استقبلت جزيرة لامبيدوسا الإيطالية، الجمعة 30 يوليو/تموز 2021، نحو 600 مهاجر تونسي عبروا البحر بشكل غير شرعي، وذلك في أكبر هجرة جماعية منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد عن إجراءاته "الاستثنائية"، التي أدخلت البلاد المتدهورة بفعل الأزمة الاقتصادية وكورونا، في أزمة سياسية جديدة.
وبحسب صحيفة The Times البريطانية، السبت 31 يوليو/تموز 2021، فإن عدد الوافدين إلى الجزيرة الإيطالية قد بلغ بشكل إجمالي 1150 شخصاً، علماً بأنه مخصص لـ 250 شخصاً فقط.
ونقل مسؤولو الصليب الأحمر الوافدين الجُدد إلى عبّارات مستأجرة لعزلهم لمدة عشرة أيام، خوفاً من فيروس كورونا، الذي ينتشر بصورة كبيرة في تونس.
خشية من تدفق المزيد
وقال توتو مارتيلو، عمدة لامبيدوسا: "دخل 15 قارباً إلى الميناء، وانتشلت سفن الدوريات أعداداً كبيرة من المهاجرين من القوارب، ما يعني أننا نواجه مشكلة خطيرة مع القوارب المنجرفة في ممر بحري شديد الازدحام. وكانت الغالبية العظمى منهم تونسيين. وهذه الأعداد لها علاقة بالاضطراب الذي تشهده تونس والذي قد يتفاقم للأسوأ".
من جانبه، قال فلافيو دي جياكومو، المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة (IOM): "كلما زاد انعدام الاستقرار، تزداد حالات الهجرة من تونس، رغم أنه من السابق لأوانه تحديد ما سيحدث بعد ذلك".
يُشار إلى أن أعداد التونسيين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا ارتفعت في الأشهر الأخيرة بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في الداخل. وتشير السجلات إلى أن 2962 شخصاً في المجمل عبروا إلى إيطاليا في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران، بالإضافة إلى 3796 حالة عبور أخرى هذا الشهر.
ويُذكر أن أعداد التونسيين المتزايدة تفوق بكثير أعداد الوافدين من أي بلد آخر، وحتى من ليبيا. وفي المجمل، وصل 28515 مهاجراً غير شرعي إلى إيطاليا حتى الآن هذا العام.
وقالت أليس سيروني، مديرة مشروع المنظمة الدولية للهجرة في تونس: "شهدنا خلال العامين الماضيين زيادة أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم، وزيادة أعداد النساء والعائلات والمهنيين الذين يهاجرون من تونس على متن قوارب".
وبوجه عام، لا يحق للتونسيين الحصول على حق اللجوء ويُعاد حوالي 80 شخصاً إلى بلادهم كل أسبوع، بموجب اتفاق مبرم بين روما وتونس. وغالباً ما تصدر بحق الباقين أوامر طرد ويخرجون من مراكز المهاجرين. وبعد ذلك، يحاول كثيرون منهم الوصول إلى فرنسا أو ألمانيا.
وتثير الزيادة في أعداد المهاجرين القادمين عن طريق البحر مخاوف من تكرار ما حدث عام 2011، حين وصل 25 ألف تونسي إلى إيطاليا خلال ثورة الربيع العربي.
تحذير سياسي
وسبق أن حذر رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، الجمعة، من أن ذهاب الأجهزة الأمنية إلى استخدام العنف والقمع ضد معارضي قرارات الرئيس قيس سعيد قد ينزلق بالبلاد نحو الفوضى وعدم الاستقرار، وهو ما قد يدفع آلاف التونسيين للهجرة.
وفي حديث لصحيفة Corriere della Sera الإيطالية، بعد أيام من قرارات الرئيس قيس سعيد الاستثنائية بإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان، حذَّر الغنوشي أوروبا من أن سواحلها ستشهد نزوح أكثر من 500 ألف مهاجر تونسي، إن استمرت دوامة الفوضى والإجراءات غير الدستورية في البلاد.
وقال الغنوشي في إطار تحذيره: "إن الذهاب إلى الإجراءات الديكتاتورية والقمع من قبل القوات الأمنية قد يدفع للانزلاق بالفوضى، وهو ما يمكن للإرهاب أن ينمو بسرعة، وما قد يدفع الناس إلى المغادرة بأي شكل من الأشكال أيضاً".
وكان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولّي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي، في كلمة متلفزة، عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد، لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014، الذي وزَّع السلطات بين الرئيس ورئيسَي الوزراء والبرلمان.
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" رئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرتها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى، شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة، اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لا سيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.