كشفت صحيفة The Times البريطانية، الإثنين 31 مايو/أيار 2021، أن إسبانيا رفضت المشاركة في تدريبات عسكرية بقيادة الولايات المتحدة في إفريقيا خوفاً من أنَّ تعطي المشروعية لسيادة المغرب لإقليم الصحراء المتنازع عليه.
مناورات "الأسد الإفريقي" ستُجرى من 7 إلى 18 يونيو/حزيران بمشاركة 7800 فرد عسكري من 9 دول، منها المملكة المتحدة، إذ كان من المقرر أن تشمل التدريبات إجراء مناورات في إسبانيا وتونس والسنغال، لكن مدريد ألغت مشاركتها بعدما عَلِمَت أنَّ جزءاً منها سيُقَام في الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة، حسبما كشف مسؤولون لصحيفة The Times البريطانية.
ويأتي قرار الولايات المتحدة بإجراء تمرين في هذه الأرض بعد اعتراف الرئيس الأمريكي السابق ترامب في ديسمبر/كانون الأول الماضي، قبل ترك منصبه، بالسيادة المغربية على الصحراء، متجاهلاً أحكام الأمم المتحدة بأنَّ لشعبها الحق في تقرير المصير فيما تدعم إسبانيا جهود الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء لحل النزاع المستمر منذ عقود.
وتواصلت صحيفة The Times مع الأمم المتحدة للحصول على تعليق، وأكدت وزارة الدفاع البريطانية مشاركة جنودها في التدريبات، وكررت بياناً كان قد صدر في ديسمبر/كانون الأول عن وزير الخارجية دومينيك راب مفاده أنَّ المملكة المتحدة تعتبر "وضع الصحراء الغربية غير محدد".
فيما صرحت وزارة الخارجية بأنَّ الحكومة البريطانية تدعم "الجهود التي تقودها الأمم المتحدة للوصول لحل سياسي دائم ومقبول للطرفين يوفر حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية"، وستشارك قوات من كندا وإيطاليا والدنمارك أيضاُ في المناورات، كما هو مفهوم.
تدريبات "الأسد الإفريقي"، التي يقول الجيش الأمريكي إنها "مصممة لمواجهة النشاط الخبيث في شمال إفريقيا وجنوب أوروبا" -وهي سبب اهتمام كبير لإسبانيا- تجرى سنوياً منذ عام 2002، لكن لم يسبق أن أقيمت في إقليم الصحراء.
وبحسب صحيفة El Pais، السبب الرسمي لعدم مشاركة إسبانيا "يتعلق بالميزانية"، وقال رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني نهاية الأسبوع إنَّ التدريبات "في الصحراء المغربية بالمحبس وبالقرب من الداخلة، بمشاركة نحو عشرة آلاف جندي مغربي وأمريكي… تأتي تتويجاً للاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء".
واعترفت الولايات المتحدة بالسيادة المغربية مقابل إقامة المغرب علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، لكن المسؤولين الإسبان قلقون من بيع عتاد عسكري أمريكي للرباط، ودليلاً على القدرات العسكرية المتزايدة للرباط، أشار المسؤولون الإسبان إلى مقتل الداه البندير، قائد جبهة البوليساريو، التي تشن حملة منخفضة الكثافة لاستقلال الصحراء الغربية، بصاروخ مغربي أُطلِق من طائرة بدون طيار في الشهر الماضي.
ويأتي رفض إسبانيا الانضمام إلى التدريبات وسط توترات دبلوماسية متصاعدة بعدما سمحت الرباط في الشهر الماضي لما يصل إلى 10 آلاف مغربي، معظمهم من الشباب، باقتحام جيب سبتة الإسبانية في شمال إفريقيا.
وانزعج المغرب من أنَّ مدريد سمحت لإبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، بتلقي العلاج في مستشفى إسباني. وكانت جبهة البوليساريو، التي تسيطر على ثلث مساحة الصحراء الغربية وتعترف بها الأمم المتحدة الممثل الشرعي للشعب الصحراوي الأصلي، قد حاربت المغرب لأول مرة للسيطرة على الإقليم في عام 1975 عندما انسحبت القوات الاستعمارية الإسبانية.
فيما قالت وزارة الخارجية المغربية إنَّ موقف إسبانيا من الصحراء المغربية وليس مساعدتها الطبية لغالي هو سبب الخلاف بينهما.
التحقيق مع زعيم البوليساريو في إسبانيا
يأتي هذا في وقت يستمع فيه القضاء في إسبانيا، إلى زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، الذي رُفعت ضده اثنتان من الشكاوى بتهمة "التعذيب" وارتكاب "مجازر إبادة"، وذلك بعدما أثار استقبال غالي في إسبانيا بداعي الاستشفاء شرارة أزمة بين الرباط ومدريد.
كان غالي قد دخل، في أبريل/نيسان الماضي، إلى المستشفى في مدينة لوغرونيو، بسبب مضاعفات إصابته بفيروس كورونا، وسيستجوبه عبر الفيديو من مستشفى هذه المدينة الواقعة في شمال إسبانيا أحد قضاة المحكمة الوطنية العليا في مدريد، في جلسة مغلقة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
لم يوجّه الاتهام إلى غالي في أيٍّ من الملفين اللذين يتضمنان اتهامات ضده، وفي ختام التحقيق سيقرر القاضي بشأن الملاحقات القضائية من عدمها.
إلا أن هذه الجلسة هي محط اهتمام كبير في مدريد والرباط على حد سواء، بعد توتر على أعلى المستويات في الشهر الأخير بين البلدين، بلغ ذروته مع وصول نحو 10 آلاف مهاجر، في منتصف مايو/أيار الماضي، إلى جيب سبتة الإسباني.
خلاف قديم
يشهد إقليم الصحراء منذ عام 1975 نزاعاً بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، وذلك بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة.
تقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها في الصحراء، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر، التي تؤوي عشرات الآلاف من اللاجئين من الإقليم.
لذلك يمثل ملف الصحراء المغربية إحدى أبرز قضايا الخلاف بين الجزائر والمغرب، البلدين اللذين يغلقان حدودهما المشتركة منذ عام 1994 بسبب الخلافات السياسية.
وفي انتظار التوصل إلى حل، يعيش لاجئون صحراويون في مخيمات قرب مدينة تندوف بالجزائر. ويقدَّر عددهم بما بين 100 ألف و200 ألف شخص، في ظل غياب إحصاء رسمي.
يُشار إلى أن المغرب يسيطر على 80% من مساحة الصحراء المغربية، الممتدة على مساحة 266 ألف كيلومتر مربع، مع شريط ساحلي غني بالسمك على مدى 1000 كيلومتر على المحيط الأطلسي. وتتعامل السلطات المغربية مع المنطقة، الغنية بالفوسفات، مثلما تتعامل مع بقية جهات المملكة.
ودعت الأمم المتحدة طرفَي النزاع إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار واستئناف مسار التسوية السياسية، وذلك بعدما توقفت المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة وتشارك فيها أيضاً الجزائر وموريتانيا، منذ ربيع عام 2019.