كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، الأربعاء 28 يوليو/تموز 2021، أن رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي، المختفي عن الأنظار ووسائل الإعلام منذ أن أعلن الرئيس قيس سعيّد إقالته وتجميد عمل البرلمان، قد تعرض لـ"اعتداء جسدي" في القصر الرئاسي قبل موافقته على الاستقالة من منصبه.
ونقلاً عن مصادر مقربة من المشيشي، فقد علم الموقع الإخباري البريطاني بتعرض رئيس الوزراء التونسي لاعتداء جسدي، لكنه لم يتحقق من طبيعة الإصابات التي تعرض لها، كما أن اختفاءه عن كاميرات الإعلام قد زاد الأمر غموضاً.
بحسب المصادر، فإن الإصابات التي تعرض لها المشيشي "كبيرة"، حيث كشف أحد المصادر أن إحداها كانت في الوجه مباشرة، وهذا سبب عدم ظهوره علناً حتى الآن.
حيثيات الحادثة
وقال الموقع إن المشيشي استُدعي إلى القصر الرئاسي، الأحد، قبل ساعات من إعلان الرئيس سعيّد خطواته المفاجئة بإقالة المشيشي، وتعليق عمل البرلمان.
ونقلاً عن مصدر مقرب من رئيس الوزراء، فإن "رؤساء الأمن الذين رافقوه إلى القصر لم يكونوا جزءاً من الخطة، لكن الجيش كان كذلك".
ونقل الموقع البريطاني عن مصادر أن المشيشي رفض طلبات التنحي عن رئاسة الحكومة، وآخرها الأحد، وعقب ذلك تعرض للضرب، فيما أشارت مصادر إلى أن أشخاصاً "غير تونسيين" كانوا في القصر في ذلك الوقت.
وبعد الاعتداء عليه، وافق المشيشي على الاستقالة، قبل أن يعلن سعيّد البيان الذي شمل قراراته الاستثنائية بتجميد عمل البرلمان وحل الحكومة، فيما عاد رئيس الوزراء إلى منزله، حيث نفى تقارير لوسائل الإعلام المحلية قالت إنه كان قيد الإقامة الجبرية.
في اليوم التالي من هذه الحادثة، أصدر المشيشي بياناً، قال فيه إنه "لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال عنصراً من المشكلة التي تُعقد الوضع في تونس"، وإنه سيسلم المسؤولية للشخص الذي سيكلفه الرئيس برئاسة الحكومة.
أشخاص غير تونسيين
وقال الموقع أنه استخلص مما أوردته المصادر أن الأفراد الحاضرين في القصر كانوا مسؤولين أمنيين مصريين، قدَّموا المشورة للرئيس التونسي قبل الانقلاب، وأشرفوا على توجيه الإجراءات التي تمت، وإن لم يتضح على وجه التحديد دورهم في استجواب المشيشي.
حيث نقل الموقع عن أحد المصادر قوله إن "الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عرضَ على سعيد تقديمَ كل الدعم الذي يحتاج إليه للقيام بالانقلاب، وقد قبِل سعيد دعمه".
وأكد المصدر على أن مصر قامت بإرسال عسكريين ومسؤولين أمنيين إلى تونس، وذلك بدعم كامل من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
رفض خارجي
على الصعيد الدبلوماسي، نقل الموقع عن مصادره أن سعيّد واجه معارضة كبيرة لتحركاته في المكالمات التي تلقاها منذ اتخاذه قراراته "المفاجئة" واستئثاره بالسلطة التنفيذية للبلاد.
بحسب ما ورد، قال مسؤولون أمريكيون للرئيس التونسي إن التطورات الأخيرة ساءتهم إلى أبعد حد، ومع ذلك أبدت واشنطن تردداً حيال وصف سلسلة الأحداث الأخيرة في البلاد بأنها انقلاب.
لكن رد الفعل الأبرز جاء من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الذي أخبر كلاً من سعيد وساسة معارضين بارزين في تونس أن الجزائر لن تقبل وقوع تونس تحت النفوذ السياسي والعسكري لمصر.
يذكر أن الجزائر تعتبر كلاً من ليبيا وتونس مناطق نفوذ مشروعة لها، ومن ثم يتزايد القلق الجزائري على نحو خاص من حضور ضباط أمن مصريين في القصر الرئاسي التونسي بقرطاج في أثناء قرارات سعيد، الأحد 25 يوليو/تموز.
من جهة أخرى، أشارت المصادر إلى أن فرنسا لم تتلق أي تحذير مسبق بشأن التحركات التي خطَّط سعيد للقيام به.
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولّي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي، في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014، الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسَي الوزراء والبرلمان.
سعيّد قال إنه اتَّخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر سعيد قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيّد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" رئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً بأنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى، شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لاسيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.
بينما يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.