في آخر حوار له، أعلن وزير الطاقة والمعادن والبيئة، عزيز رباح، استعداده لزيارة قطاع غزة، إذا طلبت منه الدولة ذلك، بل انتقل إلى الحديث عن ضرورة دعم قطاع غزة، ودعا الأسر إلى تخصيص مساهمات من قُوتها اليومي لدعم فلسطين وغزة.
تصريح وزير الطاقة والمعادن والبيئة الأخير، عزيز رباح، الوزير وعضو الأمانة العامة في حزب العدالة والتنمية (يقود الحكومة)، لم يكن نشازاً، بل جاء في سياق تراجع عدد من الوزراء عن زيارة إسرائيل التي سبق لهم التعبير عنها بُعيد توقيع الاتفاق الثلاثي.
وكشفت مصادر من الرباط، أن "توقيت توقُّف الوزراء عن الحديث عن زيارة إسرائيل، والتوقف عن الترويج للتعاون بين المغرب وإسرائيل، كان أسبق من العدوان الأخير على غزة واعتداءات جيش الاحتلال في القدس وفلسطين".
وتابعت مصادر "عربي بوست"، أنَّ "توقف الوزراء عن الترويج لعلاقات عادية مع الكيان الإسرائيلي جاء بعد صدور تنبيهات إلى الوزراء بعدم التسرع في هذا الملف".
وزادت المصادر ذاتها أن الأمر بلغ حد تنبيه عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين، بأسمائهم، بضرورة التوقف الفوري عن أي خطوات باتجاه إسرائيل.
في الاتجاه ذاته غابت بالفترة الأخيرة مشاركة المسؤولين العموميين المغاربة مع نظرائهم في الكيان، وهو ما فسرته المصادر بكونه تنفيذاً للتعليمات الصادرة من الرباط بالتوقف.
هذا وكان عدد من الوزراء المغاربة وفي مقدمتهم حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، قد روج لزيارة إسرائيل والتعاون الاقتصادي بين البلدين، قبل أن يتلقى تنبيهاً بالتوقف عن إرسال هذه الرسائل.
من جهته كان رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، صرح باستعداد المغرب للعب مباراة كرة قدم مع فريق الكيان الإسرائيلي، لكنه تلقى أمراً بعدم التفكير في هذا الأمر، لأن "الوقت غير مناسب".
وسجلت المصادر أن هذا الأمر يعني أن الرباط قد حسمت أمرها بضرورة التقيد في العلاقة مع الكيان بسقف واضح حدده بلاغ الديوان الملكي، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، الذي أعقب الإعلان الثلاثي، والذي حدد سقف العلاقات بعودة مكتب اتصال.
اعتذار وانقلاب
وتبدو حالة الوزير عزيز رباح، الأكثرَ وضوحاً في التعبير عن الموقف المغربي، حيث انقلب من الاستعداد لزيارة إسرائيل خدمةً لمصالح الوطن، إلى الاعتذار عن هذا التصريح ومحاولة التكفير عنه بإعلان مضاد يسجل فيه استعداداً لزيارة غزة، ويدعو إلى دعم غزة.
وبحسب مصادر من داخل حزب العدالة والتنمية، فإن عزيز رباح قدَّم اعتذاراً لأعضاء المجلس الوطني للحزب (برلمان) بالاجتماع الذي عُقد في 20-21 مارس/آذار الماضي.
وكان الوزير نفسه قد أعلن خلال استضافته في برنامج "حديث مع الصحافة"، بالقناة التلفزيونية الثانية (حكومية)، الأربعاء 3 فبراير/شباط الماضي، أنه "لا يمانع زيارة إسرائيل إذا اقتضى الأمر باعتباره يمثل الدولة".
ثم عاد الوزير رباح لينفي في حوار مع موقع "اليوم 24″، نُشر في 21 مايو/أيار الماضي، ما نُسب إليه من زيارة إسرائيل، قائلاً: "لم أصرح بهذا التعبير، تحدثت باعتباري وزيراً في الحكومة، وكم من مرة شرحت قناعاتي الشخصية وهي قناعات حزبي، لا يمكن أن يزايد بعضنا على بعض".
وفي الحوار ذاته انتقل رباح إلى القول: "صحيح أن هناك مظاهرات وإعلاماً مسانداً، وأعتقد أن الفلسطينيين يحتاجون دعماً من نوع آخر، ولذلك أطلقنا في حزب العدالة والتنمية حملة لجمع التبرعات للقدس، وهذا شيء مهم… الفلسطينيون يحتاجون إلى الوقفات والمسيرات وإلى التنديد، لكن المساندة المادية يجب أن تتطور أكثر".
هذا التحول في موقف الوزير رباح اعتبرته مصادر "عربي بوست" مؤشراً مُهماً لفهم الموقف الرسمي المغربي من مسلسل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، فالرباط من خلال تراجع عدد من الوزراء عن الحديث عن الزيارة، أو الاعتذار عنها، تسير في التطبيع بالسرعة التي تحددها مصالح المغرب".
وأكدت مصادر "عربي بوست" أن "هذا التراجع لا علاقة له بتداعيات العدوان الأخير على غزة والقدس وفلسطين، وأن التصريحات الصادرة عن عدد من الوزراء لم تكن تعكس القرار المغربي باستئناف العلاقات، حيث حرص بلاغ الديوان الملكي على أن العودة إلى العلاقات سيكون حدود سنة 2002".
توقُّف الوزراء عن الترويج لتطبيع العلاقات مع إسرائيل يأتي في سياق يستفحل فيه الخلاف بين الرباط والكيان الإسرائيلي حول مقر مكتب القائم بأعمال الاتصال الإسرائيلي في الرباط، حيث لم يستطع بعد أن وطئت قدماه المغرب الحصول على مكتب يتناسب مع الشروط المغربية ويلبي رغبات الكيان.
وخلافاً للدول المنخرطة في اتفاقات إبراهام، لم يسِر التطبيع المغربي مع إسرائيل كما توقعه كثيرون، بل إن مراقبين يعتبرون أن الرباط تُصر على عودة العلاقات إلى حدود سنة 2000، أي إلى مكتب اتصال، بينما تصر إسرائيل على الارتقاء بها إلى مستوى سفارة.
وكان بلاغ الديوان الملكي المغربي، الصادر في 10 ديسمبر/كانون الأول، قد أفاد بـ"تطوير علاقات مبتكرة في المجالين الاقتصادي والتكنولوجي. ولهذه الغاية، العمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين، كما كان عليه الشأن سابقاً ولسنوات عديدة، إلى غاية 2002″.
وشددت المصادر على أن "من مقتضيات الالتزام المغربي تجاه الإدارة الأمريكية، العودة إلى وضعية (مكتب اتصال)، وهو ما قامت به الرباط التي احتفظت بالمكتب نفسه منذ سنة 2002 إلى اليوم".
في تلك السنوات كانت العلاقات بين المغرب والكيان تقف عند مكاتب اتصال، غير أن الاتفاق الثلاثي الذي رعته أمريكا، قضى بالسماح للإسرائيليين بزيارة المغرب، واستئناف العلاقات الدبلوماسية، وتطوير علاقات مبتكرة في المجالين الاقتصادي والتكنولوجي.