افتتح المجلس الثوري لحركة فتح دورته الثامنة في مقر المقاطعة برام الله الإثنين 21 من يونيو/حزيران 2021، وسط أجواء من التوتر والانقسام شهده الاجتماع قبل انعقاده.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست"، فإن اللجنة التنسيقية للمجلس رفضت توجيه الدعوة للأعضاء الذين انضموا لقائمة "الحرية"، والتي يترأسها كل من ناصر القدوة ومروان البرغوثي للانتخابات التشريعية، التي أعلن تأجيلها الرئيس محمود عباس أواخر أبريل/نيسان الماضي.
وشمل قرار الإقصاء من حضور الاجتماع، حسب المصادر نفسها، كلاً من فدوى البرغوثي زوجة الأسير مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية للحركة، وجمال حويل وفخري البرغوثي، الأعضاء المنتخبين في المجلس منذ دورة المؤتمر السابع للحركة 2016، وقد انضموا لقائمة الحرية الانتخابية.
وتشكل هذه الأسماء رمزية كبيرة داخل فتح، ففخري البرغوثي، الذي يعد ثاني أقدم أسير في العالم أمضى 34 عاماً في المعتقلات، وكان من المؤسسين الأوائل لحركة فتح، وتربطه علاقات وثيقة بقيادات الحركة الأوائل.
أما جمال حويل فيترأس لجنة أسر الشهداء والأسرى والجرحى في المجلس، أما فدوى البرغوثي المحامية والحقوقية فتعد أحد الوجوه النسائية في حركة فتح، وأحد أبرز قنوات الاتصال الداخلي للحركة، خصوصاً بين قيادات اللجنة المركزية وزوجها مروان.
مؤتمر دون قادة
انعقاد مؤتمر المجلس الثوري في وقت شهدت فيه الساحة الفلسطينية والفتحاوية الداخلية الكثير من المحطات، بدءاً من مرسوم الرئيس بتأجيل الانتخابات الذي كان أحد الأسباب لتفجّر الأوضاع الميدانية في غزة.
بالتوازي مع ذلك تعيش حركة فتح أزمة مالية تمر بها السلطة كشف عنها رئيس الوزراء محمد إشتية عقب انتهاء جولته الخارجية التي شملت دول الخليج، ما يعكس انطباعاً بأن الحركة تمر بمرحلة سياسية سيئة بالنسبة لعلاقاتها الخارجية مع الدول العربية، وعدم وجود نوايا حقيقية لعودة الاتصالات مع حماس.
جمال حويل، رئيس لجنة أسر الشهداء والأسرى والجرحى في حركة فتح، قال: "إننا لم نُدعَ لجلسة المجلس، وننظر بقلقٍ لمصير فتح بالشكل الذي يقوده الرئيس، فكل قرار سيصدر عن المجلس يمس موقعنا التنظيمي لن يكون ملزماً لنا، وقرار الفصل من المجلس له أسسٌ داخلية تبدأ بوجود اتهام أو قضية ضد الشخص، ثم يتم تشكيل محكمة حركية، ثم مصادقة ثلثي أعضاء المجلس، لكننا لا نستبعد أن يكرر الرئيس ما فعله مع ناصر القدوة، الذي فصله من عضوية اللجنة المركزية دون المرور بهذه الخطوات".
وأضاف المتحدث أن "الرئيس يقودنا للهاوية، فكل قرارات الإقصاء التي مُورست سابقاً وتمارس الآن بحق الكادر الفتحاوي أضعفت من موقف وموقع الحركة على المستوى التنظيمي والبيت الفلسطيني الداخلي، وأدت في النهاية إلى فقدان حركة فتح موقعها المتقدم في استطلاعات الرأي بشأن شعبيتها في الشارع الفلسطيني".
وقال المتحدث: "وصلتنا معلومات أن جلسة المؤتمر شابها الكثير من التوتر والانتقاد من رفاقنا في المجلس الذين انتقدوا سياسة وموقف الرئيس في القضايا الأخيرة، سواء تأجيل الانتخابات، ووضع عراقيل واشتراطات في ملف إعمار غزة، ونحن نتطلع لدورٍ أكبر من أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الاستشاري والثوري، ليكون لهم موقفٌ من توجهات الرئيس في إدارته للحركة والشأن العام الفلسطيني".
تراجع شعبي للحركة
على المستوى الشعبي، شهدت فتح تراجعاً في رصيدها الشعبي، إذ تعرضت لموجة انتقادات من معقلها الرئيسي في الضفة الغربية، بسبب موقف الرئيس من أحداث القدس وغزة، وتأخر رد الفعل للتحرك السياسي والميداني للتفاعل معها، زادها فضيحة اللقاحات التي أبرمتها السلطة مع دولة الاحتلال لتوريد مليون جرعة لقاح من نوع "فايزر" منتهية الصلاحية.
عبد الله عبد الله، عضو المجلس الثوري، ونائب مفوض العلاقات الدولية في الحركة قال لـ"عربي بوست" إن "انعقاد المؤتمر في هذا التوقيت يأتي من أجل إنهاء وبحث الكثير من القضايا التنظيمية العالقة التي تحتاج إلى نقاش وحسم، سواء على المستوى التنظيمي أو على مستوى رسم السياسات القادمة في ظل المتغيرات التي تمر بها الحالة الفلسطينية".
وأضاف المتحدث أن "عدم دعوة بعض أعضاء المجلس تتولى لجنة تنظيم المؤتمر مسؤوليته، إذ لم يتم بحث هذه القضية في الاجتماع، وقد يحمل اليوم الأخير للمؤتمر بحثها، لكن الحركة لديها موقف ثابت بالتعامل بحزم وفق الأسس التنظيمية مع كل قيادي أي كان موقعه التنظيمي يخرج عن سياسات الحركة".
وكشف المتحدث أن "التحضير لعقد المؤتمر الثامن للحركة مطروح على أجندة المؤتمر، إذ تأخر انعقاد هذه الجلسة 18 شهراً، والمجلس الثوري سيرفع توصياته لبدء التحضيرات على مستوى الأقاليم استعداداً لعقد المؤتمر في حال صادقت على اللجنة المركزية".
سلوك عباس يؤزم الوضع
يمكن ترجمة وقراءة سلوك عباس على المستوى التنظيمي بإقصاء خصومه ومعارضيه، بأنه مقدمة لعقد المؤتمر الثامن للحركة، التي زادت الأصوات المطالبة بعقده لتوحيد البيت الفتحاوي، خصوصاً بعد الانقسام الكبير الذي شهدته الحركة بقيام القدوة والبرغوثي بتأسيس قائمة انتخابية موازية لقائمة الحركة الأم، ولاقت رواجاً كبيراً داخل الأوساط الفتحاوية الناقمة على سياسة الرئيس.
ويزيد من فرضية لجوء عباس لهذا الخيار اتساع حالة الضغط الداخلي، إذ هدد إقليم شرق غزة بحل نفسه وتقديم استقالات، بسبب ما سمّوه مماطلة الرئيس بإنصاف الكادر الفتحاوي، وعدم حسم قضية موظفي السلطة بغزة، خصوصاً فئة موظفي 2005، الذين يمثلون عصب فتح التنظيمي داخل غزة.
لكن اللجوء والإصرار على هذا المؤتمر قد يصطدم بأصوات ترفض عقده في هذه الظروف، خصوصاً من محمد دحلان وناصر القدوة، وتكمن الخشية الأكبر أن يقوم الرئيس بفصل البرغوثي من الحركة بسبب موقفه إبان فترة الانتخابات.
عماد محسن، المتحدث باسم التيار الإصلاحي التابع لدحلان، قال لـ"عربي بوست" إن "أي حديث عن إجراء مؤتمر ثامن للحركة في ظل ما نراه من مشهد فتحاوي داخلي مشتت بهذا الشكل، سيكون مرفوضاً بالنسبة لنا، ولن نسمح بنكبة جديدة كما حدث في المؤتمر السابع، حينما تم إقصاء أسماء وقيادات وازنة وتاريخية في الحركة بسبب موقفها من الرئيس".
وأضاف المتحدث أنه "لا أحد مستفيد من سياسة الإقصاء التي يمارسها الرئيس بحق الكادر الفتحاوي، نحن نفتح الباب أمام كل فتحاوي تعرض لإقصاء من الرئيس ليكون جزءاً من مظلة سياسية جامعة ندعو لها لإعادة فتح لمسارها الصحيح، ونتعاون للوصول لهذا الهدف ونرسخ كل طاقتنا لذلك، لكننا وصلنا لقناعة أنه لا يمكن تحقيق هذا المسار دون غياب الرئيس والفريق المحيط به عن المشهد".
وكان فصل الرئيس لقيادات فتح أحد أبرز الأدوات والسياسات التي انتهجها في التعامل مع خصمه الأول دحلان، وبجانب من تم فصلهم وتجميد عضويتهم في هذا المؤتمر، تعرض نواب وأعضاء من المجلس الثوري الذين انضموا لدحلان لفصل وإقصاء، ومن أبرزهم ماجد أبو شمالة، وعبد الحكيم عوض ونجاة أبو بكر وأشرف جمعة.
ذو الفقار سويرجو، الكاتب والمحلل السياسي، قال لـ"عربي بوست" إن "الرئيس أدرك أن ما جرى في فترة التحضير للانتخابات التي أجلها، ولّد لديه شعوراً بأنه فقد أوراق الضغط والسيطرة على الحركة، لذلك يعود لسياسته القديمة – الجديدة بفصل وإقصاء معارضيه".
وأضاف المتحدث أن "المستفيد الأكبر من هذه السياسة هم تيار دحلان والقدوة، اللذان تزداد أسهمها السياسية في رصيد الشارع، كونهم تعرّضا لظلمٍ بسبب موقفهم من عباس، لكن تبقى فرص التوافق بتشكيل تحالف بين دحلان والقدوة متدنية، نظراً لاتساع حالة الخلاف في الكثير من القضايا التي تجمعهما".