شهدت العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة تطوراً لافتاً، تمثل بانتقال الطرفين من مرحلة التصريحات الإعلامية، إلى مبادرة مسؤولين إسرائيليين بفتح قنوات اتصال مباشرة مع السلطة الفلسطينية، في سابقة تحدث للمرة الأولى في عهد حكومة نفتالي بينيت الجديدة.
وأجرى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ووزيرا الدفاع بيني غانتس، والأمن الداخلي عومر بارليف في الأسبوعين الأخيرين، اتصالات مباشرة بالرئيس محمود عباس، تم من خلالها مناقشة بعض الملفات المتعلقة بالأمن والاقتصاد، في ظل الحديث عن طلبه في زيارته الأخيرة لأنقرة ترتيباً لقاء بهرتسوغ.
يوني بن مناحيم، الضابط السابق في الاستخبارات الإسرائيلية والباحث في مركز القدس للشؤون العامة، زعم أن عباس يحظى بتأييد كبير لدى وزراء الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بشكل يفوق التأييد الذي كانت تحظى به السلطة في فترة حكم رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين.
وقد سبق هذه الاتصالات السياسية إطلاق مسؤولين إسرائيليين على رأسهم غانتس دعوات بضرورة دعم السلطة الفلسطينية، وتقويتها سياسياً واقتصادياً، وهو موقف متناغم مع الرؤية الأمريكية التي أرسلت مؤخراً وفداً من وزارة خارجيتها للمنطقة ترأسهم هادي عمرو، مسؤول الملف الفلسطيني في وزارة الخارجية، بحث من خلالها موقف الطرفين عن إمكانية العودة لطاولة المفاوضات.
خطوات بضغط أمريكي
واصل أبويوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قال لـ"عربي بوست" إن "الموقف الإسرائيلي حتى اللحظة لا يبدو جاهزاً لاستئناف المفاوضات أو العملية السياسية، ونحن نرى أن الاتصالات الأخيرة من وزراء إسرائيليين بالرئيس عباس جاءت بطلب من الإدارة الأمريكية، أي أن دوافعها نابعة من ضغط أمريكي وليس متولداً من قناعات لدى حكومة نفتالي بينيت؛ لذلك سيبقى تقييم الموقف بالنسبة لهذه الاتصالات في إطار ما يترجم على الأرض من إجراءات وسلوكيات قد تشجعنا على طلب استئناف المفاوضات".
وأضاف المتحدث أنه "حتى اللحظة لم نشهد تغيراً في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين مغايرة لسياسة نتنياهو، فالأحداث التي تشهدها القدس، والاقتحامات المستمرة للضفة الغربية، واستمرار الحصار الإسرائيلي على غزة، يؤكد أن حكومة بينيت ليست جاهزة بعد لاستئناف المفاوضات، ونحن من طرفنا أوضحنا هذا الموقف للوفد الأمريكي من خلال مجموعة اشتراطات قدمناها تضمنت ضرورة احترام إسرائيل للاتفاقيات الموقعة، ووقف الاستيطان، والتوقف عن سياسة الابتزاز الاقتصادي، كخطوة أولى لبناء الثقة، ثم بعد ذلك يتم الحديث عن المسار السياسي".
وتابع المتحدث أن "أحد الإشكالات التي لا تدفعنا لرفع سقف التوقعات في حكومة بينيت الجديدة، أنها غير مستقرة، وتجمع الكثير من التناقضات، فوجود أقطاب من اليمين والمتدينين واليسار فيها، يضع هامش الفشل لسياستها بصورة تفوق نسب النجاح".
ولا يمكن فصل الموقف الإسرائيلي الجديد بفتح قنوات اتصال مع السلطة الفلسطينية بما جرى من تطورات في الأسابيع الأخيرة، فالكثير من القناعات لدى الحكومة الإسرائيلية وموقف الإدارة الأمريكية تغير بشكل جذري، بعد الأحداث التي شهدتها المناطق الفلسطينية، والتي جاءت بدفع وتشجيع من حركة حماس، ترجم بمظاهرات واحتجاجات ضد سياسة السلطة الفلسطينية ورافضة لاستمرار نهج المفاوضات الذي لم يحقق شيئاً.
وقد يكون أحد الاستخلاصات الإسرائيلية لحرب غزة الأخيرة، القلق الكبير الذي تشكل لديها من التأييد الذي باتت تحظى به حماس في مناطق نفوذ السلطة الفلسطينية؛ لذلك خرجت دعوات إسرائيلية بضرورة العمل على تقليل حدة الضغط والحصار الممارس عليها.
ولم يتأخر الموقف الإسرائيلي من إظهار مثل هذه النوايا على الأرض، فقام بتخفيف القيود المفروضة على الحواجز المنتشرة في الضفة الغربية، وفتحها بشكل كامل أمام مرور الأفراد والمواطنين إلى داخل الخط الأخضر خلال فترة عيد الأضحى.
وسبق ذلك قرار غانتس بفتح معبر الجلمة شمال الضفة الغربية المسؤول عن 50% من النشاط الاقتصادي والتجاري لمدن جنين وطولكرم وقلقيلية وسلفيت بعد إغلاق استمر لأكثر من عامين.
خطوات غير كافية
تيسير نصر الله، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، قال لـ"عربي بوست" إن "سقف مطالبنا وشروطنا يفوق ما أقدمت عليه إسرائيل من خطوات شكلية حتى اللحظة تدعي أنها لبناء الثقة، نحن نطالب بأن نرى سياسة جديدة على الأرض، تتمثل بوقف الاستيطان، والإفراج عن أموال المقاصة المحتجزة، وتعديل اتفاق باريس الاقتصادي، وما دون ذلك سيكون استمراراً لسياسة إسرائيل في المماطلة، وكسب معركة الوقت، وإبقاء الوضع الراهن".
وأضاف أننا "لسنا في موقف المضطر لتقديم تنازلات سياسية، لدينا ثقة كاملة بالمشروع الذي آمنت به حركة فتح والسلطة الفلسطينية، ولدينا أدوات من الضغط الشعبي التي ستجبر إسرائيل على وقف سياسة المماطلة التي تنتهجها ضد الفلسطينيين".
وتابع المتحدث أن "فكرة الانتقال من تطوير الاتصالات إلى لقاءات قادمة، ليست لدينا أي إشكاليات بشأنها، ولكن بالشروط التي نراها مناسبة، تقديرنا أن حكومة بينيت لا ترغب بمواجهة الجمهور والشارع الإسرائيلي، ولن تقدم أي تنازلات خوفاً من سقوطها، وبتقديرنا أن ما يصدر حتى اللحظة من تصريحات إعلامية لا يعدو كونه مبادرة من وزراء ومسؤولين بشكل فردي، دون أن تكون هذه سياسة واضحة لدى حكومة بينيت".
العودة للسلام الاقتصادي
"عربي بوست" علم من محافل فلسطينية مطلعة، أن حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية الفلسطيني، توصل لاتفاق مع الإدارة الأمريكية لتنفيذ سلسلة إجراءات من شأنها إنقاذ السلطة الفلسطينية على المستويين السياسي والاقتصادي، يتمثل بإطلاق حوار ثلاثي فلسطيني أمريكي إسرائيلي، لمناقشة مساعدة الفلسطينيين على تحسين أوضاعهم الاقتصادية، وإعادة الدعم المالي للمشاريع والموازنة الفلسطينية، ثم الانتقال إلى مفاوضات الحل النهائي.
عبدالمجيد سويلم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة، قال لـ"عربي بوست" إن "ما يجري على الأرض حتى الآن هي العودة لذات السياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية في الأشهر الأولى لتولي مهامها، فالحديث عن تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين هو اختزال للقضية، وتصوير الصراع على أنه أزمة اقتصادية وإنسانية، لكن الجديد في هذا الظرف، أن السلطة الفلسطينية لم تعد طرفاً قوياً في المعادلة، أي أنها فقدت رفاهية الاختيار، خصوصاً بعد أن وصل عمق الأزمة الاقتصادية الذي تعاني منه إلى مراحل تنذر بسقوطها".
وأضاف المتحدث أن "إدارة بايدن تحاول أن تدير الصراع، وليس إنهاءه، لذلك هي تقدم مشروعاً اقتصادياً للفلسطينيين دون رؤية للحل السياسي، وهو سيناريو شهدناه في فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما".