تنطلق السبت 28 أغسطس/آب 2021، في بغداد، أعمال مؤتمر دولي نجح العراق من خلاله في جمع دول الجوار وقوى دولية على طاولة واحدة، إذ من المفترض مشاركة السعودية وإيران وتركيا والإمارات بوفود متوازنة، كما وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبغداد أمس للمشاركة في المؤتمر.
بحسب السلطات العراقية فإن الهدف من مؤتمر بغداد هو بناء شراكات اقتصادية وتعزيز التعاون السياسي والأمني مع الدول المشاركة.
من جانبه، أكد الرئيس العراقي برهم صالح أهمية دعم بلاده اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، باعتبارها عنصراً رئيسياً في التوازنات الإقليمية.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وصل ليلة الجمعة إلى مطار بغداد الدولي، حيث كان في استقباله رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ومن المقرر أن يزور ماكرون غداً الأحد مدينتي الموصل وأربيل.
وفي أول تصريحات له السبت أعلن ماكرون أن بلاده تقف إلى جانب العراق في مواجهة التحديات ومكافحة الإرهاب، مؤكداً أن التعاون الاقتصادي مع العراق سيتواصل في المجالات المختلفة.
وحدد المتحدث الرسمي باسم المؤتمر، نزار الخير الله، أسماء الدول التي ستشارك في المؤتمر، وهي دول الجوار العراقي تركيا وإيران والسعودية والكويت والأردن، ومصر وقطر والإمارات، إضافة إلى فرنسا، وممثلين عن جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي.
ونوّه إلى أن الدول دائمة العضوية وممثلين عن الاتحاد الأوروبي ودول العشرين "سيكونون مراقبين في المؤتمر وليسوا مشاركين فيه".
ملفات سياسية واقتصادية
وفقاً لما تتناقله وسائل إعلام محلية وأجنبية عن مسؤولين عراقيين، فإن المؤتمر سيركز على مناقشة عدد من الملفات لإعادة الاستقرار إلى المنطقة وخفض مستوى التوترات بين دولها، وبشكل خاص إيران والسعودية.
لكن وزارة الخارجية العراقية استبعدت أن يكون على جدول أعمال المؤتمر "بحث القضايا الإقليمية"، إنما سيركز على "التعاون والتكامل الاقتصادي بين العراق والدول الأخرى، بما يبعث برسائل إيجابية للمؤسسات المعنية بالتنمية الاقتصادية وجلب رأس المال".
كما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين عراقيين أن المؤتمر سيركز على أزمة المياه الإقليمية والأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان والحرب في اليمن، وكذلك التطورات الأخيرة في أفغانستان.
ويتطلع العراق حسب تصريحات رئيس وزرائه إلى أن يخرج المؤتمر بنتائج تقود إلى تكامل اقتصادي واجتماعي بين شعوب المنطقة، بما ينسجم مع رؤية العراق في ضرورة إقامة أفضل العلاقات مع محيطه ومع دول العالم، وبما يجعله جسراً للتواصل والتعاون بين جميع دول المنطقة.
حضور المؤتمر
من المتوقع حضور ملك الأردن عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بالإضافة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي بات مؤكداً حضوره شخصياً إلى بغداد.
تشير تقارير غير رسمية إلى أن أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني سيمثل بلاده في المؤتمر، ومن المحتمل أن يكون مستوى تمثيل دولة الإمارات بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، إلى جانب رئيس الوزراء الكويتي ووزراء خارجية تركيا وإيران والسعودية.
وأشارت تقارير أخرى إلى احتمال حضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ممثلاً لبلاده، بينما سيمثل سفراء دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي دولهم في المؤتمر.
أهداف ومتغيرات
يحاول الكاظمي إبراز دور العراق كدولة فاعلة في محيطها الإقليمي، يمكن لها أن تلعب دور "الوسيط" لحل الأزمات العالقة بين دول جواره العربية والإقليمية.
كما سيحاول في المؤتمر عكس صورة مغايرة للصورة النمطية عن العراق، الذي لم يعد ثمة خلاف على أن أراضيه باتت بيئة خصبة للتدخلات الخارجية والنفوذ الإقليمي الإيراني على وجه التحديد، إضافة إلى العجز عن معالجة الأزمات الداخلية المتراكمة، الاقتصادية والأمنية.
وشهد العام 2021 متغيرين رئيسيين يلعبان دوراً أساسياً في صياغة تحالفات دول المنطقة وإعادة بناء علاقاتها مع بعضها البعض، بعد وصول الرئيس جو بايدن للبيت الأبيض، وسياساته في الانسحاب التدريجي من ملفات المنطقة، وصعود حركة "طالبان" إلى السلطة في أفغانستان، والتداعيات المحتملة على استقرار دول المنطقة وأمنها.
كما أن بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة، التي ستشارك في المؤتمر، تتخوف من احتمالات توصل واشنطن إلى اتفاق مع إيران حول ملفها النووي، دون الأخذ بالحسبان ما يتعلق بالتهديدات المحتملة للبرنامج الإيراني لتطوير الصواريخ البالستية على هذه الدول.
إيران والسعودية
وتتجه أنظار المراقبين إلى مستوى تمثيل كل من إيران والسعودية في المؤتمر.
ويستثمر العراق موقعه الجغرافي العازل بين إيران والسعودية أولاً، وكونه ممراً لنشاطات الحرس الثوري الإيراني في لبنان وسوريا ثانياً، ووجود جماعات شيعية مسلحة حليفة لإيران تنشط في تهديد أمن السعودية بتوجيهات إيرانية ثالثاً.
وهناك عوامل أخرى تجعل من العراق بلداً فاعلاً في التوترات بين السعودية وإيران، وإمكانية أن يلعب دوراً في تقريب وجهات نظر البلدين، بعد إشارات واضحة برغبتهما في تطبيع العلاقات الثنائية، أو على الأقل تخفيف حدة التوترات بينهما.
سبق للعراق أن استضاف خلال أبريل/نيسان الماضي عدة جولات من المباحثات بين إيران والسعودية، مع تطلع الدولتين إلى مزيد من اللقاءات والمباحثات لخفض التوتر في علاقاتهما، منذ قطع الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران أوائل 2016، بعد إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر.
وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صرح في 28 أبريل/نيسان الماضي، أن بلاده ترغب في إقامة علاقات "طيبة ومميزة" مع إيران، التي أبدى رئيسها الجديد "إبراهيم رئيسي" في حفل تنصيبه رئيساً لإيران، 5 أغسطس/آب، مدّ يد الصداقة والأخوة لدول الجوار، ورغبة بلاده في حل أزمات المنطقة عبر إجراء حوار إقليمي.
من المرجح أن يركز العراق على رفضه أن تكون أراضيه ساحة لتصفية الحسابات أو الصراعات بين الدول، أو أن تكون أراضيه منطلقاً للعدوان على دول أخرى، مثل الضربات التي تعرضت لها السعودية.
ويمكن للحكومة بدلاً من مناقشة مثل هذه القضايا في مؤتمر دولي أن تتخذ إجراءات معينة للحد من مثل هذه الصراعات، التي تُنفذها في الغالب مجموعات شيعية مسلحة مرتبطة بإيران، وتتبع رسمياً للحكومة العراقية.