اتهمت حركة "النهضة" التونسية، الأحد 25 يوليو/تموز 2021، "عصابات إجرامية مدعومة من خارج البلاد ومن داخلها" بالاعتداء على مقرات لها، مؤكدة أن "تلك الاعتداءات لن تزيدها إلا تمسكاً بالمسار الديمقراطي وقيم الجمهورية والشراكة الوطنية والعدالة الاجتماعية، وأن هذه الأعمال الإرهابية لن تثنيها عن خدمة التونسيين والانحياز إلى مصالحهم".
فيما أكدت، في بيان لها، أن هدف "هذه العصابات الإجرامية" يتمثل في "إشاعة مظاهر الفوضى والتخريب، خدمة لأجندات الإطاحة بالمسار الديمقراطي، وتعبيد الطريق أمام عودة القهر والاستبداد، وما الحملة الإعلامية المسعورة لبعض المواقع الإعلامية الأجنبية والمحلية المحرِّضة على العنف إلا دليلاً قاطعاً على ذلك".
كما أضافت "النهضة"، صاحبة أكبر كتلة برلمانية (53 نائباً من 217): "عمدت اليوم مجموعات فوضوية ساءها الفشل في إقناع الرأي العام بخياراتها الشعبوية وغير الديمقراطية إلى الاعتداء على بعض مقرات الحركة بالبلاد، وترهيب المتواجدين داخلها، وتهديدهم في حياتهم".
"إدانة الاعتداءات"
في حين وجَّهت الحركة الشكر للأجهزة الأمنية التي قالت إنها "تصدت لهذه التجاوزات، وسارعت إلى حماية الممتلكات الخاصة والعامة من الاعتداءات والتخريب"، داعية كل الأطراف السياسية والمنظمات وأنصار الديمقراطية ودولة القانون إلى "إدانة هذه الاعتداءات، والتشديد على المتابعة القضائية لكل المتورطين".
في الوقت نفسه، عبّرت "النهضة" عن تحيتها وتقديرها لكل من وصفتهم بـ"مناضلي الحركة وأنصارها" على "ضبط النفس، واعتماد الطرق القانونية في التصدي لهذه الاعتداءات والتهديدات"، مختتمة بالقول: "المجد والخلود لكل شهداء تونس البررة الذين قضوا من أجل استقلالها وسيادتها وأمنها وجمهوريتها الأولى والثانية".
"إسقاط المنظومة السياسية"
يشار إلى أن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي كانوا قد دعوا مؤخراً إلى التظاهر في العاصمة تونس، بالتّزامن مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية في 25 يوليو/تموز، مطالبين بإنهاء الأزمة السياسية.
هذه الدعوات ترفع شعارات تطالب بإسقاط المنظومة السياسية الحالية بكاملها، بما في ذلك الحكومة والبرلمان، وتنادي بتشكيل نظام سياسي جديد.
فيما أظهرت مقاطع مصور، نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مجموعات تقتحم وتحرق مقرات للحركة في مناطق عديدة.
في المقابل، شهدت شوارع العاصمة، منذ السّبت، انتشاراً أمنياً كبيراً مع غلق لكل المنافذ المؤدية إليها ومنع مرور السّيارات إليها.
بينما يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
جدير بالذكر أنه في أكثر من مناسبة اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لا سيما خليجية، بقيادة ثورة مضادة لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.
"توحيد الصفوف وترك التجاذبات"
من جهته، دعا رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، في وقت سابق من يوم الأحد، أبناء بلاده إلى توحيد الصفوف والابتعاد عن التجاذبات والتفرقة وإثارة الضغائن والأحقاد، ومواجهة عدو تونس "فيروس كورونا" صفاً واحداً.
جاء ذلك في تصريح إعلامي للغنوشي، على هامش إشرافه على موكب إحياء الذكرى الـ64 لعيد إعلان الجمهورية التونسية، بمقر البرلمان، والذي يتم الاحتفال به في 25 يوليو/تموز من كل عام.
في حين علق الغنوشي على دعوات التظاهر والاحتجاج، قائلاً إن "المسيرات والاحتجاجات حق ضمنه الدستور ما دامت ملتزمة بالقانون"، مستدركاً بالتأكيد على أن "تونس اليوم لا تستحق مظاهرات، بل تستحق التظاهر ضد كورونا واتحاد كل القوى المدنية والرسمية والشعبية والمعارضة والسلطة".
الغنوشي تابع: "لم تعُد هناك معارضة وسلطة عند وجود خطر يهدد البلاد (في إشارة إلى كورونا) وتسجيل وفيات بالمئات.. اليوم لا يوجد إلا تونس موحدة ضد الوباء وبعد ذلك لكل حادث حديث".
من ناحية أخرى، قال الغنوشي: "أشكر كل الذين ساعدوني خلال فترة مرضي بما في ذلك رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي والإطار الطبي في المستشفى العسكري".
كانت حركة "النهضة" قد أعلنت قبل أيام أن الغنوشي شُفي من فيروس كورونا وبصحة جيدة، وأنه بصدد العودة إلى ممارسة عمله.
أزمات حادة بتونس
جدير بالذكر أن تونس تمر بأزمة سياسية إثر الخلافات بين سعيّد، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، بسبب تعديل وزاري أعلنه الأخير في 16 يناير/كانون الثاني الماضي.
رغم تصديق البرلمان على التعديل، فإن سعيّد يرفض دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، معتبراً أن التعديل شابته "خروقات"، وهو ما يرفضه المشيشي.
كذلك، رفض الرئيس التونسي المصادقة على قانون تشكيل المحكمة الدستورية، رغم حصوله على تزكية البرلمان لمرتين متتاليتين.
جدير بالذكر أنه منذ انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2011، تولى حمادي الجبالي رئاسة الحكومة في (ديسمبر/كانون الأول 2011 – فبراير/شباط 2013)، وعلي العريض في (مارس/آذار 2012- يناير/كانون الثاني 2014) ومهدي جمعة في (يناير/كانون الثاني 2013 – فبراير/شباط 2015).
كما تولى رئاسة الحكومة التونسية الحبيب الصيد في (يناير/كانون الثاني 2015- أغسطس/آب 2016)، ويوسف الشاهد في (أغسطس/آب 2016- فبراير/شباط 2020)، وإلياس الفخفاخ في (فبراير/شباط 2020- يوليو/تموز 2020)، فيما يمارس المشيشي مهام رئاسة الحكومة منذ سبتمبر/أيلول 2020 حتى الآن.
كما شهدت تونس مؤخراً، موجة احتجاجات شعبية بدأت في حي سيدي حسين الشعبي، بسبب "تعنيف" قوات الأمن شاباً تونسياً، لتتوسع إلى حي الانطلاقة وحي التضامن بالضواحي الغربية للعاصمة.
بالإضافة للأزمة السياسية، تواجه تونس موجة وبائية غير مسبوقة عقب تفشي فيروس كورونا، تتسم بانتشار واسع للسلالات المتحورة ألفا ودلتا في معظم الولايات، مع ارتفاع في معدل الإصابات والوفيات، مع تحذيرات من انهيار وشيك للمنظومة الصحية؛ ما استدعى استقبال مساعدات طبية عاجلة من دول عديدة، خلال الأيام الماضية.
فيما بلغ إجمالي الإصابات بكورونا في تونس، حتى السبت، 563 ألفاً و930، منها 18 ألفاً و369 وفاة، و457 ألفاً و579 حالة تعاف.