تلقى وزير الري المصري محمد عبدالعاطي، الإثنين 5 يوليو/تموز 2021، خطاباً رسمياً من نظيره الإثيوبي يفيد ببدء إثيوبيا في الملء للعام الثاني لخزان سد النهضة الإثيوبي، وفق بيان أصدرته وزارة الري المصرية.
على إثر ذلك، وجّه الوزير المصري خطاباً رسمياً إلى الوزير الإثيوبي لإخطاره برفض مصر القاطع لهذا الإجراء الذي وصفه بالآحادي، والذي أكد أنه يعدّ خرقاً صريحاً وخطيراً لاتفاق إعلان المبادئ الذي تم توقيعه عام 2015.
كما يعدّ الملء الثاني لسد النهضة، وفق البيان المصري، "انتهاكاً للقوانين والأعراف الدولية التي تحكم المشروعات المقامة على الأحواض المشتركة للأنهار الدولية، بما فيها نهر النيل الذي تنظم استغلال موارده اتفاقيات ومواثيق تلزم إثيوبيا باحترام حقوق مصر ومصالحها المائية وتمنع الأضرار بها".
مصر تخاطب رئيس مجلس الأمن
في حين أرسلت وزارة الخارجية المصري الخطاب الموجّه من وزير الري المصري إلى نظيره الإثيوبي، إلى رئيس مجلس الأمن بالأمم المتحدة لإحاطة المجلس الذي سيعقد جلسة حول قضية السد يوم الخميس 8 يوليو/تموز 2021، بهذا التطور الذي وصفته بأنه "خطير".
وشدّدت الخارجية المصرية على أن تلك الخطوة تكشف مجدداً "سوء نية إثيوبيا، وإصرارها على اتخاذ إجراءات أحادية لفرض الأمر الواقع وملء وتشغيل سد النهضة دون اتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث، ويحد من أضرار هذا السد على دولتي المصبّ، وهو الأمر الذي سيزيد من حالة التأزم والتوتر في المنطقة، وسيؤدي إلى خلق وضع يهدد الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي"، وفق قولها.
من جهته، استنكر المتحدث باسم وزارة الري المصرية، محمد غانم، الخطوة الإثيوبية، قائلاً: "العالم كله يشهد القرارات الأحادية التي تتخذها إثيوبيا التي تفرض علينا أمراً واقعاً، وهو إجراء أحادي لا يفيدنا في شيء، ولا يعتبر تنسيقاً، لأنه بدأ الملء بالفعل ولا ينتظر موافقتنا".
غانم أضاف، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "الحكاية" المُذاع على قناة "إم بي سي مصر"، أن "إثيوبيا ما زالت تتحدي الأعراف والقوانين الدولية، ولا تنظر إلى مصالح دولتي المصب".
يشار إلى أن السلطات المصرية سبق وأن حذّرت إثيوبيا أكثر من مرة، خلال الفترة الماضية، من خطورة تداعيات الملء الثاني للسد بشكل أحادي، إذ إن أديس أبابا في هذه الحالة ستكون قد دخلت في مرحلة الخروج عن القانون الدولي، وتعد دولة خارجة عن إطار القانون والتصرف المسؤول".
تحركات مصرية بنيويورك
إلى ذلك، شهدت نيويورك، الإثنين 5 يوليو/تموز 2021، تحركات مصرية مكثفة لوزير الخارجية سامح شكري حول سد "النهضة"، قبل جلسة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة أزمة السد.
حيث أشارت الخارجية المصرية، في بيانات الإثنين، إلى أن شكري "التقى اللجنة العربية المعنية بمتابعة تطورات ملف السد والتنسيق مع مجلس الأمن حياله"، موضحة أن اللجنة مكونة من الأردن والسعودية والعراق والمغرب وجامعة الدول العربية، دون تفاصيل عن نتائج اللقاء.
كما قالت الوزارة إن شكري التقى أيضا مندوب تونس (عضوة بمجلس الأمن) لدى الأمم المتحدة، السفير طارق الأدب، في مقر البعثة المصرية، تحضيراً لجلسة المجلس حول السد.
فيما التقى شكري، مساء الإثنين، بنيويورك مع وزيرة خارجية السودان، مريم الصادق المهدي، وذلك في إطار التنسيق المصري السوداني المشترك؛ للإعداد لجلسة مجلس الأمن، وفق ما نشره المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد حافظ، عبر حسابه بموقع "تويتر".
فضلاً عن ذلك، بحث شكري مع نظيره الفيتنامي، بوي ثانه شون، أزمة السد خلال اتصال هاتفي بينهما.
شكري أعرب عن تطلع مصر إلى تفهم فيتنام، العضو الحالي بالمجلس، لموقف القاهرة القائم على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد.
من المقرر أن يعقد مجلس الأمن هذه الجلسة بناءً على طلب دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، وستكون الثانية من نوعها بعد جلسة عُقدت قبل عام، وانتهت بحثّ أطراف الأزمة على الحوار، تحت قيادة الاتحاد الإفريقي.
كان شكري قد وصل، الأحد 4 يوليو/تموز الجاري، إلى نيويورك لعقد "سلسلة من اللقاءات والاجتماعات المكثفة بعدد من نظرائه الوزراء، والمندوبين الدائمين للدول الأعضاء في مجلس الأمن (15 دولة)، والمسؤولين بالأمم المتحدة حول قضية السد"، وفق بيان للخارجية المصرية آنذاك.
"القضية باتت سياسية"
في سياق متصل، أعلن وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، رفض بلاده "القاطع" لمناقشة حصص المياه من خلال مفاوضات سد النهضة، مشدّدا على أن "قضية تعقدت وأصبحت سياسية أكثر من كونها فنية".
جاء ذلك عقب لقاء الوزير السوداني، بالسفيرة الفرنسية في الخرطوم إيمانويل بلاتمان، الأحد 4 يوليو/تموز 2021، وفق وكالة السودان للأنباء (سونا).
في حين أبلغ الوزير السوداني، السفيرة الفرنسية، بأن بلاده لن تدخل في أي جولات تفاوض (حول السد) ما لم يتم الاتفاق على تغيير منهجية الحوار، ومنح دور أكبر للمراقبين والخبراء، متابعاً: "المفاوضات محصورة في عملية الملء والتشغيل فقط خلال ما يقارب (10) سنوات، ولكن إثيوبيا غيّرت موقفها في يوليو/تموز 2020، وبدأت تتحدث عن حصص مياه".
كما شدّد عباس على أن "السودان يرفض هذا الموقف بصورة واضحة"، معرباً عن مخاوف الخرطوم من "أن تتحول فوائد السد إلى أضرار وكوارث إذا لم يتم توقيع اتفاق قانوني".
كذلك، طالب وزير الري السوداني، بضرورة ممارسة الضغوط الخارجية على إثيوبيا، حتى لا يتم الملء من جانب واحد، وأن تعود للمفاوضات للوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف.
فشل متواصل لجولات المفاوضات
يأتي ذلك بعدما فشلت الجولة الأخيرة من مفاوضات السد، إثر إعلان الخارجية السودانية، الأحد 10 يناير/كانون الثاني 2021، فشل التوصل إلى صيغة مقبولة لمواصلة التفاوض حول "سد النهضة"، مؤكدةً أن الخرطوم لن تواصل المفاوضات، في الوقت الذي عبَّرت فيه وزيرة خارجية جنوب إفريقيا عن أسفها لوصول مفاوضات سد النهضة إلى "طريق مسدود".
حينها أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، آنذاك، عن تقديم بلاده اشتراطات إلى الاتحاد الإفريقي للعودة إلى مفاوضات "ذات جدوى" في ملف سد النهضة، ملوِّحاً بأن الخرطوم لديها "خيارات" أخرى.
كانت الإدارة الأمريكية أعلنت، في فبراير/شباط 2019، التوصل إلى اتفاق حول آلية عمل سد النهضة، وقَّعت عليه القاهرة بالأحرف الأولى، وامتنعت إثيوبيا بدعوى انحياز واشنطن إلى مصر، إثر جولات من المفاوضات جرت بواشنطن.
لكن المفاوضات تعثرت مجدداً بين الدول الثلاث، وهو الأمر المستمر منذ نحو 9 سنوات، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة في فرض حلول غير واقعية.
إذ تُصر أديس أبابا على تنفيذ ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، وتقول إنها لا تستهدف الإضرار بالخرطوم والقاهرة، وإن الهدف من السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية.
بينما تتمسك الخرطوم والقاهرة بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد؛ للحفاظ على سلامة منشآتهما المائية، ولضمان استمرار تدفق حصتيهما السنويتين من مياه نهر النيل.