صلح غير معلن بين المغرب وإسبانيا.. ما أبرز الملفات التي ذوَّبتها المفاوضات المباشرة بين الجارتين؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/29 الساعة 11:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/06 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش
ملك المغرب محمد السادس، وملك إسبانيا (عربي بوست)

كدخان أبيض عكَس خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس نهاية أزمة بلاده الأخيرة بين المغرب إسبانيا، والتي كانت بحق الأكثر خطورة، وهو ما وافقه فيه رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، الذي سارع إلى الترحيب بمضامين الخطاب.

الأزمة التي انطلقت مع إدخال إسبانيا قائد جماعة البوليساريو (تدعو لفصل الصحراء عن المغرب) بطريقة "سرية" إلى إسبانيا لتلقي العلاج، وهو ما دفع المغرب للرد من خلال السماح لحوالي 10 آلاف مهاجر بالعبور إلى مدينة سبتة الحدودية. 

استمرار المفاوضات بين المغرب وإسبانيا

علم "عربي بوست" أن الرباط ومدريد رغم سحب الأولى سفيرها للتشاور، فقد ظلوا على تواصل أفضى إلى هذا التقدم الذي تم التعبير عنه في خطاب ملك المغرب، وفي جواب رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز. 

مصادرنا كشفت أن المفاوضات لم تتوقف بين البلدين، وأنها انتقلت بين مرحلتين، الأولى كانت عبر وسطاء، أبرزها ممثل السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، وكذلك وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان.

وأوضحت المصادر أن المرحلة الثانية كانت أكثر أهمية؛ إذ باشر الطرفان حواراً مباشراً بعيداً عن الوسطاء، وهذا التحول طرأ بعد قرار المغرب السماح بعودة مئات القاصرين المغاربة من إسبانيا إلى ديارهم.

وكان الملك محمد السادس قد أمر، في 30 أيار/مايو 2021، وزارتي الخارجية والداخلية، باستعادة القاصرين المغاربة الموجودين في إسبانيا وجميع الدول الأوروبية، بعدما تحول ملفهم إلى نقطة ضعف ضد المغرب.

هذا العرض المغربي، الذي وصفته مصادر "عربي بوست" بمبادرة "حسن النوايا" ردت عليها إسبانيا بتعديل حكومي مصغر، راحت ضحيته وزيرة الخارجية أرانشا غونزايس لايا.

وكانت وكالة الإسبانية "إيفي" (رسمية) قد أعلنت شهراً واحداً بعد قرار المغرب إرجاع القاصرين، وبالضبط في فاتح تموز/يوليو الماضي عن "إعفاء مرتقب" لوزيرة الخارجية في التعديل الحكومي القادم، وهو ما تأكد في 10 تموز/يوليو بشكل رسمي.

وزادت المصادر الدبلوماسية أن إرجاع القاصرين وإعفاء "لايا"، دفعا البلدين إلى الانتقال من الحوار عبر الوسطاء، إلى اللقاءات المباشرة لتذويب الخلافات.

ملفات حارقة 

منذ توليه حقيبة الخارجية الإسبانية، أعلن خوسي مانويل ألباريس في عدد من التصريحات الصحفية، أن حكومة بلاده بصدد مراجعة شاملة للعلاقات مع المغرب.

في هذا الاتجاه أكدت مصادر "عربي بوست" أن الرباط ومدريد اتفقتا على الهدوء في تدبير هذا الحوار، والأهم حل الملفات العالقة بين البلدين، بشكل لا يفتح المجال لأي توتر في المستقبل.

وتابعت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن إسبانيا أعلنت في جلسات التفاوض المباشر مع الرباط أنها ترفض التعامل مع الأزمة الأخيرة على أنها "سحابة صيف"، وبالتالي هي حريصة على التعامل معها كعنوان لخلافات كبيرة بين الطرفين.

الرؤية الإسبانية وافقت المطالب المغربية التي تريد بدورها مراجعة شاملة لهذه العلاقة، وهذا كان واضحاً في خطاب الملك الأخير، الذي تحدث عن تحويل الأزمة إلى "فرصة لإعادة النظر في الأسس والمحددات، التي تحكم هذه العلاقات"، تقول المصادر.

وتابعت أن أهم ملف في هذه المراجعة هو قضية الصحراء، إذ يسعى المغرب إلى اعتراف إسباني بسيادته عليها، بينما ترفض مدريد هذا الأمر، وتتشبث بالمسار الذي ترعاه الأمم المتحدة.

وأفادت المصادر بأن المغرب يريد الحياد من الجارة الشمالية، كحد أدنى، وعدم الاعتراض على مساعيه في جمع الاعتراف بمغربية الصحراء، وهو الموضوع الذي يشغل حيزاً كبيراً من التباين بين الطرفين، وبالتالي يحتاج وقتاً لحله.

مدينتا سبتة ومليلية المحتلتان أصبحتا جزءاً من المفاوضات بين الجانبين، والسبب كان الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها سكان المنطقة المغربية، تماماً كما المنطقة الخاضعة للسلطات الإسبانية.

فالمغرب يفرض حصاراً اقتصادياً على المدينتين اللتين تنشطان في تجارة التهريب، كما أن المناطق المغربية المحيطة بهما تعاني الهشاشة والفقر، وهو ما جعل أبناء تلك المناطق على استعداد لاستغلال أي هفوة أو فراغ أمني لاقتحام المدينتين والهجرة، كما جرى في أيار/مايو الماضي.

في هذه النقطة يريد المغرب أن تعالج إسبانيا هذه المشكلة من خلال التعاون بين البلدين، بخلاف التوجه الإسباني السابق الذي راهن على حل الأزمة من خلال الاتحاد الأوروبي، تضيف المصادر.

وأوضحت المصادر، نقطة أخرى يبحثها الطرفان، وهي المتعقلة بالخط البحري بين الجانبين الذي علقه المغرب في حزيران/يونيو الماضي احتجاجاً على مدريد، حيث أبدى المغرب استعداداً لتليين موقفه تماشياً مع تطورات النقاط الأخرى. 

عودة السفيرة 

تستعد السفيرة المغربية، كريمة بنيعيش، إلى العودة إلى مدريد، هكذا تجمع المصادر المختلفة، كعربون طي ملف الخلافات المغربية الإسبانية، وجعلها جزءاً من الماضي.

وكانت وزيرة الخارجية المغربية قد استدعت، في 18 أيار/مايو 2021، السفيرة المغربية في مدريد، كريمة بنيعيش للتشاور، حيث ظلت في الرباط منذ ذلك التاريخ.

مصادر "عربي بوست" كشفت أن كريمة بنيعيش بعد استدعائها إلى الرباط، ظلت ممسكة بملف المفاوضات مع مدريد، وتواصل الإشراف على العلاقات مع إسبانيا من الرباط.

واعتبرت المصادر أن كريمة بنيعيش دبَّرت المفاوضات وأجرت اتصالات مع كل من السفير الإسباني بالرباط، ومساعدة وزير الخارجية الإسباني لشؤون المغرب العربي.

المصادر ربطت بين كريمة بنيعيش التي نشأت داخل القصر الملكي، وبين إشرافها على الملف الإسباني، وبين الخطاب الملكي الذي قال فيه العاهل المغربي: "لقد تابعت شخصياً، وبشكل مباشر، سير الحوار، وتطور المفاوضات.

وفي هذا الاتجاه، أكدت المصادر أن الرباط متشبثة بعودة السفيرة بنيعيش إلى مدريد، كما أن حكومة بيدرو سانشيز ليست متمسكة برحيلها، وأن عودتها تعني ترتيب زيارات بين وزراء خارجية البلدين، مرجحة أن تقوم إسبانيا بالخطوة الأولى. 

وبحسب ردود فعل مواقع التواصل الاجتماعي، فإن المغاربة يأملون في نهاية قريبة لسوء الفهم مع الجارة الشمالية، يطوي واحداً من أسوأ الخلافات في تاريخهما بسبب استقبال قائد انفصاليي البوليساريو.

تحميل المزيد