قالت صحيفة The New York Times الأمريكية، في تقرير نشرته الأحد 6 يونيو/حزيران 2021، إن اليهود الأرثوذكس المتشددين في إسرائيل يواجهون الآن احتمالية فقدان النفوذ الذي حازوه زمناً طويلاً في الحكومة، لكن ربما يكون لذلك بعض المميزات لهم.
إذ إن ما قد يعتبرونه نكسةً حلَّت بهم بتراجع هيمنتهم على السلطة، قد يكون بوابةً لتخفيف بعض القيود المفروضة على الحياة العامة في عموم إسرائيل.
تحالف حزبي في إسرائيل
يأتي ذلك في ظل أن التحالف غير المتجانس الذي برز ليحل محل بنيامين نتنياهو، الذي دام بقاؤه في السلطة ما يزيد على 12 عاماً، تحالف ممتد عبر الطيف السياسي الإسرائيلي من اليسار إلى اليمين، ويشمل أحزاباً علمانية ووجوهاً سياسية متشددة جديدة من المعسكر الصهيوني الديني، إضافة إلى حزب عربي إسلامي صغير.
يغيب عن هذا التحالف المتدينون الأكثر تشدداً، أو الحريديم، الذين لطالما كان لهم ممثلون سياسيون في معظم حكومات إسرائيل، وليس كلها، منذ أواخر السبعينيات، عندما أنهى حزب الليكود اليميني عقوداً من الهيمنة السياسية لمؤسسي الدولة من اليساريين الاشتراكيين.
على مر السنين، أقام الحزبان الحريديان الرئيسيان [الحريديم الأشكناز: كتلة يهودات هتوراه، والحريديم الشرقيون (السفارديم): حزب شاس] تحالفاً وثيقاً مع نتنياهو، زعيم الليكود، واستفادا من دورهما بوصفهما عناصر أساسية في سلسلة من الائتلافات الحاكمة التي ترأسها نتنياهو.
في موقعهم هذا، مارسوا ما يراه عديد من النقاد نوعاً من السلطة غير المتكافئة لفرض نفوذهم على سياسات الدولة، وقد برز ذلك، على سبيل المثال، عندما تصدوا بنجاح، أو بعض طوائفهم، لقيود الدولة الخاصة بمكافحة وباء كورونا، ورفضوا ببساطةٍ الانصياع لها في مجتمعاتهم.
نفوذ اليهود الأرثوذكس
في حين أثار النفوذ والامتيازات الرسمية للأرثوذكس المتشددين، الذين يشكلون نحو 13% من السكان، استياءً عاماً بين التيار الرئيسي من الإسرائيليين، وخلقَ نوعاً من النفور بين كثير من اليهود في الخارج الذين ينتهجون تعاليم يهودية أقل صرامة.
الأدهى من ذلك، أن مؤسسة الحاخامية الكبرى في إسرائيل، وهي أعلى سلطة دينية بالدولة، يديرها الأرثوذكس المتطرفون، ولهؤلاء السيطرة على الزواج والطلاق والتحولات الدينية الرسمية لليهود، وهم لا يقرُّون بشرعيةٍ لتيارات الإصلاح أو حاخامات الوسط المحافظين أو اليهود القرائيين.
إضافة إلى ذلك، يروج السياسيون الحريديون لأجندة اجتماعية رجعية تعارض الزواج المدني وحقوق المثليين والسماح بالعمل أو استخدام وسائل النقل العام في يوم السبت، وغالباً ما يعرقلون أجندة الحقوق المدنية التي يعتز بحملها كثير من أعضاء الائتلاف الحاكم الجديد. ويدعم الحريديم نظاماً تعليمياً مستقلاً يركِّز على الدراسات الدينية ويتجنب تجنباً كبيراً التعليم العلماني للبنين.
فيما عملت الأحزاب الحريدية كذلك على تأمين تمويل حكومي سخي لأفرادها ومؤسساتها، ما مكَّن كثيرين من الانكباب على الدراسات التوراتية ومساعدة آخرين في تجنب الخدمة العسكرية الإجبارية، لكن الآن يدق الحاخامات الحريديم ناقوس الخطر.
خوف وحذر!
صحيفة HaMevaser، وهي صحيفة يومية تمثل أصوات الجناح الحسيدي داخل أحد الأحزاب الدينية المتطرفة، "كتلة يهودات هتوراه"، علقت في عنوان كتبته باللون الأحمر العريض بقولها إنه "خوف وحذر بين يهود الحريديم"، وذلك في معرض حديثها عن صفقة الائتلاف الحاكم، هذا الأسبوع.
كما حذَّر "مجلس حكماء التوراة"، وهو الهيئة العليا التي تقود حزب "شاس"، الذي ينخرط فيه السفارديم الأرثوذكس المتطرفون، في بيانٍ أصدره، من أن "عالَم التوراة والطابع اليهودي لأرض إسرائيل يواجه خطراً مفزعاً وشيكاً".
التحالف الناشئ، الذي سيتولى السلطة إذا فاز في التصويت البرلماني بمنح الثقة، نتجَ عن ائتلافٍ بين زعيم المعارضة العلمانية الوسطي يائير لابيد من جهة، وزعيم أرثوذكسي بهيئة عصرية يقود أحد الأحزاب اليمينية المتشددة الصغيرة، هو نفتالي بينيت. ومن المفترض أن يتولى بينيت النصف الأول من ولاية الحكومة الجديدة التي تبلغ 4 سنوات.
يزعم الائتلاف أنه يقدم تحالفاً شاملاً يطمح إلى معالجة الانقسامات الضاربة في المجتمع الإسرائيلي، ويحاول درء تفاقمها.
تعهدات بينيت لليهود
من جانبه قال بينيت في مقابلة مع قناة N12، محطة البث الإخباري الأكثر مشاهدة في إسرائيل: "هذه الحكومة لن تسيء معاملة أي شخص، ولن تؤذي أي شخص. فهي ليست حكومة (اضطهاد) لأي أحد. نحن لسنا ضد المستوطنين، ولا ضد الجمهور العلماني، ولا ضد العرب، ولا ضد الحريديم".
مع ذلك، قال مسؤولون بحزب بينيت، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، عن المفاوضات الجارية بشأن الائتلاف، إن جمهور الحريديم، مثل غيره، يمكن أن يتأثر مادياً بتخفيضات مزمعة في الميزانية، وكذلك فيما يتعلق بالأجندة الأيديولوجية الخاصة به فيما يتعلق بالقضايا الحساسة المتعلقة بالدولة والدين.
من الخطوات الأخرى التي يُحتمل إقرارها ويُتوقع أن تثير حفيظة المتشددين الإسرائيليين: فتح السوق لترخيص أطعمة الكوشر، التي يحوز الحريديم من تجارتها أرباحاً مضمونة بفضل هيمنتهم على السوق الخاص بها.
علاوة على ذلك، يبرز مصدر قلق آخر للحريديم، وهو التعيين المتوقع لزعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، في منصب وزير المالية، والحزب معروف باتجاهه القومي العلماني وعداوته للحريديم، فضلاً عن أنه من المقرر أن يرأس نواب حزب "إسرائيل بيتنا" اللجنة المالية البرلمانية، التي ظلت في أيدي نواب حركة "يهودات هتوراه" لأكثر من عقد من الزمان.
التعامل مع البطالة
قال ليبرمان يوم الخميس 3 يونيو/حزيران 2021، إن أولوية الائتلاف الحاكم الجديد ستكون التعاملَ مع البطالة والعجز المتزايد في الميزان المالي الحكومي.
لطالما دعا ليبرمان إلى تقليص التمويل الحكومي للمعاهد الدينية والرواتب التي تمكِّن الرجال الحريديم من مواصلة الدراسة إلى أجل غير مسمى في المعاهد الدينية بدلاً من شغل الوظائف أو الانخراط في الخدمة بجيش الاحتلال.
في ظل التزايد السريع بعدد السكان الحريديم، يسعى ليبرمان إلى إجبار المدارس الدينية المتشددة على تدريس المواد العلمانية الأساسية، مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية، ويرى أن الأولى تجهيز الطلاب لسوق العمل.
تبعاً لذلك، تقول آشلي بيري، وهي مستشارة اتصالات عملت مع ليبرمان في الماضي، إن الخلاصة العامة أن الائتلاف الجديد سيسعى إلى تقليص الاحتكار الحالي للسلطات الدينية المركزية من أيدي الحريديم؛ لما يكفله لهم هذا الاحتكار من سيطرةٍ على عديد من جوانب الحياة اليهودية، كما سيعملون على تحرير المنظومة الدينية عن طريق السماح بمزيدٍ من الصلاحيات للحاخامات المحليين.