يُحاول الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أن يستعيد أمجاد علاقات بلاده الدبلوماسية مع عدد من الدول التي ابتعدت عنها الجزائر في السنوات الأخيرة، في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
ويبدو أن تبون لم يضيّع الكثير من الوقت ليختار السكة الخارجية التي ستسير عليها الجزائر لخمس سنوات قادمة، بحيث وطَّد علاقات بلاده مع كل من قطر وتركيا وروسيا وإسبانيا، بينما أدار ظهره للإمارات والمغرب وفرنسا، وبدرجةٍ أقل مصر والسعودية.
واتخذ تبون قراراً مهماً يعد مؤشراً قوياً على مستقبل العلاقات الجزائرية القطرية، إذ اعتمد شخصياً قناة الجزيرة القطرية التي كانت محظورة لعقدين من النشاط في الجزائر، وأجرى معها حواراً صحفياً كأول قناة عربية تحظى بذلك.
كما أشاد قبل أسبوع في حوار مع مجلة "لوبوان" الفرنسية بالعلاقات الثنائية التركية، كاشفاً أن أنقرة أكبر مستثمر في بلاده بمبلغ قدره 5 مليارات دولار.
العلاقات الجزائرية القطرية
بمجرد دخوله مكتبه بقصر المرادية، وجد الرئيس الجزائري الملف الليبي الذي كانت أحداثه مشتعلة على الأرض، إذ وصلت قوات حفتر المدعومة إماراتياً ومصرياً إلى تخوم العاصمة طرابلس، التي كانت تسيطر عليها حكومة السراج المعترف بها أممياً.
وبسرعة تحركت الجزائر باستدعاء السراج لمناقشة الوضعية الأمنية في البلاد، وانتهى اللقاء بإطلاق تبون تصريحه الذي عاد إليه مؤخراً في حواره مع قناة الجزيرة والذي قال فيه إن "طرابلس خط أحمر".
وحاولت الجزائر التوصل إلى حل سلمي للأزمة بالتواصل مع حفتر، لكنها أدركت استحالة المهمة، وهو ما جعلها تبارك التدخل التركي ضمنياً الذي جنَّب احتلال طرابلس من طرف المرتزقة، كما سماهم تبون.
بعد ذلك أدرك تبون أن المحور القطري – التركي كانت له كلمته في تجنيب ليبيا كارثة حقيقية، وهو ما كنت تسعى إليه الجزائر وتحقق لها بأقل جهد.
وزار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجزائر، والتقى قبلها بتبون في مؤتمر برلين حول ليبيا.
بعدها بأسابيع زار أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني الجزائر، وخلص اللقاء بينه وبين تبون إلى توافقٍ تام بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية والسياسية والاقتصادية، حسبما كشف عنه الرئيس الجزائري.
وفي الجانب الاقتصادي، تُعتبر الدوحة أول مستثمر عربي في الجزائر وتستحوذ على نسبة قدرها 74.31% من الاستثمارات الأجنبية، بحسب تصريح علي بن أحمد الكواري، وزير التجارة والصناعة القطري.
أما فيما يخص أكبر التحديات التي مرت بها قطر خلال العقد الأخير والمتعلقة بحصارها من طرف البحرين والإمارات والسعودية ومصر، فحاولت الجزائر لعب دور إيجابي في حلحلة الأزمة، وقدمت مساعدات غذائية سريعة لقطر لا سيما أن قرار الحصار كان مفاجئاً.
الباحث الجامعي والمحلل السياسي البروفيسور بومدين بوزيد يرى أن "العلاقات الجزائرية القطرية عرفت تطوراً ملحوظاً منذ عهد رئيس الدولة عبدالقادر بن صالح، وحين تولى عبدالمجيد تبون الرئاسة كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أول المهنئين له".
وأضاف المتحدث في حديث مع "عربي بوست" أن "التقاء وجهات النظر بين السلطتين القطرية والجزائرية في بعض القضايا الإقليمية والدولية مكَّن من هذا التقارب، وقد لعب السفير الدكتور بوطورة مصطفى، سفير الجزائر بالدوحة، الدور الأبرز في تحسين العلاقات وتسهيل الاتصالات سواء على المستوى الإعلامي والاقتصادي والسياسي وإعادة تنشيط الاتفاق بين الدولتين في الشركة المختلطة للصلب بمركب بلارة في ولاية جيجل شرقي البلاد".
ويعتقد بوزيد أن "إعادة فتح مكتب قناة الجزيرة بالجزائر هي من بين القضايا التي كانت تجد فيها الجزائر حرجاً لأسباب تتعلق بالدبلوماسية الخارجية التي تقف على مسافة واحدة من بلدان الخليج العربي، ولكنها على مستوى التعاون الأخوي والإنساني في أزمة قطر بعد الحصار كانت الطائرات الجزائرية حاضرة، وهو نفس السلوك الرائع الذي لاحظناها من الخطوط القطرية في نقل وشحن اللقاحات إلى الجزائر".
وقال المتحدث: "أتصور أن التقارب القطري-الجزائري تُحتمه قضايا استراتيجية مستقبلية تتعلق بالملف الليبي والساحل الإفريقي والتعاون الجزائري مع تركيا وروسيا، كما أن الموقف من القضية الفلسطينية والتطبيع له حساسيته في الجزائر شعبياً ورسمياً، مما يجعل السلطة الجزائرية تعطي أولويات خاصة في علاقاتها الخارجية".
وللإشارة فإن العلاقات الجزائرية القطرية لها ذاكرة رمزية مشتركة منذ ثورة التحرير، حينما قدم القطريون مساهمات مالية من أجل الثورة، كما أن حاكم قطر أحمد بن علي عبدالله آل ثاني وضع قصره بسويسرا عام 1962 تحت تصرف الثوار الجزائريين المفاوضين من أجل استقلال البلاد.
وأبدى أستاذ الإعلام والاتصال بوعبد الله بن عجمية إعجابه بالخطوة التي اتخذها تبون تجاه قناة الجزيرة، مؤكداً أنها "في الاتجاه الصحيح".
وأشار بن عجمية، في تصريح لـ"عربي بوست"، إلى أن "قناة مثل الجزيرة يُمكنها أن تفيد الجزائر كثيراً وتعزز العلاقات مع دولة قطر".
الإمارات الخاسر الأكبر
كلما اقتربت الجزائر من قطر بعدت عن الإمارات، بحيث تعرف العلاقات مع هذه الأخيرة توتراً غير مسبوق، بسبب رفض تبون التطبيع وانتقاده علانية لعرابيه.
وكان "عربي بوست" قد كشف في خبر حصري رفض الجزائر تلقي مساعدات طبية ومالية من أبوظبي لتخطي آثار جائحة كورونا.
وكشف موقع "مغرب انتلجنس" الفرنسي أن الإمارات هددت بمراجعة علاقاتها مع الجزائر بعد تصريحات تبون ضد التطبيع.
وأبدت أبوظبي انزعاجها من التقارب الجزائري – التركي – القطري وتبنيهم نفس المواقف في المنطقة، لدرجة التهديد بسحب استثماراتها من البلاد.
واتجهت الإمارات إلى منافس الجزائر الإقليمي المغرب لمعاقبته، رغم البرودة التي كانت تطبع علاقات أبناء زايد مع الرباط بسبب موقفها من الأزمة الخليجية، وقامت بفتح قنصلية لها في مدينة العيون التي تقع في الصحراء، التي تعتبرها الجزائر محتلة من طرف المغرب.
وقال بن عجمية إن مشكلة الجزائر من بعض الدول الخليجية تكمن في عدم عدائها مع الإسلام السياسي، الذي حاولت بعض الدول تحريض الجزائر عليه دون أن تلقى استجابة.
وأضاف المتحدث أن كلام تبون عن الإسلام السياسي كان واضحاً، بحيث قال إنه "جزء من الساحة السياسية الجزائرية، وهو مرحب به ما دام يحترم قوانين الجمهورية".
من جهته، أكد المحلل السياسي المهتم بالعلاقات الدولية مولود صياد أن "الإمارات تريد أن تتعامل مع الدول بمنطق من ليس معي فهو ضدي، وهذا المنطق لم يعُد سائداً في العالم الحديث".
ويرى صياد في حديثه مع "عربي بوست" أن "الإمارات هي الخاسر الأكبر، لأن الجزائر تملك علاقات جيدة مع بقية الدول الخليجية، مثل قطر وعمان والسعودية والكويت، بينما لا تملك الإمارات علاقات جيدة مع دول المغرب العربي باستثناء المغرب".
وأضاف المحلل ذاته أن "الجزائر تكون قد اختارت الطريق الصحيح بكسبها دولة مثل قطر وتركيا مع الحفاظ على علاقات جيدة مع مصر والسعودية".