قانون الفصل بغير الطريق التأديبي الذي أقره مجلس النواب بشكل نهائي 12 يوليو/تموز، والذي يُمكن السلطة التنفيذية من خلال الجهاز الإداري للدولة من الفصل التعسفي للموظفين من غير استيفاء الشروط التي تؤدي إلى الفصل من الوظيفة وفق القانون بالطرق التأديبية، بل يكفي أن تقرر الإدارة في العمل أن هذا الموظف "متطرف" أو ينتمي إلى "جماعة الإخوان"، ليتم فصله من وظيفته.
من أبرز آثار مثل هذا التشريع تعميق الانقسام المجتمعي بدون شواهد حقيقية، سوى الانقياد لخط سير السلطة التنفيذية، وهنا يمكن استدعاء حديث وزير النقل عندما سُئل عن حوادث القطارات التي توفي فيها عشرات من المواطنين، وأسباب الإخفاق في هيئة السكك الحديدية، فجاء جوابه عن وجود عناصر تنتمي إلى جماعة الإخوان تعمل في الهيئة وهي السبب في تلك الحوادث، هكذا بدون تثبت عن خلفية هؤلاء الموظفين أو هل حقاً هم من كانوا سبباً في حوادث القطارات أم لا، في سياق غير مقنع أو منطقي، سوى أنه أسلوب قد ينتهجه مسؤولون في مؤسسات الدولة لتعليق تقصيرهم عليه، واستدعاء حالة الحرب مع الغير لِتبرير إخفاقاتهم، وإذا كان هكذا حديث لم يتجاوز وزير النقل فمن الممكن أن يبرر الوزير لنفسه، أما أن يكون هذا الادّعاء منطلقَ تشريع يقره مجلس النواب ويؤدي في النهاية إلى أحقية الفصل بهذه الطريقة فهذا مؤشر على تدهور حالة الاستقلال التي ينبغي أن يتمتع بها المجلس، والقضاء.
مثلُ هذا التشريع يُعد كذلك ذريعةً للتخلص من كل معارضي النظام، فيمن بقي منهم في وظيفة أو محل عمل، وذلك بعدما استنفد النظام كل وسائله للتخلص منهم وإبعاد صاحب كل رأي مخالف عن المشهد، عن طرق عديدة مثل الاعتقال ومصادرة الأموال ثم الفصل من الوظائف أخيراً.
من ناحية التطبيق، فهذا التشريع لا يضمن للموظف المُعرض للإقالة من عمله ضمانات كافية حتى يعود لعمله حال تظلمه، سوى إجراء قضائي طويل الأمد قد لا يجدي في نهاية الأمر ويحق لجهة العمل الاعتراض عليه إضافة إلى ذلك، كما يُعتبر هذا التشريع "ورقة إرهاب" تُوجه إلى كل المواطنين على السواء، مَن له انتماءات منهم ومن ليس له، لأن آلية تحديد إذا ما كان هذا الموظف مُعرضاً للفصل أم لا ستكون متروكةً بيد الأمن وجهة الإدارة للتخلص من أي عامل وقتما شاؤوا.
وسيُمكن هذا التشريع من سريان الفساد داخل المؤسسات الحكومية وقطاع الأعمال بصورة أكبر، من جهة انتشار حالةٍ عامة من التملق للسلطة من قبَل العاملين حتى تتم ترقيتهم ومنحهم بدلات مالية، وحتى يكونوا بعيدين قدر الإمكان عن مناط الشك في "عدم ولائهم" للحكومة، ففي حين تقرر الحكومة قانون فصل من يعارضها لا شك أن التسابق نحو نيل رضاها سيكون على أشده، مما يخلق بيئة فاسدة في العمل، إضافة إلى البلاغات الكيدية والتربص بشخص ما وطرده من العمل بدون وجه حق من خلال هذا القانون، وغير ذلك مما قد يحدث ولا توجد معه أي ضمانات حقيقية للعامل لتثبيت حقه في العمل أو حتى نفي التهمة عنه.
إشراك كافة مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية في حرب السلطة على خصومها بهذا الشكل الذي يفقدها المؤسسية والاستقلال عن أيدي السلطة التنفيذية يبقى تحدياً ضخماً هو الآخر، لأنه يفقد الدولة بأكملها وجود حالة اتزان مطلوبة للحفاظ على نوع من الاستقرار في سلوكها العام.
كما أن الفردية المطلقة في اتخاذ القرار السياسي وعدم وجود فصل حقيقي بين السلطات سيعرض الوطن لا شك إلى المزيد من الأزمات في ظل تحديات كبيرة مثل أزمة سد النهضة، والتي لم يبدِ فيها مجلس النواب إلا دعماً وثقةً في "حكمة" السلطة التنفيذية، بدلاً من مراجعة المسؤولين عن مسار التفاوض وجدواه، أو مراجعة إعلان المبادئ الذي وقعته السلطة بشكل فردي.
وعندما توجه عشرون نائباً بالبرلمان في عام 2019 إلى رئيس المجلس حينها علي عبدالعال بطلب مناقشة اتفاق المبادئ الخاص بسد النهضة، واجههم بقوله "مش عايز الموضوع ده يتفتح نهائي"، فماذا يفعل مجلس النواب إذا كانت هذه طريقة الرد على طلب مناقشة اتفاق بهذه الأهمية؟ وما هو دوره سوى فعل ذلك أصلاً؟
كما مرر المجلس خلال السنوات السابقة كل مشروعات القرارات التي تتخذها الحكومة، بما فيها من اتفاقيات قروض بلغت حداً غير مسبوق، دون مراجعة، ودون ممارسة للدور الرقابي الذي هو من صلب اختصاصها، وعلى النقيض فَالدعم والحشد وإلقاء قصائد المدح داخل قاعات المجلس ليست من اختصاصات السلطة التشريعية، وهذا التوجه يدل على فقدان الثقة في قدرة هذا المجلس على تقويم السلطة التنفيذية رقابياً أو تشريعياً، ويضاعف من حجم الأخطار التي من الممكن أن تصدر نتيجة التفرد بالقرار السياسي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.