خلافاً للموقف المغربي الذي جنحت فيه الرباط إلى التهدئة، انتقلت مدريد إلى الابتزاز، مستعملةً هذه المرة سلاح العمال الموسميين، وذلك من خلال تلويح الصحافة الإسبانية باتفاق يجمع حكومة بلادها مع جمهورية الهندوراس في أمريكا لتوريد عمالها الفلاحين.
الاتفاق الإسباني الهندوراسي الذي نُشر هذا الأسبوع، اعتبرته الصحافة الإسبانية رداً من مدريد على التصعيد المغربي، إذ تعيش العلاقات بين البلدين توتراً غير مسبوق، بسبب اختلاف مصالح البلدين في عدد من الملفات، أبرزها الصحراء والطاقة والهجرة.
مدريد تستغني عن المغرب
حوّلت الصحافة الإسبانية الاتفاقية الثنائية بين حكومة مدريد وجمهورية هندوراس لتنظيم وترتيب تدفقات الهجرة بين البلدين، إلى سلاح في صراع إسبانيا مع المغرب، في ضوء التوتر غير المسبوق بين البلدين والذي انفجر في الشهر الأخير.
الاتفاقية التي صدَّق عليها مجلس حكومة مدريد الثلاثاء 1 يونيو/حزيران الجاري، احتضنت مدريد التوقيع عليها الجمعة 28 مايو/أيار الماضي. وذهبت الصحافة الإسبانية إلى أن موضوع الاتفاقية كان مطروحاً للتفاوض بين البلدين قبل نحو سنة من الآن.
من جهته نقل موقع "بوثبوبولي/Booth Popoli" عن ممثل نقابات المزارعين الفيدرالي في مفاوضات جلب العمال من خارج إسبانيا، مانويل بيدرا، أن "مُنظمته طلبت بالفعل في يونيو/حزيران 2020، من الحكومة التوقيع على اتفاقية الهجرة لجلب عمال زراعيين من دولة هندوراس والإكوادور وليس المغرب، بسبب زيادة المشاكل مع الرباط".
وأضاف مانويل بيدرا، المتحدث باسم نقابات المزارعين، أن "هناك المزيد والمزيد من المشاكل مع المغرب، فإذا طلبنا 20 ألف عامل، يأتي 14 ألفاً فقط".
وينتقل سنوياً آلاف المغاربة إلى إسبانيا للعمل بشكل موسمي، أغلبهم من النساء العاملات في حقول جني الفواكه الحمراء، وبالأخص فاكهة الفراولة.
وكانت وكالة الأنباء الإسبانية "إيفي/EFE" قد نشرت في ديسمبر/كانون الأول، أن هؤلاء العمال الفِلاحيِّين يشكلون جزءاً من مجموعة تتكون من 14 ألف عامل موسمي متوقعة في إسبانيا خلال 2021.
وفي سنة 2020، كانت إسبانيا قد استقبلت 12750 امرأة مغربية، وتستقر أغلب العاملات الزراعيات في حقول الجنوب الإسباني، وتحديداً بإقليم الأندلس، خاصة في منطقة "هويلفا".
مصير عاملات الفراولة في إسبانيا
هذا التلويح الإعلامي الإسباني بملف العمال الزراعيين ردَّ عليه وزير الشغل والإدماج المهني، محمد أمكراز، في معرض جوابه عن سؤال "عربي بوست"، خلال تصريح مقتضب، بكون "هذا الموضوع مؤطراً باتفاقية ثنائية بين المغرب وإسبانيا تحدد التزامات الطرفين".
الوزير أشار في تصريحه، إلى اتفاقية اليد العاملة بين المغرب وإسبانيا، التي تم التوقيع عليها سنة 2001، والتي بموجبها طلبت إسبانيا من المغرب تسهيل انتقال عمال زراعيين بشكل موسمي؛ لضمان جني محاصيل الفاكهة، مع ضمان عودتهم إلى المغرب مجدداً.
وأضاف الوزير أنه "ليس هناك أي حديث بخصوص هذا الموضوع (التراجع عن اتفاقية اليد العاملة)، ولم نتوصل بأي شيء يفيد هذا من الجانب الإسباني"، نافياً صدور أي موقف رسمي بسبب التوتر الأخير بين الرباط ومدريد.
من جهتها، كشفت مصادر من وزارة الشغل والإدماج المهني، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "إسبانيا سبق أن تعاملت؛ بل تتعامل مع دول أخرى، لكنها اختارت المغرب الذي يرتفع عدد العمال الزراعيين المنتمين إليه بشكل سنوي".
وأفادت المصادر ذاتها والتي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن "العمال الزراعيين المغاربة يمتازون عن غيرهم بالكفاءة والمهنية العالية، وهو ما حدا بإسبانيا إلى الاتفاق مع المغرب حولهم منذ سنوات خلت".
وأضاف المتحدث أن "ميزة العمال الزراعيين المغاربة، هي إضافةً إلى كونهم مؤهلين فإنهم كذلك أقل تكلفة بالنسبة للمستثمر الإسباني، مقارنة مع العمالة القادمة من أمريكا الجنوبية".
هذا الكلام أكده المتحدث باسم المزارعين في حديث عن العمال الزراعيين القادمين من الهندوراس، قائلاً: "من الناحية العملية، سيتم تأجير طائرات مباشرة إلى إشبيلية ثم نقلهم بالحافلة إلى هويلفا. نحن نتفهم أن حكومة هندوراس يجب أن تساهم، لأن الأمر بالنسبة لهم ليس نفقة، بل استثماراً؛ لكون مواطنيهم يأتون إلى إسبانيا، ولو سارت التجربة على ما يرام يمكنهم الحصول على طريقة العمل هذه في المستقبل".
واقترحت نقابة المزارعين الإسبان طريقاً لتقليص التكلفة، وذلك من خلال "خيار آخر للتقليل من تكلفة الرحلة، وهو أن يقوم العمال بحملات جني في جميع محافظات إسبانيا الزراعية. على سبيل المثال، عندما تنتهي الحملة في هويلفا، يذهبون إلى ليريدا، وعندما ينتهون هناك يذهبون إلى إكستريماذورا أو خايين، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن أن يكونوا في إسبانيا لأكثر من تسعة أشهر متتالية".
ويعتمد قطاع الفواكه في إسبانيا بشكل كبير على المغرب، الذي يعدُّ المورِّد الأول للعمال الزراعيين، إذ بلغ عدد العمال نحو 14 ألفاً، وتتبعه العمالة القادمة من كولومبيا، التي يصل منها المئات.
ملف العمال الزراعيين أحدثُ ملفٍ ترفعه إسبانيا بوجه المغرب بعد التوتر الكبير الذي خرج للعلن بين البلدين في نهاية شهر مايو/أيار الماضي، وذلك في مسعى من مدريد للضغط على الرباط للتراجع عن التصعيد، من خلال التلويح بملف الهجرة.
هذا وأطلق المغرب إشارة للتهدئة، من خلال توجيه العاهل المغربي، الملك محمد السادس، وزارتي الداخلية والخارجية بالقيام بما يلزم، من أجل حل أزمة القاصرين الذين اخترقوا الحواجز التي تفصل المغرب عن مدينة سبتة المحتلة، وخلقوا أزمة سياسية لحكومة مدريد.
تأتي هذه التطورات في وقت دعت فيه الأمم المتحدة طرفي التوتر إلى الحوار لتجاوز النزاع الدبلوماسي القائم بينهما، وتعد هذه هي المرة الثانية التي تدعو فيها الأمم المتحدة المغرب وإسبانيا إلى تغليب الحوار، بعد اندلاع الخلافات.