حذر رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي الجمعة 30 يوليو/تموز 2021، من ذهاب الأجهزة الأمنية إلى استخدام العنف والقمع ضد معارضي قرارات الرئيس قيس سعيد قد ينزلق بالبلاد نحو الفوضى وعدم الاستقرار، وهو ما قد يدفع آلاف التونسيين للهجرة.
وفي حديث لصحيفة Corriere della Sera الإيطالية، بعد أيام من قرارات الرئيس قيس سعيد الاستثنائية بإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان، حذَّر الغنوشي أوروبا من أن سواحلها ستشهد نزوح أكثر من 500 ألف مهاجر تونسي، إن استمرت دوامة الفوضى والإجراءات غير الدستورية في البلاد.
وقال الغنوشي في إطار تحذيره: "إن الذهاب إلى الإجراءات الدكتاتورية والقمع من قبل القوات الأمنية قد يدفع للانزلاق بالفوضى، وهو ما يمكن للإرهاب أن ينمو بسرعة، وما قد يدفع الناس إلى المغادرة بأي شكل من الأشكال أيضاً".
وفي كلمات محددة، جدَّد الغنوشي رفضه لقرارات الرئيس سعيد، واصفاً إياها بـ"الانقلاب"؛ حيث قال: "لقد ارتكب أخطاء جسيمة ضد الدستور، يريد السيطرة على السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية".
ومع تأكيده على انقطاع وسائل التواصل مع الرئيس التونسي، فقد أكد الغنوشي على موقف حزبه بأن "أي رئيس وزراء أو حكومة قادمة يجب أن يشرِّعها البرلمان الحالي"، قائلاً: "لا توجد وسيلة أخرى".
وفي إطار الإجابة على سؤال عن رد فعل حزب النهضة، أجاب الغنوشي: "سنقاوم بكل الوسائل السلمية والقانونية، وسنناضل من أجل عودة الديمقراطية، يجب أن يفهم أن البرلمان يجب أن يعود إلى مركز آليات صنع القرار في الدولة".
مستعد للتنازل
وكان الغنوشي قد قال الخميس إن حزبه مستعد لتقديم أي تنازلات "من أجل إعادة الديمقراطية للبلاد".
ففي حوار له مع وكالة "فرانس برس"، شدّد الغنوشي على أن "الدستور أهم من التمسك بالسلطة"، كما دعا إلى حوار وطني؛ وذلك في مبادرة جديدة من الحزب الإسلامي إلى الرئيس التونسي.
غير أن الغنوشي، أكد كذلك أنه "سيدعو الشارع من أجل الدفاع عن الديمقراطية في تونس، والتحرك لرفع الأقفال عن البرلمان"، وذلك في حال عدم الوصول لأي اتفاق بخصوص الحكومة القادمة وعرضها على البرلمان.
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولّي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي، في كلمة متلفزة، عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد، لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014، الذي وزَّع السلطات بين الرئيس ورئيسَي الوزراء والبرلمان.
سعيّد قال إنه اتَّخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر سعيد قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيّد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" رئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار، في تصريحات إعلامية، إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً بأنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرتها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى، شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة، اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لا سيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.