحمدي (43 عاماً)، وكان يعمل منذ عام 2006 مهندساً كهربائياً في منظمة التغذية والتعليم الدولية N.E.I، وهي منظمة إغاثية مقرها كاليفورنيا، مشيرةً إلى أنه في صباح يوم الضربة اتصل مدير أحمدي به من المكتب حوالي الساعة 8:45 صباحاً، وطلب منه إحضار حاسوبه المحمول.
المدير الذي تحدث في مقابلة في مكتب المنظمة في كابُول شريطة عدم الكشف عن اسمه، قال: "سألته إن كان لا يزال في المنزل، ورد بالإيجاب".
بحسب أقارب السائق أيضاً الذين كانوا يعيشون معه في منزل قرب مطار كابول، قالوا إن أحمدي غادر ذلك الصباح للذهاب إلى عمله حوالي الساعة 9 صباحاً في سيارة كورولا بيضاء طراز عام 1996 مملوكة للمنظمة التي يعمل لديها.
بعد أن توقف أحمدي لتناول الإفطار بصحبة شخصين يقلهما في سيارته، وصلوا إلى مكتب المنظمة، الذي سجلت كاميراته الأمنية مقطع فيديو حصلت عليه صحيفة The New York Times لوصولهم في الساعة 9:35 صباحاً.
في وقت لاحق من صباح ذلك اليوم، أقل أحمدي بعض زملائه إلى مركز شرطة تحتله طالبان في وسط المدينة لطلب الإذن بتوزيع الطعام على اللاجئين في حديقة قريبة. وعاد أحمدي ورفاقه الثلاثة إلى المكتب حوالي الساعة 2 ظهراً.
طائرة تعقّبت أحمدي
وفقاً لما سجلته الكاميرا، خرج أحمدي بعد نصف ساعة، وهو يحمل خرطوماً تتدفق منه المياه. وملأ منه عدة أوعية بلاستيكية بمساعدة الحارس، ووفقاً لزملائه في العمل، توقفت إمدادات المياه في الحي الذي يقطن به أحمدي بعد انهيار الحكومة وكان يحضر المياه إلى المنزل من المكتب.
الصحيفة الأمريكية نقلت عن الحارس قوله: "ملأت الأوعية بنفسي، وساعدته في وضعها في حقيبة السيارة".
في الساعة 3:38 عصراً، حرك الحارس وزميل آخر لأحمدي السيارة إلى الأمام قليلاً في مدخل المنظمة. وتوقف تسجيل الكاميرا بعد فترة وجيزة، حين أغلق المكتب موّلده في نهاية يوم العمل، واستقل أحمدي وثلاثة أشخاص السيارة للعودة إلى المنزل.
أما المسؤولون الأمريكيون فقالوا إنه في هذا الوقت تقريباً، تعقبت الطائرة المسيرة أحمدي حتى وصوله إلى مُجمَّع على بعد حوالي ثمانية أو 12 كيلومتراً جنوب غرب المطار، وتتطابق هذه البيانات مع موقع مكتب المنظمة الأمريكية.
أضاف المسؤولون أن الطائرة هناك رصدت أحمدي وثلاثة أشخاص آخرين وهم يضعون عبوات ثقيلة في السيارة، وظنوا أنها ربما تحوي متفجرات.
لكن ركاب السيارة الثلاثة قالوا إنه لم يكن معهم سوى جهازي كمبيوتر محمول، وكانوا يضعونهما داخل السيارة، وإن حقيبة السيارة لم تكن تضم سوى العبوات البلاستيكية المليئة بالمياه. وقد نفى الركاب الثلاثة، في مقابلات منفصلة، وضع متفجرات في السيارة.
أوصل أحمدي رفاقه الثلاثة إلى منازلهم، ثم توجه إلى منزله القريب من المطار. وقال الراكب الأخير: "دعوته للدخول قليلاً، لكنه قال إنه متعب".
قصف المنزل
حين دخل أحمدي فناء منزله -الذي قال المسؤولون إنه مختلف عن منزل داعش الآمن المزعوم- اتخذ قائد العمليات التكتيكية قراره بضرب سيارته بصاروخ هيلفاير حوالي الساعة 4:50 مساءً.
برر المسؤولون العسكريون الأمريكيون فعلتهم بالإشارة إلى انفجار أكبر وقع بعد ذلك، إذ قال رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، الأسبوع الماضي: "وقعت انفجارات ثانوية، ولهذا السبب خرجنا باستنتاج منطقي بأن هذه السيارة كانت تحمل متفجرات".
لكن فحصاً لمكان الضربة، أجراه فريق التحقيقات البصرية في صحيفة The New York Times ومراسل للصحيفة في صباح اليوم التالي، أعقبته زيارة ثانية بعد أربعة أيام، لم يجد دليلاً على وقوع انفجار ثانٍ أشد قوة.
ورغم تصريح الجيش الأمريكي بسقوط ثلاث ضحايا مدنيين فقط، قال أقارب أحمدي إن 10 أفراد من عائلتهم، بينهم سبعة أطفال، قُتلوا في الغارة: أحمدي وثلاثة من أبنائه: زمير (20 عاماً)، وفيصل (16 عاماً)، وفرزاد (10 سنوات)، وناصر ابن عم أحمدي (30 عاماً)، وثلاثة من أبناء رومال، شقيق أحمدي، أروين (7 سنوات)، وبنيامين (6 سنوات)، وحياة (سنتان)؛ وفتاتان في الثالثة من العمر، مليكة وسمية.
كذلك أكد جيران أحمدي ومسؤول صحي أفغاني أن جثث أطفال نُقلت من المكان، وأضافوا أن الانفجار مزّق أجساد معظم الضحايا، وشاهد أحد المراسلين بقايا بشرية داخل المجمع وحوله في اليوم التالي. وعرض أقارب أحمدي صوراً لعدد من جثث أطفال محترقة بالكامل.