استبشر كثير من الليبيين بطي صفحة من معاناتهم، وذلك بعدما أقدمت حكومة الوحدة الوطنية، يوم الأحد 20 يونيو/حزيران 2021، على فتح الطريق الساحلي بليبيا الرابط بين شرقي البلاد وغربها.
وافتتح رئيس حكومة الوحدة الليبية وزير الدفاع، عبدالحميد الدبيبة، رسمياً، الطريق الساحلي بليبيا الرابط بين مدينتي سرت ومصراتة، وذلك بإزالة الحواجز الترابية، واستئناف حركة السفر ونقل البضائع، حسب ما أظهرته التسجيلات المرئية، وبذلك بإشراف بعض من القوات الأمنية المكلفة من قبل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، والتابعة للحكومة.
عملية فتح الطريق الساحلي بليبيا أثارت غضب ميليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، والتي قالت إن "العملية تمت بشكل أحادي من طرف حكومة الدبيبة، ولم يكن كل أعضاء لجنة 5+5 مشرفين على الأمر".
عملية فتح الطريق الساحلي بليبيا
يُعتبر الطريق الساحلي بليبيا الشريان الساحلي في ليبيا، إذ يربط كل مدن الساحل، من شرق البلاد (الحدود الليبية المصرية)، وحتى غربها (الحدود الليبية التونسية)، مروراً بمُدن بنغازي، وسرت، ومصراتة، وطرابلس، ويبلغ طوله أكثر من ألف وثمانمئة كيلومتر.
ويُعتبر الشريط الساحلي هو خط التماس بين ميليشيات حفتر شرق مدينة سرت، والجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية غرب المدينة نفسها، وأُغلق نتيجة العمليات العسكرية التي قامت بها ميليشيات الجنرال، إبان هجومها على طرابلس في أبريل/نيسان 2019.
وبعد عام من إغلاق الطريق الساحلي بليبيا شكلت بعثة الأمم المتحدة لجنة عسكرية سميت بلجنة 5+5، بموجبها تم اختيار خمسة عسكريين من قوات الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر، وخمسة عسكريين آخرين من حكومة الوفاق الوطني، وأُعلن على إثرها وقف لإطلاق النار، لتبدأ اللجنة بالعمل على فتح الطريق الساحلي بليبيا، وإخراج المرتزقة من المنطقة التي تمتد لأكثر من مئتي كيلومتر.
وشارك الدبيبة في عملية الفتح الجزئي للطريق، إذ أكد في كلمة له بالمناسبة أن "هذه الجهود جاءت بعد مرحلة عصيبة، عانى خلالها الشعب الليبي من أحداث مؤلمة وتجارب جسيمة، وتكبّد مشاق السفر عبر طرقٍ بديلةٍ".
ونقل المكتب الإعلامي عن الدبيبة قوله أيضاً، إن "حكومة الوحدة الوطنية وُلدت من رحم هذه المعاناة، وتقع عليها مسؤولية طيّ صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة من الأمل والإقبال على الحياة".
واعتبر الدبيبة أن "شبح الانفصال قد ولّى إلى غير رجعة بعد فتح الطريق الساحلي بليبيا وربط شرق البلاد بغربها"، مُعتبراً أن "ما حدث اليوم يُعد حدثاً تاريخياً مهماً من تاريخ ليبيا الحديث".
لماذا يُريد حفتر استمرار إغلاق الطريق؟
أعلن أحمد سالم، القيادي في ميليشيا حفتر بسرت، وآمر غرفة عمليات غرب المدينة، وآمر المنطقة العسكرية الوسطى، أنه لم تصدر أوامر من قبل لجنة 5+5 بفتح الطريق الساحلي بليبيا الرابط بين سرت ومصراتة، واصفاً الإعلان عن فتح الطريق الرابط بين سرت ومصراتة بـ"الشائعات".
وصرح أحمد سالم، لقناة ليبيا الحدث، المملوكة لنجل خليفة حفتر، صدام حفتر، بأنه "لم تصدر أي تعليمات بالخصوص من قبل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، باعتبارها الجهة الوحيدة المخولة والمسؤولة عن جميع الترتيبات الأمنية والتنسيق بين الطرفين في هذا الشأن".
وأكد سالم ترحيب ما سماها "القوات المسلحة"، بفتح الطريق الساحلي بليبيا في حالة إعلان اللجنة العسكرية 5+5 ذلك، مشيراً إلى أن "فتح الطريق يعتبر إحدى النقاط التي تسعى إلى تحقيقها اللجنة العسكرية عبر عقد اجتماعاتها".
واعتبر أحمد سالم أن ما قام به رئيس الحكومة، عبدالحميد الدبيبة، هو تصرف فردي، ولا يمثل اللجنة العسكرية كاملةً، وهي المسؤولة الوحيد عن إعلان فتح الطريق الساحلي بليبيا، حسب تعبيره.
من جهته، قال الناطق الرسمي باسم ميليشيات حفتر أحمد المسماري، إن "إعلان رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة فتح الطريق الساحلي، هو محاولة منه للقفز على جهود لجنة الحوار خمسة زائد خمسة"، حسب وصفه.
وأضاف المسماري خلال مقابلة تلفزيونية، أن "فتح الطريق احتفالية مدفوعة الثمن، وجاءت بناء على اتفاقات هشة قائمة على تحالفات وتكتلات جهوية، وبتعليمات غير صادرة من اللجنة العسكرية 5+5، بفتح الطريق الساحلي الرابط بين سرت ومصراتة".
الخبير العسكري اللواء طيار، عادل عبدالكافي قال إن "خليفة حفتر لا يريد فتح الطريق بغرض العرقلة، وإحراج الحكومة والمجلس الرئاسي، كونه القائد الأعلى للجيش، وأنهم لا سلطة لهم عليه، وكذلك كي لا يخسر أماكن تموضع قواته، خصوصاً أنه يعمل مؤخراً على توسعة نفوذه بعد إرساله قوات وذخائر وأسلحة لجنوب ليبيا".
ويعتقد عبدالكافي في تصريح لـ"عربي بوست" أن "خليفة حفتر لا يملك السيطرة على القوات المتمركزة في الطريق الساحلي شرق مدينة سرت، كونها خاضعة لسيطرة مرتزقة فاغنر، والإفريقيين من الجنجاويد، والعدل والمساواة".
ويرى مراقبون أن الجهود المبذولة لفتح الطريق الساحلي هي بمثابة توحيد الشرق والغرب الليبي الذي يشهد انقساماً طيلة الست سنوات الماضية، ليبقى التحدي الأكبر بعد فتح هذا الطريق هو تأمينه.
وتعليقاً على تصريحات قيادات حفتر العسكريين أعلن آمر غرفة عمليات سرت الجفرة اللواء، إبراهيم بيت المال عن نيتهم رفع قضية ضد المعرقلين الحقيقيين لفتح الطريق الساحلي، وضد المتحدث الرسمي باسم ميليشيات الجنرال، أحمد المسماري، بسبب الافتراءات والأكاذيب التي اختلقها.
وأضاف إبراهيم بيت المال في تصريحات إعلامية أن "نوايا ممثلي حفتر في لجنة 5+5 غير حسنة، وأن الحكم ليس في أيديهم ومماطلتهم في فتح الطريق الساحلي من جانبهم تؤكد ذلك".
وذكر آمر الغرفة أن "ما جرى أول أمسٍ الأحد من فتح الطريق كان يوماً تاريخياً لليبيين، أثبتت فيه الجهات التابعة لهم جديتها في رفع المعاناة عن الشعب بفتح الطريق"، مؤكداً أنه "لا فرق لديهم بين الشرق والغرب أو الجنوب".
فتح كلي مؤجل
وكان من المفترض فتح الطريق بشكل كلي يوم الإثنين 21 يونيو/حزيران 2021، إذ أفاد عضو اللجنة العسكرية المشتركة، اللواء مختار النقاصة بأن "فتح الطريق الساحلي رسمياً سيكون الإثنين 21 يونيو/حزيران 2021، تليه المرحلة الأولى من إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب".
وأكد عضو اللجنة العسكرية المشتركة أن "عملية فتح الطريق من جهة الغرب التي بدأت يوم الأحد، هي عبارة عن إزاحة الحواجز الموجودة على طول الطريق، تمهيداً للإعلان الرسمي الإثنين".
ونوه المتحدث إلى أن هناك إزاحة للساتر من الجهة الشرقية وأنه على أساس اجتماع اليوم ستنسق اللجنة العسكرية 5+5 لإعلان فتح الطريق وتدشن الخطوة بالمرور منها يليها المواطنون.
غير أن الطريق لم تفتح كما كان متفقاً عليه، وذلك بسبب مماطلة ميليشيات خليفة حفتر، هذا الأخير الذي يسعى إلى عرقلة العمل الحكومي، على حسب قول الخبير العسكري اللواء طيار، عادل عبدالكافي.
من جهتها، قالت السفارة الأمريكية في ليبيا إنّ "فتح الطريق الساحلي الرابط بين شرق وغرب ليبيا أمرٌ مهم، ويأتي في الوقت الذي يستعد فيه المجتمع الدولي للاجتماع في برلين".
وطالبت السفارة الليبيين والقوى الأجنبية بـ"التركيز على تشجيع الاستقرار من خلال أفعال مثل السماح للطريق الساحلي بأن يظل مفتوحاً، وتمهيد الخطى أمام الليبيين للسيطرة الكاملة على شؤونهم الخاصة، بما في ذلك إجراء الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول 2021″.