فجَّرت وفاة وزير الأمن والتوثيق في جبهة البوليساريو (تدعو لانفصال الصحراء عن المغرب)، عبدالله الحبيب بلال جدلاً واسعاً لدى المواطنين المغاربة من أصول صحراوية، سواء اللاجئون الصحراويون في مخيمات تندوف، أو المقيمون جنوب المغرب.
سبب الجدل كان تناقض الروايات، فمن جهة تقول جبهة البوليساريو، إن عبدالله الحبيب بلال مات بسبب مضاعفات وباء كورونا، هذه الرواية تواجه شكوكاً من قِبَل أسرة الراحل، والتي تطالب بتشريح طبي لمعرفة أسباب الوفاة.
أماطت وفاة القيادي في الجبهة اللثام عن الأزمة التي تعيشها البوليساريو، وذلك بسبب الصراع عن القيادة، خصوصاً بعد الوعكة الصحية التي يمر بها الزعيم الحالي، إبراهيم غالي، والتي مازالت مستمرة منذ أشهر.
وفاة غامضة
علمت "عربي بوست" من مصادر خاصة أن "أفراداً من أسرة وزير الأمن الداخلي في جبهة البوليساريو (انفصالية) رفضت فكرة وفاة عبدالله الحبيب بلال بسبب مضاعفات كورونا، خاصة أن الراحل كان يتمتع بصحة جيدة".
وسجلت المصادر أن الابن البكر للقائد العسكري في البوليساريو أبلغ قيادة الجبهة بضرورة إجراء تشريح لجثمان والدهم، رافضاً رواية الموت بسبب فيروس كورونا.
ووفق ذات المصادر، فإن الراحل كان يتلقى علاجه بمستشفى "عين النجعة" في العاصمة الجزائرية، قبل أن تزداد حالته سوءاً فتم نقله إلى أحد مستشفيات إسبانيا، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة.
وقبل وفاته، كان يعاني عبدالله الحبيب بلال من سرطان المثانة (البروستات)، وسبق أن تم نقله في آذار/مارس 2021 إلى مستشفى "الملكة صوفيا" في قرطبة جنوب إسبانيا لتلقي العلاج.
من جهتها أعلنت رئاسة البوليساريو الحداد لمدة أسبوعٍ واحدٍ، كما نعت من وصفته بـ"القيادي والمناضل الصحراوي وزير الأمن والتوثيق عبدالله الحبيب".
وعممت قيادة البوليساريو بلاغاً، نعت فيه "عضو المكتب الدائم للأمانة الوطنية للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، ورئيس لجنة الدفاع والأمن بها ووزير الأمن والتوثيق".
وسجلت قيادة الجبهة في البلاغ الذي نشرته على موقعها الرسمي، الأحد 1 أغسطس/آب 2021، أن "الراحل رغم صراعه الطويل مع المرض، ظل يزاول مهامه بجدية وتفانٍ وإخلاص منقطع النظير حتى وافاه الأجل المحتوم".
واستعرضت المهام القيادية التي شغلها الراحل، والتي من بينها حيث "تقلد المرحوم العديد من المهام العسكرية والأمنية منها قائد فيلق، قائد النواحي العسكرية الأولى، الثانية، الثالثة، الرابعة، الخامسة والسابعة، قبل أن يعين وزيراً للدفاع الوطني ثم وزيراً للأمن والتوثيق".
تُوفي أم قُتل؟
مصادر من داخل البوليساريو، شككت بدورها في "سياق" الوفاة، وذهبت إلى أن "الحبيب بلال واحد من المسؤولين الكبار في جبهة البوليساريو المؤهل لقيادة التنظيم في المرحلة المقبلة"، معتبرة أنه "جاء في وقت تعيش فيه الجبهة سباقاً محموماً حول القيادة".
وتابعت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن الراحل عبدالله الحبيب بلال كان يملك خصائص لا تتوفر في غيره من قيادات البوليساريو الحاليين، من بينها أصوله الاجتماعية فهو ابن أمير قبيلة "ركيبات" الشرق، وأيضاً واحد من مؤسسي الجبهة، إذ انطلق في العمل المسلح منذ 1973، ليبني عليه مجده السياسي الذي خول له عضوية دائمة في قيادة الجبهة.
وزادت المصادر أنه بناء على الوضع الصحي لقائد البوليساريو، إبراهيم غالي الذي لم يغادر بعد منطقة الحرج، إذ إنه ما زال يقيم بمستشفى عين النعجة الجزائري ولم يعد بعد إلى تندوف لمباشرة مهامه منذ أبريل/نيسان 2021 حيث نقل إلى مستشفيات إسبانيا للعلاج، فتح المجال للحديث عن خلافته داخل الجبهة.
طموح قيادة الجبهة واجه معارضة من عدد من القادة التاريخيين للحزب، الذين وجدوا في الراحل عبدالله الحبيب منافساً محتملاً لقيادة الجبهة في المرحلة المقبلة.
في هذا الاتجاه كشفت مصادر قريبة من الجبهة أن الراحل كانت له خلافات كبيرة مع المستشار الأمني لرئيس الجبهة إبراهيم بيد الله المعروف بـ"كركاو"، وبسببها تمت إقالته في 2019 من منصب وزير الدفاع.
وتابعت ذات المصادر أن عبدالله الحبيب بلال رفض الرجوع إلى القيادة، وبعد أزيد من سنة من المفاوضات، والموافقة على شروطه بعدم التدخل في عمله، وافق على العودة عبر منصب وزير الأمن، حيث توفي.
تعزية جزائرية
وبعث رئيس الجمهورية الجزائرية عبدالمجيد تبون برسالة تعزية ومواساة لرئيس البوليساريو، إبراهيم غالي، إثر وفاة وزير التوثيق والأمن، المرحوم عبدالله الحبيب بلال.
وتوجه الرئيس الجزائري في التعزية التي نشرت على الصفحة الرسمية لرئاسة الجزائر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الأحد 1 أغسطس/آب الجاري، إلى "عائلة الفقيد والشعب الصحراوي الشقيق، بخالص التعازي وصادق مشاعر المواساة والتعاطف، داعياً المولى عز وجل أن يلهمهم جميل الصبر والسلوان".
وسجل القيادي في جبهة البوليساريو، الذي نفته الجبهة على حدود موريتانيا مصطفى سلمى، في تعليق مقتضب على التعزية "فليس من عادة الرؤساء الجزائريين التعزية في وفاة قياديي جبهة البوليساريو".
حديث مصطفى سلمى على "السابقة" الجزائرية، يؤكد ما ذهبت إليه مصادر "عربي بوست" التي أكدت أن التعزية الجزائرية جاءت في إطار رغبة الجزائر التخفيف من حدة الاحتقان داخل البوليساريو، خاصة وسط الشكوك الكبيرة التي تسيطر حول خلفيات وفاة وزير الأمن والتوثيق.
كما أن المصادر لم تستبعد أن تكون التعزية صدرت بطلب من قيادة البوليساريو، وتحديداً من طرف الجهات التي تريد دفع تهمة الضلوع في موت القائد عبد الله الحبيب بلال عن نفسها، خاصة وأنه واحد من أكثر الأطراف قدرة على خلافة إبراهيم غالي.
هذا وانخرط عبدالله الحبيب بلال في وقت مبكر في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب سنة 1973، ويلتحق فيما بعد بجيش التحرير الشعبي الصحراوي، حيث كان من أوائل الشباب الذين ولجوا ميدان التخصص الأكاديمي العسكري وساهموا في إرساء دعائم التكوين العلمي بجيش التحرير الشعبي الصحراوي.
وفي آخر مؤتمر للجبهة انتخب عضواً في الأمانة الوطنية منذ المؤتمر الثامن للجبهة وظل منذ ذلك التاريخ يمارس مهامه النضالية في هذه الهيئة القيادية.