السقوط المفاجئ لكابول في قبضة حركة طالبان وسيطرتها على كامل أفغانستان تقريباً، جعل إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في ورطة بسبب المتعاونين الأفغان الذين عملوا إلى جانب القوات الأمريكية طيلة 20 عاماً من الحرب التي خاضتها واشنطن منذ 2001.
على مدى الأسبوع الحالي، نقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صوراً للوضع الكارثي في مطار كابول الدولي، حيث يحاول آلاف الأفغان الهروب من بلادهم، وبينما نجح البعض في حجز مكان له ضمن الطائرات العسكرية الأمريكية أو غيرها، تسببت محاولة البعض في الفرار بموتهم أو عودتهم خائبين.
آلاف الأفغان في طي النسيان
موقع Axios الأمريكي قال الأربعاء 18 أغسطس/آب 2021، إنه عندما دافع الرئيس بايدن، في الشهر الماضي، عن قراره بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، قدم وعداً قديماً قِدَم الحرب نفسها للأفغان الذين خاطروا بحياتهم لمساعدة القوات الأمريكية.
فقد قال الرئيس: "رسالتنا إلى هؤلاء النساء والرجال واضحة: هناك موطن لكم في الولايات المتحدة، إذا اخترتم ذلك. سنقف معكم كما وقفتم معنا".
لكن قراره بعدم البدء في إجلاء جماعي للمترجمين والمرشدين الأفغان وأقاربهم في وقت سابق من هذا العام، ترك آلاف الأشخاص في طي النسيان، وقد تقطعت بهم السبل في بلد تسيطر عليه حركة طالبان الآن بعد 20 عاماً من الحرب.
كانت إدارة بايدن تسارع جاهدة لإنهاء تراكم آلاف الطلبات الأفغانية للحصول على تأشيرة الهجرة الخاصة إلى الولايات المتحدة (SIV)، التي تتكدس منذ عام بعد تعليق المقابلات الشخصية مع المتقدمين.
سقوط كابول المفاجئ عرقل خططهم
قال اثنان من كبار المسؤولين المطلعين على الوضع لموقع Axios إنهما شعرا أنهما بدآ في إحراز بعض التقدم، إلى أن سقطت كابول فجأة.
قد تكون روايات هذين المسؤولين عن العوائق البيروقراطية والصحية والأمن القومي، التي تنطوي عليها حماية بعض مواطني أفغانستان الأضعف والأكثر استحقاقاً بمثابة تمهيد لإفادات قادمة، في الوقت الذي يطالب فيه المشرعون والشعب الأمريكي بإجابات حول الانسحاب الأمريكي الفاشل من أفغانستان.
تحولت على الفور عملية دامت سنوات لحماية الأشخاص الذين عملوا مع القوات الأمريكية على مدى عقدين من الزمن إلى عملية نقل جوي ضخمة ومحمومة، بينما لا يزال الآلاف من الأفغان في طي النسيان.
يترك ذلك الكثيرين عرضة للتعذيب أو الموت على يد حركة طالبان، ويثير التساؤلات حول مصداقية التعهدات الأمريكية.
يقول المدافعون عن اللاجئين إنَّ تضحيات الأفغان من أجل الولايات المتحدة يجب أن تفوق أي خطر سياسي محتمل يأتي مع إعادة التوطين الجماعي.
من جانبها، علقت بيكا هيلر، المديرة التنفيذية لمشروع المساعدة الدولية للاجئين، الذي يعمل مع وزارة الخارجية لمساعدة الأفغان: "هذا غير منطقي تماماً، بالنظر إلى أننا وثقنا في هؤلاء الأشخاص بدرجة كافية لوضع حياة القوات الأمريكية في أيديهم، لكن لا نثق بهم كفاية لجلبهم إلى الأراضي الأمريكية".
لا خطة لإدارة بايدن لحماية المتعاونين
قال المسؤولان، اللذان تحدثا مع Axios، شريطة عدم الكشف عن هويتيهما، إنَّ إدارة ترامب علَّقت المقابلات الشخصية- وهي خطوة حاسمة في عملية طلب التأشيرة- في السفارة الأمريكية في أفغانستان في مارس/آذار 2020؛ بسبب بروتوكولات "كوفيد-19".
لكنهما أشارا إلى أنَّ المقابلات استؤنفت في الأسبوع الثاني من وصول بايدن للرئاسة.
كشف أحد المسؤولين أنَّ شعور "القلق" ساد عندما وجدا أنه "لا توجد خطة من إدارة ترامب حول كيفية نقل المدنيين الأفغان إلى خارج البلاد، على الرغم من أنهم التزموا بمغادرة البلاد بحلول 1 مايو/أيار؛ لذلك بدأنا في بناء خطة من الصفر".
فيما يلوم منتقدون إدارة بايدن على الفشل في الإجلاء؛ إذ قال كريس بوردي، مدير مشروع المحاربين القدامى في منظمة هيومن رايتس فرست: "يقع الفشل في إجلاء حلفائنا فقط على عاتق إدارة بايدن، التي تجاهلت قدامى المحاربين والمدافعين، حتى عندما عرضوا خططاً مفصلة حول كيفية إدارة الإجلاء إلى الأراضي الأمريكية".
خطة بديلة لإجلاء المتعاونين الأفغان
ستعتمد الخطوات التالية للمتقدمين من أفغانستان لتأشيرات الهجرة الخاصة القادرين على الوصول إلى المطار في كابول على موقعهم في عملية التقديم. وقال أحد المسؤولين إنَّ أولئك الذين لم تُجرَ مقابلتهم بعد سيرسلون على الأرجح إلى دول ثالثة مثل قطر أو ألبانيا.
هناك حوالي 20 ألف أفغاني على مسار تأشيرات الهجرة الخاصة. وقالت نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان في إفادة، يوم الأربعاء 18 أغسطس/آب، إنَّ نحو 2000 شخص، بمن في ذلك المتقدمون وعائلاتهم، جاؤوا بالفعل إلى الولايات المتحدة ، وسيصل 800 شخص إضافي في الأيام المقبلة.
تعالت الدعوات إلى تنفيذ عمليات الإجلاء السريعة مع نشر إدارة بايدن موظفين إضافيين في واشنطن والسفارة في أفغانستان، لمعالجة تراكم طلبات الهجرة.
قال أحد المسؤولين إنَّ الإدارة تخلصت من البيروقراطية من خلال تقليص فترات التأخير في فترة نظر الطلبات التي استغرقت إجمالاً عامين في المتوسط عندما جاء بايدن إلى منصبه، والضغط على الكونغرس لتوسيع عدد التأشيرات والتنازل عن متطلبات الفحوصات الطبية.
بيد أنَّ بعض المشرعين، مثل النائب الجمهوري عن ولاية مونتانا، مات روزينديل، أعربوا عن مخاوفهم بشأن تسريع عملية التدقيق.
قال روزينديل في مقابلة: "سنعمل الآن على تطوير إجراء يمكننا من خلاله تقييم آلاف الأفراد ونقلهم إلى الولايات المتحدة؟. وبمجرد استقرارهم هنا، يمكنهم جلب المزيد من أفراد الأسرة. العمل الطيب لا يصنع حلفاء".
رحلة محفوفة بالمخاطر
لم تُصمَّم عملية تأشيرات الهجرة الخاصة لإجراء عمليات إجلاء جماعي لآلاف الأشخاص في وقت واحد من أفغانستان.
على الرغم من أنَّ الولايات المتحدة قد أمّنت مطار كابول واستأنفت رحلات الإجلاء، تظل هذه رحلة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لأولئك الذين لم يصلوا بعد إلى المطار، أو إلى العاصمة.
وبالنسبة للأفغان غير المؤهلين لبرنامج تأشيرات الهجرة الخاصة، فلكي يحصلوا على وضع اللاجئ ذي الأولوية وإعادة توطينهم في الولايات المتحدة، يتعين عليهم مغادرة أفغانستان، وهو إنجاز صعب في ظل سيطرة طالبان على الحدود البرية.
قد يكون لترك الأفغان- وخاصة النساء والفتيات– تداعيات سياسية كبيرة على بايدن.
قال مايكل إيه ماكفول، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة ستانفورد والسفير السابق لدى روسيا خلال إدارة أوباما: "اليوم الذي يبدؤون فيه بقتل النساء في أفغانستان: هذا هو كابوس إدارة بايدن السياسي. تلك الأرقام التي تدعم الانسحاب ضعيفة بدرجة لا تُصدَّق".
كما أضاف: "إذا بدأ قتل أو اعتقال النساء اللواتي حصلن على الدعم المالي من هيئة المعونة الأمريكية، فسيتضاءل هذا الدعم بسرعة، وستندلع موجة غضب من الناس ضد الرئيس".