ألقى قرار انتقال الحكومة المصرية ووزاراتها إلى العاصمة الإدارية خلال الأسابيع القادمة بظلال توتر وقلق على غالبية موظفي الحكومة والمقدر عددهم بأكثر من 6 ملايين موظف، خوفاً من أن يتبع ذلك قرارات أخرى بتصفية الموظفين الذين لم يتم نقلهم، وإجبارهم بشكل غير مباشر على الاستقالة أو الخروج المبكر على المعاش.
كثير ممن تحدث إليهم "عربي بوست" يَرَوْن أن الطرق المطروحة أمامهم للاستمرار في وظائفهم صعبة، وبعضهم تحدث عن أن هناك اصطفاء وانتقاء لأصحاب الحظوة والمعارف، لمرافقة الأثرياء ورجال الدولة ومعاونيهم بقلاعهم الحصينة في حياة مختلفة بعيدة عن ضوضاء القاهرة وبيئتها الملوثة.
تخبط في التصريحات فيما يخص عدد الموظفين المنقولين، فعلى سبيل المثال، نشرت جريدة الوطن المصرية في 24 فبراير/شباط أن 50 ألف موظف حكومي جاهزون للانتقال للعاصمة الإدارية في المرحلة الأولى بعد تدريبهم واختبارهم وتحديث ملفهم الوظيفي، وبعدها بأيام نقلت الجريدة ذاتها عن المستشار نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء، أن المرحلة الأولى في الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة ستبدأ بانتقال 40 ألف موظف، بينما هناك تصريحات لمصادر حكومية بأن إجمالي عدد الموظفين الذين سيتم نقلهم إلى العاصمة الإدارية نحو 52 ألفاً و585 موظفاً.
إحراج يلاحق غير المنقولين
رصد "عربي بوست" حالة إحباط داخل الوزارات التي سيتم نقل موظفين منها، فتصريحات المسؤولين والتباهي بالعاصمة الجديدة والامتيازات التي يحصل عليها العاملون والخدمات الترفيهية التي ستقدم لهم جعل البعض يقول إنها مثل الجنة لن يدخلها إلا الأخيار بينما الأشرار سيبقون في المقرات الحكومية بالقاهرة.
حَتَّى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي جعل منها دولة داخل دولة، حيث صرح قائلاً: "إن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة أواخر العام الجاري بمثابة "إعلان جمهورية جديدة وميلاد دولة جديدة".
الأمر الذي خلق حالة من التنافر والحساسية بين الموظفين وبعضهم، وكما يقول محمد، وهو موظف بوزارة الأوقاف المصرية، إن المنقولين يتعاملون بكبر مع غيرهم، ولم لا؟! فهم كما يقولون لديهم قدرات ومواهب تفوق الآخرين، وتم تفضيلهم لأنهم أصحاء نفسياً بعدما أجريت لهم اختبارات صحة عقلية ونفسية.
يقول الموظف إنهم يعدون الليالي للذهاب للمقرات الجديدة بعيداً عن الغوغاء والزحام، ويتعاملون مع الأجهزة الذكية في مكاتب أنيقة لن نراها إلا في التلفزيون، بينما سيبقى بالمقرات القديمة الفقراء والمرضى وكبار السن والمغضوب عليهم وعديمو الموهبة والمضطربون نفسياً، وهؤلاء هم من سيتعامل مع المواطنين الغلابة.
تجاوز الموظف صدمة عدم ترشيحه للنقل وكل ما يشغل باله الآن هو أن يكون النقل وتفريغ الدواوين من الموظفين بداية لتصفيتهم كما يحدث في قطاع الأعمال، مشيراً إلى أن الجميع الآن يمشي جانب الجدران، ولا يتحدث في السياسة أو الدين، خوفاً من التربص له.
النقل عقاب وليس مكافأة
ما رصده "عربي بوست" في وزارات أخرى لا يشير إلى أن كل الموظفين يرحبون بفكرة النقل، فهناك عقبات كثيرة تقف أمامهم تجعل قرار النقل بالنسبة لهم "عقاباً" وليس مكافأة، كما يعتقد البعض، هؤلاء تلقوا الإعلان عن بدء تشغيل المباني ونقل الموظفين إليها بانزعاج شديد، وكان لديهم أمل في التأجيل، كما حدث في مرات كثيرة سابقة، وساهمت جائحة فيروس كورونا في المزيد من التأجيل، حيث حدد المسؤولون مواعيد كثيرة خلال العامين الماضين لنقل الموظفين، إلا أن هذا لم يتم تنفيذه على أرض الواقع.
تقول ميار مصطفى، اسم مستعار لسيدة في الأربعينات من العمر، وتعمل مترجمة في إحدى الجهات السيادية لـ"عربي بوست" إنها لم تسعد عندما أخبرها رئيسها أنه تم ترشيحها لاجتياز الدورة التدريبية لتأهيلها للنقل لمكتبه الأنيق بالعاصمة الإدارية، بعد تقييمها في محاور اللغتين العربية والإنجليزية والحاسب الآلي والمهارات الشخصية بناء على برنامج دولي معترف به عالمياً، بالإضافة لعدد من البرامج التدريبية.
اجتازت السيدة اختباراً لمدة 3 ساعات في أحد المراكز التكنولوجية التابعة لوزارة الاتصالات، وتم إعلان النتيجة، والتي على أساسها تم اختيارها ومعها سبعة من الموظفين للحصول على كورسات مكثفة على 4 مراحل، وكان يتم اختبار المتقدمين بعد كل مرحلة، والاستغناء عمن لم يثبت جديته.
الكورسات التي اجتازتها ميار كانت في التوعية بمؤسسات الدولة المصرية والمشروعات الكبرى التي يتم تنفيذها في المجالات المختلفة، مفاهيم الحوكمة ومكافحة الفساد، فضلاً عن أساسيات الكتابة الرسمية باللغة العربية والمهارات الأساسية لاستخدام الحاسب الآلي، لكن الغريب أن الدورات التدريبية تضمنت مفاهيم وأبعاد وتحديات الأمن القومي المصري، وشرح مفهوم حروب الجيل الرابع، ومقومات نجاح الدولة، ونطاقات الأمن القومي.
تضيف أن من ضمن الاختبارات الاستفزازية "سيكوماتريك" (اختبار نفسي) وكان عبارة عن مجموعة من الأسئلة من أساتذة في علم النفس للتأكد من السلامة النفسية للموظفين المنقولين، وحزمة برامج الجدارات والتي تُبنى على أساس نتائج تقييم الجدارات السلوكية التي قامت بها وزارة التخطيط، وتشمل كلاً من: الدافعية للإنجاز، والاتزان الوجداني، وفاعلية الاتصال، وكفاءة التعامل مع الواقع، وكفاءة الأداء، والانفتاح على الخبرة، والثقة بالنفس، والعمل الجماعي، واتخاذ القرار، وإدارة الوقت.
يحسد الكثيرون المترجمة، لكنها ليست سعيدة بالنقل وتعتبره عبئاً، لأن زوجها يعمل بالقاهرة، وأبناءها في مدارس بمنطقة المهندسين، ووالدتها قريبة منها في السكن، وهي مسؤولة عنها، لأنها مريضة ضغط وسكر وبداية زهايمر وتحتاج لرعايتها معظم الوقت.
حاولت السيدة الذهاب بسيارتها إلى المكان الجديد فاستغرق ذلك من الوقت ثلاث ساعات في الذهاب، وما يزيد عليها في الرجوع بنصف ساعة، أي أن "أكثر من ربع اليوم يضيع في الطريق وحده، ولن يبقى لديها أي جهد بعد كل هذا"، لذلك أخذت قرارها بالاعتذار عن النقل.
رد رئيسها المباشر على رغبتها، وقال لها: "النقل للعاصمة شرف لم ينله الكثيرون، وإنه سيقال إنك مريضة نفسية أو يتم وصفك بالغباء الوظيفي أو تم استبعادك لأنك تنتمين إلى جماعات محظورة، ففكري جيداً قبل اتخاذ القرار".
السيدة عقدت العزم على الاعتذار، لكن المشكلة أنها إلى لحظة كتابة التقرير لم تجد مكاناً به درجتها الوظيفية التي حصلت عليها بعد سنوات طويلة، والأماكن المناسبة محجوزة أو سيتم نقلها للعاصمة الجديدة، وعليها أن تتقبل فكرة الانتقال إلى درجة أقل ومكان لا تتوفر فيه أقل معايير النظافة، ولا يتناسب مع خبرتها أو شهاداتها من الجامعة الأمريكية، لذلك فهي تفكر جدياً في الاستقالة لأن شروط المعاش المبكر لا تطبق عليها.
وعندما حمل "عربي بوست" تلك الحالات لمصدر مسؤول بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، أكد أن الجهات الحكومية المختلفة هي من قامت بترشيح أسماء 8 من الموظفين على مستوى كل إدارة وقطاع، وفقًا لنتائج الاختبارات التي تم إجراؤها لقياس مهارات العاملين بها، وكشف المصدر أن عدداً من موظفي هذه الجهات أبدوا عدم رغبتهم في الانتقال للعاصمة الجديدة، مما تسبب في تأخير إتمام عملية حصر بيانات الموظفين المنتقلين، مضيفاً أن رفض الموظفين جعل بعض الجهات الحكومية تتحايل للخروج من المأزق، وذلك بتقديم كشوف بأسماء الموظفين المنتدبين للعمل في جهات أخرى بعيداً عن جهات عملهم الأصلية.
خيارات صعبة
وكانت الحكومة أكدت، وفق تصريح للمتحدث الرسمي باسم رئاسة الوزراء، أن الموظف الذي يعيش في شرق القاهرة يحصل على بدل نقدي؛ مضيفاً أن بدل الانتقال سيكون لأقل درجة وظيفية حوالي 2000 جنيه، ومن يرغب في السكن داخل أو بالقرب من العاصمة، فهؤلاء وفرت لهم الحكومة خيارات ومميزات للحصول على وحدات سكنية.
تلك الخيارات يصفها محمود، أحد المنقولين من وزارة التربية والتعليم، بـ"الصعبة"، شارحاً أن الموظفين المتمسكين بالوظيفة "الميري" عليهم اجتياز مسافات طويلة جداً للوصول إلى العاصمة الجديدة بسياراتهم الخاصة وإما يتعاقدون مع وسيلة نقل جماعي وذلك سيكلف مالاً ووقتاً.
يقول الموظف إنه وصل إلى مسامعه بدل الانتقال المادي، لكنه يستقل أربع وسائل مواصلات ذهاباً وإياباً، وعندما قام بحساب تكلفة يومه بوجبات الإفطار والغداء نظراً لطول المسافة وجد أنها لن تقل عن 150 جنيهاً، أي أنه يحتاج أكثر من 3000 جنيه شهرياً وراتبه الشهري وهو موظف درجة أولى 5000 جنيه متسائلاً: ماذا سيتبقى لأسرتي؟!
شرح الموظف أن الخيار الثاني له هو شراء شقة سكنية في العاصمة الإدارية للإقامة بجوار الوزارة، لكنه بعد البحث عن الأسعار، وجد أنه لن يقدر على ذلك إلا الموظف الثري أو المتربح من وراء وظيفته، أو من يتقاضون حوافز عالية خارج النظم الإدارية الرسمية، فالشقة مساحة 80 متراً في العاصمة الإدارية لا يقل سعرها عن مليون جنيه ونصف.
وكان نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء، صرح بأن الموظف الذي يريد السكن في العاصمة الإدارية الجديدة في الحي السكني لن يغطي قيمة بدل السكن أقساط الوحدة السكنية لأن سعر المتر 12300 جنيه.
يستكمل الموظف أنهم فكروا بالحجز في مدينة النور التي روج لها المقربون من النظام بأن مقدم الحجز 38000 لكنهم اكتشفوا أن إجمالي سعر الشقة 84 متراً بدون اشتراك النادي 2,387,100 جنيه ودفعة الحجز 66.350 جنيه وهناك دفعة تعاقد بعد 3 شهور من الحجز: 66.350 جنيه فمن هو الموظف الذي يستطيع أن يشتري شقة بهذا السعر؟
البديل السكني أمام الموظف هو مدينة بدر التي تبعد 7 كيلومترات عن الحي الحكومي في العاصمة الإدارية، وعدد الوحدات الجاهزة حتى الآن 9 آلاف وحدة، وهناك 4700 أخرى جارٍ تجهيزها، لكن الموظف وأصدقاءه يتحفظون عليها، فالرواية الرسمية التي يروجها المسؤولون بأن الوحدة الواحدة تُكلف وزارة الإسكان 675 ألف جنيه، كونها تنتمي لمجموعة "سكن مصر" ويعطونها للموظف بسعر 450 ألفاً لأنه يعفى من ثمن أرض الوحدة وثمن المرافق، كلام غير صحيح، لأن مدينة بدر، وصل سعر المتر بها لـ 4980 جنيهاً، حيث سجلت الشقة الـ115 متراً نحو 572 ألف جنيه، وكان من الممكن طرحها بأقل من ذلك بكثير إن لم يَكُن الهدف التربح من تلك الوحدات.
يختتم الموظف حديثه بأنه تمنى أن يكون من الموظفين العاملين بالأزهر الشريف فقد نما إلى مسامعه أنه لن يتم نقلهم، وهو ما أكدته مصادر بداخل مشيخة الأزهر لـ"عربي بوست" قائلة: "لا يوجد مقر لشيخ الأزهر داخل العاصمة الإدارية وجميع مقراته وموظفيه لن يتم نقلهم، وكان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أبلغ من قبل تمسكه بمقر المشيخة باعتبارها رمزاً للأزهر الشريف"، ولم تؤكد لنا المصادر أو تنفي إذا كان هذا بسبب الصراع بين شيخ الأزهر والرئاسة أم لا؟!
خطة "بريئة" لتصفية ما يزيد على 6 ملايين موظف حكومي
قالت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" إن خطة الاستغناء عن الموظفين قد بدأت بالفعل، ودللت على ذلك بما حدث في وزارة العدل بإحالة العديد من الموظفين للمعاش بداية من مواليد ١٩٦٣، وإعطائهم المستحقات المالية الخاصة بهم، حيث يصل عددهم إلى ٧٠٠ موظف من إجمالي عدد موظفي الوزارة البالغ عددهم ٢٨٥٠ موظفاً، بما يمثل نحو ثلث العدد المتواجد بالوزارة ومن رفض خروجه قبل سن الـ٦٠ سيتم نقله من العمل في الوزارة إلى العمل بقطاعات الشهر العقارى أو المحاكم.
وبالرغم من نفي المركز الإعلامي لمجلس الوزراء والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة تسريح أي من موظفى الجهاز الإدارى للدولة بالتزامن مع تنفيذ خطة التأهيل الإداري، فإن هناء عبدالله وهي رئيس قسم موارد بشرية بأحد المراكز البحثية، تؤكد أن ما يحدث هو بداية خطة ذكية لتصفية دولاب العمل بالدولة وتصفية العاملين بالجهاز الحكومي، وتتم بالتحايل لامتصاص الغضب الشعبي، وستبدو الحكومة أنها لم تجبر أحداً على الاستقالة وإنهاء الخدمة مبكراً.
وبالتالي لن تكون مادة دسمة للإعلام الخارجي أو المنظمات الحقوقية والعمالية، وسيظهر الموظفون وكأنهم هم الذين اختاروا ترك وظائفهم، وأن بطالتهم اختيارية، وأنهم من وضعوا أنفسهم في دائرة الفقر.
تشير إلى أن ما يحدث استكمال لخطة الحكومة المصرية إزاء تقليص عدد الموظفين في الجهاز الإداري للدولة، في ضوء برنامجها للإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، حيث شرعت الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة، بأكثر من طريقة، في تنفيذ رؤيتها الخاصة وفقاً لاستراتيجية التنمية المستدامة (رؤية مصر 2030)، والتي فيها تستهدف الحكومة خفض عدد الموظفين إلى 3 ملايين و846 ألفاً و154 موظفاً، من خلال رفع النسبة من موظف لكل 12.3 مواطن في عام 2016، إلى موظف لكل 26 مواطناً في عام 2020، وصولاً إلى موظف لكل 40 مواطناً في عام 2030.
ولطالما ردد الرئيس المصري أن دواوين الحكومة لا تحتاج إلا مليون موظف فقط من أصل 6 ملايين. كما ذكر أن الجهاز الإداري عيّن مليون شخص في العام 2011 ليس لهم أي دور.
تستنكر الباحثة تلقف الأجهزة الرسمية لتصريحات الرئيس كالعادة لاستحداث مشروعات قوانين وتعديلات إدارية للوصول إلى تلك النسبة، موضحة أن الحكومة تسعى لإصلاح الخلل في عدد موظفي الجهاز الإداري للدولة الذي زاد مليون موظف بعد ثورة 25 يناير، وأصدرت قانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015، والذي ينظم عملية تعيين الموظفين الجدد بالحكومة، وتعمل الحكومة في الوقت الراهن، على دراسة تفصيلية حول الجهاز الإداري، علاوة على استهدافها خلال الفترة الحالية لنوعين من الموظفين هم المدمنون والمنتمون لجماعات محظورة.
وصرح المستشار محمد جميل، رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والادارة، بأن الحكومة بصدد حصر الموظفين المدرجين على قوائم الإرهاب أو المحكوم عليهم وفقاً لأحكام نهائية بالانتماء لجماعات إرهابية أو ممارسة أعمال إرهابية تمهيداً لفصلهم من الجهاز الإداري.
وشدد النائب علي بدر على طلب بعض الوزراء بإصدار القانون، وعلى رأسهم الفريق كامل الوزير وزير النقل، قائلاً إن "بعض الوزراء أيديهم مغلولة أمام اتخاذ إجراءات لمواجهة الموظفين أصحاب الأفكار الإرهابية في الدولاب الوظيفي".
حملات لإقصاء المدمنين
وكشف مصدر حكومي مسؤول لـ"عربي بوست" أن الجهاز المركزي بصدد حملات مفاجئة على الجهاز الإداري لعمل تحليل للموظفين لكشف الإدمان، وأن موعد بدء سريان القانون رقم 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، والذي أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسي، مؤخراً، بعد إقرار مجلس النواب له، والذي تضمن فصل الموظفين المدمنين للمُخدرات، سيكون في يناير/كانون الثاني المقبل.
معاناة الموظفين ورفض بعضهم للنقل لا تقتصر على جهة بعينها، وطبقاً لتقرير ترجمه ونشره مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط فقد تعرّض الدبلوماسيون الأجانب للضغوط من أجل الانتقال إلى العاصمة الجديدة. وتُبدي بعثات كثيرة تردداً في الالتزام باستئجار عقارات باهظة التكلفة لإقامة مكاتبها ومقراتها السكنية، وقرّرت بدلاً من ذلك الانتظار والترقّب أو الالتزام فقط بأن يكون لها حضورٌ رمزي في العاصمة الإدارية. وأنه وفقاً لبعض التقارير، لمّح المسؤولون إلى البعثات الأجنبية بأنه لا يمكن ضمان سلامتهم في حال اختاروا البقاء في القاهرة.
ميلاد دولة جديدة خالية من الفساد!
قبل نحو 6 سنوات، في شهر مارس/آذار 2015، أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قرار إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة خلال فعاليات المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في مدينة شرم الشيخ الساحلية.
وتقع العاصمة الجديدة في منتصف المسافة بين القاهرة والسويس (شرق القاهرة بحوالي 60 كيلومتراً) وتمتد بين طريقي (القاهرة-السويس) و(القاهرة-الإسماعيلية)، وتبلغ مساحتها 168 ألف فدّان، وهي مملوكة لشركة العاصمة الإدارية الجديدة، وهي شركة استثمارية بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة (تمتلك 49% من أسهم الشركة) والجهاز الوطني للأراضي (التابع للقوات المسلحة) يمتلك 51% من الأسهم ورأس مال الشركة 20 مليار جنيه، ورأس المال المرخص به وفق تأسيس الشركة هو 204 مليارات جنيه، بحسب تصريحات رئيس الشركة اللواء أحمد زكي عابدين.
حينها اختلفت آراء المراقبين السياسيين والاقتصاديين حول جدوى استبدال القاهرة بمدينة جديدة، بينما البلاد بحاجة لتنمية حقيقية وهناك ملفات أهم مثل الصحة والتعليم، وذلك بالنظر إلى تكلفة العاصمة الجديدة التي تتطلب عشرات المليارات من الدولارات.
ونشر أستاذ القانون الدستوري الدكتور صلاح فوزي، عضو لجنة العشرة لوضع الدستور، بحثاً قانونياً بعنوان "العاصمة والدستور"، أوضح فيه أن انتقال البرلمان إلى الانعقاد في العاصمة الإدارية الجديدة يتطلب تعديل الدستور الذي ينص على أن "القاهرة هي مقر مجلس النواب، ولا يجوز انعقاده في غيرها إلا بناء على قرار من رئيس الجمهورية أو موافقة ثلث الأعضاء بالمجلس".
وهناك من ذكر بفشل فكرة مدينة السادات غرب القاهرة التي أرادها الرئيس الراحل أنور السادات عاصمة بديلة بنفس رؤية العاصمة الإدارية.
وبالرغم من ذلك تم العمل على قدم وساق على الرغم من انسحاب شركة إماراتية من المشروع بعد وقت قصير من الإعلان عنه، وتحمل الجيش والحكومة عبء توفير 25 مليار دولار تكلفة المرحلة الأولى حتى الآن تم ضخها من خارج الميزانية العامة للدولة، فضلاً عن توفير بعض القروض والتمويل الأجنبي.
ومنذ أيام صرح اللواء أحمد زكي عابدين، رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة، بأن حي الوزارات بها على أتم الجاهزية لاستقبال أكثر من 50 ألف موظف، كدفعة أولى طبقاً للخطة المعلنة بالتنسيق مع الحكومة، مشيراً إلى أن خطة نقل مقرات الوزارات من القاهرة إلى العاصمة الجديدة متواصلة، وتتم تدريجياً في شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2021.
وقال خالد الحسيني، المتحدث باسم العاصمة الجديدة: "نسبة التنفيذ في المرحلة الأولى تجاوزت 60% في كامل المشاريع". وأضاف أن نقل موظفي الحكومة المؤجل سيبدأ في يوليو/تموز قبل الافتتاح الرسمي المخطط له نهاية 2021.
لكن "عربي بوست" علم من مصدر داخل جهاز العاصمة الإدارية أنه لم يتم الانتهاء من المرحلة الأولى، وهي إحدى مراحل المشروع الثلاث، وأن اكتمال المشروع سيستغرق عشرات السنين، لكن الحكومة سيكون بإمكانها العمل بشكل طبيعي، بينما تتواصل عمليات الإنشاء، فضلاً عن أن تواجد الموظفين بها وتوفر بعض الخدمات سيكون جاذباً للاستثمارات.
وأكد المصدر أن التشغيل التجريبي للمباني الحكومية لن يبدأ قبل أغسطس/آب المقبل، حيث سيتم نقل الموظفين إليها تباعاً، وتباهى المصدر بأن ذلك سيكون تحت شعار "عاصمة جديدة بلا فساد"، بسبب الدورات التدريبية التي حصل عليها الموظفون المنتقلون في كشف الفساد وملاحقه والإبلاغ عنه.